حقيقة تكوين عصابة الجنجويد هل استطاعت.. رواية "ظل الفوضى" التأصيل للمسألة بعيداً عن الحمولات الزائدة!
بقلم مصطفى باسي
طالعت مراجعة الأستاذ أبو القاسم النور عن الرواية الثانية للصديق محمد دهب تلبو ، وقد اثارت في مراجعته شجون قديمة تتعلق بذكرياتي مع هذا النص العظيم، في طور تشكله ابان الدراسة الجامعية، فقد زاملت محمد دهب تلبو في السكن الجامعي بداخلية محمد صالح بالفتيحاب، وقد كان طالب هندسة مجتهد ومطالع نهم لجميع ضروب المعرفة، وله مشروع ادبي متطلع يحدثنا به كلما جلسنا للسمر، من ملامحه هذه الرواية البارزة ،حيث ذكر لي أنه شهد محارق الجنجويد في زيارته لوادي صالح قبيل الالتحاق بالجامعة، وقد رأى ما رأى من مأسي جعلته يؤمن بأنهم ليسوا بشر، الجميع يعلم ذلك طبعاً فقد كانت وقتها كانت عصابة الجنجويد في اوجها، شرهة فيما يخص التهام القرى والفرقان، بأمر سلطة الخرطوم، و ظل الفوضى خرجت من بين لهيب تلك النيران المليئة بأنين الضحايا وتشتتهم، كيف لا وقد شهدت انا بنفسي احراق قرى جنوب نيالا حد الافحام، ليس بأمر قبيلة او شيخ عشيرة وإنما بأمر قائد الفرقة 16 مشاه.
جاءت رواية ظل الفوضى بعد مخاض عسير تابعته خطوة بخطوة بحكم ملازمتي لكاتبها وقربي منه ، حيث كان حريصاً على التأريخ لهذه المآسي بحياد تام بعيداً عن التحيزات العرقية والاثنية -وهو الذي لا يؤمن بالقبيلة اصلاً- لذلك ليس غريباً عليه عدم تسليمه بنسب عصابة الجنجويد لمكونات اجتماعية او قبلية معينة، وهي حقيقة يعرفها جميع اهل دارفور، لمعرفتهم بتاريخ عصابات الجنجويد منذ زمن بعيد في المغارات الغربية البعيدة المسماة "كرقو" وهي الحقيقة الضائعة بتواطؤ الحكومة واطراف أخرى بحسب ايمانه.
و دهب تلبو رجل مصادم، فعلى الرغم من عدم انتمائه لأي جهة سياسية أيام الدراسة الا انه كان مجاهراً بعدائه السافر للجنجويد وقادتهم الخرطوميون ، وهو ما جلب عليه البلاء حتى بعد هروبه خارج البلاد فقد قامت السلطات بحظر روايته الأولى " مدارج السلسيون" التي تتحدث عن تسلط من نوع اخر منبعه الحرب والتشرد في مدن السودان واقاليمه المترامية.
وبعيداً عن الشجون والذكريات لأيام حكومة البشير السيئة، فإن المقال جعلني اراجع الرواية مرة ثاينة خاصة ما يتعلق بخصوص انشاء النواة الأولى لمليشيا الجنجويد الرسمية ،وانا أقول الرسمية هنا لأوكد أن عصابة الجنجويد هي حقيقة ماثلة قبل حرب 2003 كعصابة خارجة عن العرف والقانون انشطرت من حرب متحرك الحركة الشعبية بقيادة بولاد 1991 وقد اتخذت مغارات جبال كرقو" وهي جبال في اقصى غربي وادي صالح بغرب دارفور كمنفى اختياري لها بعد تبرأ المجتمع منها بعد الحرب التي اثارتها حملة بولاد بوادي صالح، تنشط عصابة الجنجويد "قبل التدشين الرسمي" في سرقة الماشية بشكل أساسي لا سيما ابان المناوشات الاهلية والحروب العرضية وقد ذكرها الدكتور كمال الزين في كتابه " دارفور من الامكوكاكية الى الحكم الرشيد" .
قامت سلطة الإنقاذ بشرعنة هذه العصابة المنفلتة بعيد حرب 2003 عبر بوابة الدفاع الشعبي، وقد كان للمجرم "شكرت الله" يد السبق في لملمة أطرافها، وهي الرواية التي عملت رواية ظل الفوضى على معالجتها معالجة فنية ، بغرض التوثيق الادبي، وهي نقطة في غاية الأهمية. فكما اسلف الأستاذ أبو القاسم النور في مقاله فإن المنطقة لها ارث اجتماعي تليد حاولت حكومة الخرطوم اللعب على حبال التناقض لتثير الفوضى العارمة، وقد استطاعت بالنظر لأزمة حرب دارفور، حيث اختلط الحابل بالنابل، فيما يخص المسئولية الجنائية، وصل حتى التجريم الاثني، والجغرافي، وهو ما ينذر بخطر التناحر الابدي، والفناء، فإننا كضحايا وجدنا الخطاب الرسمي الذي تتحدث به السلطة مضلل لأبعد حدود حيث إنها تسمي عصابة الجنجويد باسم الإثنيات على الرغم من أننا نعلم جيداً ان الكثير من أبنائنا هم جزء اصيل من عصابة الجنجويد التي أشرفت اشارف مباشر على حرق القرى وابادة المدنيين مثل الدكتور فرح الذي اباد قرى شطاية وكايليك وهي قراه التي ترعرع فيها ليكافئه عمر البشير بتنصيبه وزيراً للتربية والتعليم وكذلك الدبنقاوي فضل سيسي وابنائه الذين اشرفوا على إبادة قرى وادي صالح وابن الدبنقاوي فضل سيسي رئيس الإدارة الاهلية للفور هو ضابط رسمي تم استيعابه في مليشيا الجنجويد المسماة "حرس الحدود" الى تاريخ دمجها في الجسم الجديد للجنجويد "الدعم السريع" كمكافئة للأسرة لمشاركتها في إبادة قرى وادي صالح
كل هذه الحقائق المهمة تأصل لها رواية "ظل الفوضى" لتبين الفرق بين العصابة الاجرامية المسماة بالجنجويد على مختلف مسمياتها " حرس حدود- ام باغة- دعم سريع..الخ" وبين المجتمعات الاصيلة والمسالمة في دارفور والتي تعج بالشرفاء من أبنائها الذين يختلفون كلياً عما يؤمن به قادة الجنجويد من البرابرة واللصوص الذين قاموا بمساعدة السلطة المركزية ومباركتها بإبادة المدنيين العزل وحرق قراهم ابان الأربعة عشر سنة الماضية ولا زالوا.
ففي الفصل "سيرة الموت" روت الرواية قصص مأساوية هي حقيقة ما واجهه المدنيين العزل من تواطؤ رسمي من الدولة في حشد كل لأجهزتها الأمنية، والمخابراتية، فقط من اجل اخراس المتمردين الذين يختلفون مع الحكومة سياسياً وليس اجتماعيا، وما ميز الرواية أنها لم تعتمد على الخطاب المطلبي ، او الاستجداء الخانع، وانما المعالجة الفنية أي مناقشة القضايا من جانب قصصي لا تقريري، وهذا ما يتميز به تلبو في كتابته الإبداعية، فنصوص مثل "تداعي ظاعن" و"تمرد الأيام" لا يصنعهما الا قلم درب، مليء بالخبايا السردية.
على كل حال، فإني أرى أن الرواية التي لم تنال حقها من النقاش بسبب محاربتها من قبل السلطة في الخرطوم- فقد فشلت كل المحاولات في العام 2018 من اصدار نسخة محلية من الخرطوم وحتى بعد الثورة تتعنت المكتبة الوطنية في اصدار رقم ردمك للرواية- قد استطاعت أن تأصل لمشكلة عصابة الجنجويد بإرجاعها الى اصلها كعصابة متفلته استخدمتها الحكومة المركزية، من اجل إبادة المدنيين وانشاء شقة بين مكونات المجتمع، ولكن يبدو أن السحر قد تغلب على الساحر، فها نحن نرى الان نيران الجنجويد المستعرة تمتد لتطمع في احراق بيت الدبابير المركزي نفسه، ولكن جهود الشعب السوداني اكبر من تآمرات حكومات المركز، ودسائسه تجه جماهير شعبنا في مدنه واقاليمه المختلفة شرقا وغربا وشمالا وجنوباً فالشعب أقوى من نيران الجنجويد، واخيراً نتمنى نتمنى ان نرى رواية ظل في مكتبات الخرطوم قريباً فهي رواية مهمة خصوصاً لمجتمعات دارفور المتهتكة.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 10/05/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة