أحمد محمد البدوي:أزمة الزول المقهور عربيا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 10:56 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-22-2021, 01:51 PM

أحمد محمد البدوي
<aأحمد محمد البدوي
تاريخ التسجيل: 11-11-2014
مجموع المشاركات: 51

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أحمد محمد البدوي:أزمة الزول المقهور عربيا

    12:51 PM September, 22 2021

    سودانيز اون لاين
    أحمد محمد البدوي-الخرطوم-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر




    الشينة منكورة:
    أزمة الزول المأزوم المقهورعربيا
    استكناه حالة


    تذكرة

    مخطوطة الكتاب منجزة منذ عام 1994 رحمه الله.
    حين تراكمت مادة تسمح بإبرازه في سمت مناسب، ومن بعد تنامت المعلومات والرؤى.
    ورأيت أن أخرج الكتاب لجلوة الملأ، وحفزني بنشوة أريحية، تفانينُ وعي هذا الجيل المائج الموّارفي شوارع السودان التي عُطّرت بقداسة التمرد على الظلمة. أو وعيه بالوعي، ومن قبل بالدم المسفوح من الشهداء والجرحى.
    يتناول الكتاب صورة السودانيين المسلمين الناطقين بالعربية في الكتابات العربية المعاصرة، ونعني بالسودانيين سودان النيل خاصة، والسودان بمعنى السود اللون.
    ولم نُعنَ بما يرد شفويا، واستبعدنا صورة السوداني النوبي في السينما المصرية، فسينهض ببحث هذه القضية آخرون قادمون بدون شك.
    وحصرنا التناول في ثلاث بيئات : موريتانيا والشام ولبنان، ومصر.
    يضم الكتاب ثلاثة أبواب:
    الباب الأول: صورة السود المسلمين الناطقين بالعربية في بلاد شنقيط: موريتانيا.
    في الباب الثاني: صورة السودان في الكتابات العربية عند السوريين والبنانيين.
    في الباب الثالث: صورة السودانيين في الكتابات المصرية.
    ولهذ الكتاب قرين آخر جاهز، عن الفلاتة والكنابي.
    كتاب آخر يتناول ما فعله السودانيّون بأنفسهم من ثلاثينات القرن العشرين، وحتى ما بعد الاستقلال، بهدف سبر غور مكمن الداء، واستجلاء الجانب الإيجابي من الصورة أو بالأحرى المشهد.
    وأتطلع إلى تضمين الفلاتة والكنابية فيه.
    هذا الكتاب يحشد المعلومات الملتقطة ويصنفها ويسعى إلى تحليلها لاستنطاقها وربط المفاهيم لتستقيم دلالة الصورة وعمودها.
    القيم التي يعتني بها الكتاب وعنها يصدر، هي الإنسانية، كل البشر متساوون في الكرامة الإنسانية، والاحتكام إلى الفطرة الإنسانية، وبداهتها في التمييز بين الخطأ والصواب،
    وهي القيم نفسها التي تدفعني إلى اعتبار هذا الكتاب وثيقة، أو ورقة اعتماد خروج السودان من جامعة الدول العربية.
    وهو كتاب يجب أن يحمله السودانيون في سودان النيل، بالانحياز المطلق إلى هذة الإنسانية السوداء اللون المحزونة البائسة، بكل عوراتها ومواجعها وما تعانيه من مظالم، يجب باسم الشهامة أن نتبنى قضية السود في أفريقيا.
    أنهم أهلنا وعلينا أن ننهض بقضيتهم في مواجهة كل المظالم.

    مواجهة العقلية العربية الظالمة العنصرية وهي غير العقلية المستنيرة التي تمثل استثناء ذا حيز ضئيل أو هو هامش على المتن الضخم.
    ولا يتوهم أحد أن هذا الموقف يعني معاداة اللغة العربية الفصحى وبيانها ولهجاتها، لأن سودان النيل اليوم يمثل المركز المتقدم والنجم الساطع الثاقب للغة العربية ولهجاتها، عن يمينه أثيوبيا وإرتريا، وعن يساره الساحل الممتد من تشاد إلى السنغال وما وراء الساحل حتى غانا. ويضاف إليها جنوب مصر (الصعيد) وجنوب ليبيا ( فزان) وكذلك جنوب الجزائر والمغرب وتونس وجل موريتانيا. ولم نحص هنا سود الجزيرة العربية واليمن والعراق والخليج وعمان والبحرين. استبعدنهم تماماَ.
    مراكز اللغة العربية تنقلت جغرافيا وتاريخيا عبر القرون والأمكنة، في هذه المرحلة من تاريخ البشرية آل المركز إلى السودان، بفضل تراكم عوامل شتى.
    وكانت العربية الفصحى لغة منطقة الساحل في وسط أفريقيا، في رحلات الحج والتجارة والعلم وكسب العيش، إلى أن جاء الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، فاحتلت اللغتان الأوربيتان: الفرنسية والإنجليزية مكان العربية ونافستاها، وانتشرت بل توطدت على حساب مراكزالثقافة العربية: في أبَّشّا وسبها وكانم وكانو وزاريا وسوكوتو وأهير في النيجر وتمبكتو وجني وسلا وتكرور وفوتا تورو وغانا. ولا ننسى وجود مناطق كثيرة في الساحل يتحدث أهلها العربية بوصفها لغة الأمهات، مثل الشوا وعامية تشاد والحسانية، على الأقل عشرة ملايين نسمة في نيجريا وحدها.
    وما حدث للعربية الآن في السودان، جرى للغة الإنجليزية الآن، فمن بين الحائزين على جائزة نوبل باسم الأدب الإنجليزي، وعددهم أربعة عشر، لن تجد إنجليزيا واحدا أبيض اللون من إنجلترا، و لكنك ستجد غالبية من السود، ومعظمهم من سلالة الأرقاء الذين سيقوا كالبهائم عبيداً وجواري مثل موريسون، أو من الأفارقة الذين يتحدثون في بيوتهم لغة أفريقية هي لغة أمهاتهم مثل شوينكا.

    الباب الأول
    صورة السود في مرآة شنقيط – موريتانيا
    عندما أقام العلامة الشنقيطي أحمد بن الأمين الشنقيطي في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر وتوفي فيها عام 1913، اشتهر اسمه بعلو الشأن ورسوخ القدم في الدراسات الأدبية والنحوية، وأخرج مجموعة من التآليف والتحقيقات، فاختار أن يكتب تاريخ الحركة الأدبية في بلاد شنقيط، ودفق في ثنايا كتابه معلومات موثّقة عن قضايا اجتماعية، من بينها قضية شيوع السحر وسط الرقيق ، أي العبيد السودانيين، فقال:
    " انتشر السحر في عبيد أهل المدن من شنقيط، وفشا حتى أن العبد صار... إذا ضربه سيدُه.. لا يلبث (سيده) إلا يوماً أو يومين فيقع رأسه عل الوسادة فيموت عاجلاً. والناس يقولون العبد الساحر ينظر إل رئة الإنسان، وإذا أراد أن يسحره ينزع قلبه إذا لاصقه أو لاصق ظله، ويزعمون أنه إذا أخذ قلب الشخص يواريه في الرمال فينقلب كبشاً بعد مدة قليلة.. وهذا لابد أن يكون خرافة، أما الذي لا يُشك فيه فهو أن العبد يأخذ قلب الشخص فإذا أتاه أهل المسحور بالمسحور بعد أن يهددوه بالقتل، يضع يده عل صدر المسحور ليداويه، فيقوم كأنه نشط من عقال، وإذا قُـُتل الساحر قبل موت المسحور، يقوم ( المسحور) في الحال.
    وسبب فشو السحر في عبيد أهل شنقيط، كثرة العبيد المستجلبة من بنبارة، وهم جنس من السودان، السحر فيهم حايد عن القياس،لما ظهر أهل تيججلَه لمّا انتشر في عبيدهم من السحرتفكّروا في قتلهم كلهم فمنعهم من ذلك أن النخل لا يقدر عل معاناة شؤونه غيرهم،فأتوا برجل من السودان يقال له شِبرنه فبذلوا له مالاً كثيراً في أن ينزعوا ما في صدور أولك العبيد من السحر، وصارت الناس تقتل كل من اتهموه بأنه سحر أحداَ، وأكثر ما يحمل العبيد على قتل الناس، على ما يُقال، شدّة شهوة اللحم، والجوع، والغيظ من المسحور." ( الوسيط في تراجم علماء شنقيط، المطبعة الجمالية، القاهرة، 1911م، ص ص 509 -510)
    يطلعنا هذا النص الطويل الممل والمثير للذهول والغثيان على عقلية متخلفة محجوبة عن أفق الإنسانية، عقلية قوم سفاكي دماء، ذوي فظاعة بشعة، إيمانهم بخرافة متوهمة، متمكنة من نفوس سيطر عليها الشر، أدّى إلى قتل عدد كبير من المسترقين،
    يستوي في ذلك، الكاتب النحرير والقوم المكتوب عنهم!
    من أين أتوا بهم عبيداً؟ اختطفوهم ، وباعوهم واشتروهم، في سوق النخاسة، فالعبد سلعة مملوكة مصيره في يد مالكه، يقتل العبد بدون محاكمة ولا قضاء، هو حرّ التصرف فيه، فإن لم يقتله أوسعه ضرباً وسمح بمقاساته الضرب من الآخرين، فإن لم يضربْ تعرّض للإهانة، ودوما يعاني العبد من " الجوع"، مع أن العبيد منتجون يقومون بالعمل الأساسي الشاق ، وهو : " النخل لا يقدر على معاناة شؤونه غيرهم" ( نفسه : 502)
    وهذه قسوةمعروفة من قديم في تراث البادية العربية، فيقولون عن تعذيب العبد: نُجيع كبدَه، ونُطيل كدَّه، ونعرّي جسده.
    وجليٌّ من النص أن هذه المعاملة جرّدتْ هؤلاء الناس المظلومين من إنسانيتهم، ليست لهم كرامة البشر، ولا يختلف حالهم هذا عن حال إخوانهم العبيد الذين اختطفوا من المنطقة نفسها وسيقوا عنوةً عبر المحيط إلى أمريكا.ولكنهم أحسن حالا، لأن الضمير الإنساني هناك يصحو، ويدين الرق بوصفه جريمة!
    وإذا سألنا عن القيم الحضارية التي تميز هؤلاء الشناقيط الذين استعبدوا أخوانهم في الإنسانية وفي الإسلام، من الأفارقة سود الألوان، سيحدثنا عن قيمهم أحمد الأمين الشنقيطي:
    "لا يهابون بيعاً فاسداً، ويشهدون الزور، ولا يبالون بالإيمان الكاذبة، ولا يقيمون حداً من حدود الله، ولا ترث الأنثى عندهم،
    ولا يتّقون مال اليتيم." ( نفسه، ص:52)
    إنهم مجردون من القيم الإنسانية وهي مكارم أخلاق الإنسان في العصر الحديث، و وتدل ممارساتهم على خروجهم التام عن حدود الله المعروفة في دين الإسلام، وعندئذ نعرف جهنم الحال البائس لهؤلاء القوم السود المرزوئين.
    الرق ظل شريعة موريتانيا التي رفضت دولة موريتانيا التخلي عنها والانضمام إلى اليان العالمي الذي يحرم الرق ويدينه، ولم تنضم إلى هذا البيان وتستصدر وثيقة بتحريمه إلا عام 1984، ورغم حدوث ذلك مؤخراً، وذلك في حد ذاته أمر مستنكر، ولكن يبدو أن الرق ما يزال قائماً في موريتانيا، ولقد ظهرت إعلانات تداولتها أركان الشبكة، عن بيع نساء موثقة بصورهن، ومزاياهن مثل حفظ جزء عمّ،ولا يغير من الأمر شيئاً، أن صورهن تثبت أنهن لسن من الأفريقيات السوداوات.
    وإذا نظرنا اليوم ( 1994) إلى حال السود في جمهورية موريتانيا، وأمعنا النظر في الخارطة السياسية، وجدنا حزباً سياسياً موريتانياً خاصاً بالعبيد السودانيين الموريتانيين سابقا، أي الأفارقة السود، الذين تحرّروا ( رسمياً واسمياً على الأقل) مؤخراً:
    " حزب الحر، وهي حركة العبيد المعتوقين أو الحَـرّاطين،
    ويرأسها مسعود بولخير".
    (موريتانيا أهلاً بالديمقراطية، تحقيق صحفي، مجلة الجيل، نيقوسيا، قبرص، نوفمبر 1991، ص: 9)
    أما برنامج هذا الحزب وخلفياته، فيقول الصحفي العربي الذي أجرى التحقيق الصحفي:
    "تبنّى الحراطون لغة أسيادهم (!) القدامى وثقافتهم وتقاليدهم العربية، ووصل بهم ذلك إلى نسيان لون بشرتهم (!)، فاعتبروا أنفسهم من البيضان، مما جعل المشرفين على إحصاء السكان الذي جرى في عام 1988، يضعونهم في البيضان، وهم يشكلون أربعين في المائة من مجموع سكان موريتانيا، ويشتكي بعض الحراطين اليوم من كون البيضان يعتبرونهم عرباً من الدرجة الثانية ( !) ، ولا ينظرون إليهم إلا كيد عاملة يستخدمونهم لصالحهم، دون ترقيتهم الاجتماعية والسياسية". ( نفسه ، ص : 10)
    الشماتة والاستهزاء في ثنايا كلام الصحفي العربي أمران بينان، هؤلاء القوم وإن اسلموا وتحدثوا العربية لغة أولى، كل أولئك لا يكفي لإطلاق كلمة عرب عليهم، فالعربية ليست لساناً كما قال الرسول الكريم، وليس كل من تكلم العربية وانتمى إليها عربياً، كما قال ابن تيمية، وإنما الأمر في حالة العبيد المعتوقين محصور في وصمة لونهم المزري بهم، لونهم يحول بينهم وبين العروبة، وإن تبنوا مع العربية ثقافة أسيادهم وهي الإسلام، في المقام الأول.
    بيد أن هؤلاء العبيد يشكلون نصف سكان موريتانيا، وهم القوة المنتجة في المجتمع كله، ولكنهم محرومون من أبسط الحقوق:
    " السلطات قامت باعتقال ثمانية من قادتهم، إلى أن وضع الدستور." ( نفسه ص: 10)
    الهدف حجب صوتهم فلا يسمع بحال، وحرمانهم من حقوقهم ومصالحهم من أن تكون مضمنة بوضوح في الدستور، وفي ذلك تعمد واضح لإلحاق الضرر بنصف المجتمع، بتجريده من حقوقه الطبيعية، وهي كلها قائمة على حق المساواة بين جميع المواطنين. ومن ثمّ لا يكون ذلك الدستور إلا تكريساً لمصالح فئة قليلة وقاهرة، فلما وضع الدستور، أطلقوا سراحهم.
    بيد أن " الصحفي العربي" ليعرف أن عددا من شناقيط موريتانيا المعدودين في البيضان، هم قوم سود الألوان بل قادة:
    "أثبتهم الترارزة الكُحْل أعني أبناء منوك وتعرجنت وزَنبت وأبناء عايد، ومعنى الكحل أنهم سود الألوان.. الترارزة هم آخر أجناس شنقيط مما يلي السنغال، وهم أحسنهم، لقلة مضرّتهم، للزوايا بالنسبة إلى غيرهم" ( ألشنقيطي، ص 459).
    جلي أنهم حصيلة التمازج مع الأفارقة السود، ونسوا أصولهم الأمزيقية. وهم أحسن الشناقيط أخلاقاً، لبرّهم بمواطن العلم والعبادة " الزوايا"، وليسوا مثل " قاتلي العبيد" بالوهم من القوم الذين لا يقيمون حدود الله.
    وإن كان الحراطون يمثلون نسبة نصف المجتمع، ويضاف إليهم الترارزة، فهناك أفارقة سود آخرون:
    " إضافة إلى الحراطين والبيضان، هناك فئة ثالثة من السكان يسمون أنفسهم الزنوج الموريتانيين، للتمييز بينهم وبين الحراطين الذين اختاروا الانتماء إلى الثقافة العربية، زنوج موريتانيا مسلمون مستقرون على ضفة نهر السنغال، ويحتفظون بلغاتهم المحلية إذ لا يعرفون من العربية إلا ما جاء في القرآن الكريم. وأغلبية العنصر الزنجي تنتمي إلى عشيرة أهل بولار، التي تتحدّث لغة البولار، ثم تأتي بعدها عشيرتا السوننكي والولوف،. الحكومة اعتبرت اللغات الموريتانية كالولوف والسوننكي والـبولار، من اللغات الوطنية." ( مجلة الجيل ص:11 وص:5)
    إذا جمعنا قي صعيد واحد هؤلاء السود مع إخوانهم " المعتوقين" وجدناهم يمثلون غالبية المجتمع من حيث غالبية السكان، ولكن السلطة في أعلى مستوياتها ليست في أيدي غالبية السكان، التي لم تنل ما يستحقه وزنها السكاني.
    على العكس تماماَ نجد في موريتانيا جماعات تجهر بموقف عنصري معاد للأغلبية وضار بحقوقها المشروعة:
    " القوميون العرب والبعثيون منهم على وجه الخصوص، قالوا في منشوراتهم إنهم سيناضلون من أجل عروبة موريتانيا، حتى ولو تطلب الأمر استعمال العنف، ضد العنصر الزنجي". ( نفسه، ص:9)
    واستخدام العنف يعني إبادة غالبية السكان، من قبل الأقلية، ولا يشفع للسود إسلامهم ولا تحدث معهم العربية، وهم موجودون في ذلك المكان الجغرافي من قبل ظهور الإسلام.

    كانت موريتانيا نالت استقلالها من فرنسا عام 1960، ولكنها لم تدخل جامعة الدول العربية إلا عام 1973، بعد ثلات عشرة سنة من استقلالها.
    هذا هو حال " سود الألوان" في موريتانيا، إن لم يقض عليهم الموت المادي " الإبادة" فهم يموتون كل يوم بحكم سيطرة عقلية سوق النخاسة، على أقدارهم وحقوقهم الطبيعية في بلادهم.

    الفصل الثاني: في بلاد الشام: سوريا ولبنان.
    عام 1895م
    في مجلة الهلال في القاهرة، التي أصدرها القادم من لبنان، والعامل في جهاز المخابرات البريطانية: جرجي زيدان، نقرأ قبل خمسة أعوام من قدوم القرن العشرين، في باب السؤال والاقتراح، تحت عنوان العبيد " الزنوج" هذ السؤال:
    " بنها: إبراهيم أفندي:
    في أي زمن ظهرت العبيد، وما السبب في تَغيُّر ألوانهم عن سائر المخلوقات، مع أن هذه الصفات لم تظهر من عهد آدم،أفيدونا ولكم الفضل؟
    الهلال: لا نعلم زمن ظهور العبيد ( الزنوج) تماماً، ولكن من المقرر أنهم كانوا على ماهم عليه الآن،منذ ما يزيد على أربعة آلاف سنة، ونرى على الآثار المصرية رسوماً للزنوج منذ أكثر من ألف وستمائة سنة، قبل الميلاد،وهم على مثل حالهم الآن لوناً وشكلاً وقد استخدمم المصريون القدماء قبل الميلاد بثلاثة وعشرين قرناً.
    اما سبب اسوداد ألوانهم، فالغالب أنه من الإقليم الحار، وهم يقطنون أواسط أفريقيا والهند وبعض بلاد العرب وبعض الجزائر..
    الغربية والبرازيل وبيرو الغربية والبرازيل وفي الولايات المنحدة جماعة كبيرة منهم، حُملوا إليها منذ قرنين." (مجلة الهلال، القاهرة،15/9/1895م. ص: 53)
    من الممكن الرد بسهولة ويسر على ضلالات الرد المُـشبَّع حتى الانتفاخ بالعنصرية، بأن من سماهم الزنوج المستجلبين إلى مصر القديمة إنما هم المصريون القدماء، ولكن يهمنا من النص كله دلالته العنصرية النتنة، في ربط الزنوج أي أصحاب اللون الأسود بكلمة عبيد، وكاتب النص اللبناني صادق لأنه متجانس في الموقف مع سمة راكزة في مجتمعه اللبناني العربي .
    اتفق الاثنان على أمرٍيفضح سوء أخلاق الكاتب السائل والعالم كاتب الرد باسم مجلة الهلال، وذلك بإثبات كلمة العبيد من كليهماعلى أساس أنها المصطلح الأصيل، بحيث توضع كلمة : بين قوسين بوصفها عبارة مفسرة وكلمة عبيد هي حشو و زائدة، كلمة مستقرة في الوسط الثقافي، ليس في استخدامها نبو يمس أخلاق الكاتب أوينال من المجلة المرموقة،أو يزري بمكانتها وحظها من الإنسانية، بل لا يرون فيها دلالة سلبية تسيء إلى كرامة مستخدميها وحظهما من التحضُّر والنبل.
    فإذا جئنا إلى محمد كرد علي السوري، وهوعلام قومه، مؤسس المجمع العلمي السوري العربي في دمشق، وشيخ العربية في عصره، وهو رجل كردي، يحرص على ارتداء زي الأكراد، ويتحدث لغته الكردية في بيته، ويحمل في اسمه ما يدل على كرديته، نجده كتب فقال:
    " في مصر اليوم عدة جماعات ومجتمعات تظفر في بعض حواشيها بأفراد ممتازين،.. منهم صديقي محمد بك علي المهندس، وأمه سودانية، وهو أسود البشرة، محمود الصفات، وقد وقع لي أن لاقيت على الجادة صديقاً أخر اسمه صالح افندي السوداني،وهو أسود أيضاً بلون محمد بك علي، وهو من أرباب الأقلام، فقلت لهما خطر ببالي الآن قصة، وقعت لي في بلدي،(سوريا) وأنا في صدر الشباب.. كان لنا جار وهو أخي في الرضاع اسمه رشيد الهبل من أبناء البيوتات القديمة، وقد خلف له أهله ثروة جيدة، وكان أسود اللون قاتمه مثلكما، فكنا يومئذ نمتطي الخيل وعنده وعند والدي منها عدة، فقال والدي يوماً: إنك يا بني تثبت كل يوم حسن ذوقك، أما رأيت في هذه المدينة الكبيرة، أجمل طلعة من جارنا ابن الأهبل تصحبه في نزهتك! ودعا لي بالتوفيق.. والتفتُ إلى الصديقين فقلت لهما، من باب مطابقة الحديث للترجمة، أليس قول والدي يصدق علي الآن،!
    ولا شك أن الناس هنا يضحكون إذ يروني بينكما! (في القاهرة) أدق شعوراً، فيضحكون إذ يروني بينكما. فضحكنا كثيراً، وتالله إني لأفضل هذين الأسودين بمٍا لهما من صفات غُرّ، على كثير من البيض أصحاب الصحائف السود." (محمد كرد علي، هزل مصر، القاهرة، 13/ 5/ 1940. ص: 806)
    النص دال كأقوى ما تكون الدلالة على بيئة تشيع فيها نُعَرة عنصرية بل وجدها الكاتب في بيته، مركوزة في أبيه السري، وما يزال شيء منها راسخاً في نفس الكاتب الحصيف وإن تسربل بالأفكوهة والدعابة.
    إن أباه الكردي اللسان المسلم الثري صاحب الخيل الجيدة الكثيرة ليستنكف من مماشاة ابنه لأخيه في الرضاع، وجاره الثري أيضاً،! لأنه أسود اللون، مما يدل على طعن في ذوق ابنه ويُزري بحصافته.! فتلك مثلبة واجبٌ عليه التخلص منها.
    وإن وصف بيئة القاهرة أنها " أدق شعوراً" ، فالشام غليظة القلب جافية، أهلها غير متسامحين مع إنسان سوري أسود اللون وإن كان جاراً، وواسع الثراء أيضاً، والكاتب نفسه لم تنسه "الصفات الغر" أي الفضائل التي تميز جاره، وهي معنوية، ما لجاره من لون أسود.
    لقد عقد علاقة تضاد بين سواد الألوان وبياض الأفعال، فلو تساوت فضائل الأسود اللون مع فضائل غير المتسم بسواد اللون، فلا شك أن غير المتسم بسواد اللون سيكون راجحاً، بفضل لونه.
    في ضوء هذه المعلومة ودلالاتها في حق محمد كرد علي طليعة الفكر والثقافة في سوريا كلها، نقرأ ما كتبه قاضٍ شرعيٌّ شامي مشهورجداً في مواطن مكانيةوحقب زمانية، هو مفتي الديار السورية وأديب رنّان البيان، صاحب تآليف، وسياسي ذو نزعة إسلاموية بل هوالأب الروحي لحركة الإخوان المسلمين السورية، من بعد شيخها المؤسس العظيم: الأستاذ مصطفى السباعي، من بعد لجوئه ولجوئهم إلى السعودية، وعكوفه على تقديم برنامج أسبوعي في التلفزيون السعودي، يُقدّم بعد صلاة الجمعة مباشرة، يجيب فيه عن أسئلة يتلـقّاها بالبريد، في أمور دينية ودنيوية ومعلومات في مجالات كثيرة، على مدى سنوات ممتدة حتى وفاته، ألا وهو الشيخ علي الطنطاوي، فقد كتب وهو مقيم في دمشق في أربعينات القرن العشرين، رسالة منشورة في مجلة الرسالة القاهرية، وجّهها الطنطاوي إلى صديق له سوري مبتعث إلى مثابة الحضارة، عنده وهي باريس لتلقي العلم، عنوانها:
    إلى أخي النازح إلى باريس، جاء فيها:
    " إنك سترى مدينة كبيرة، وشوارع وميادين ومصانع وعماراتٍ، فلا يهولنك ما ترى، ولا تحقر حيالها نفسك ولا بلدك، كما يفعل أكثر ما عرفنا من زوّار باريس، واعلم إنها إن تكن عظيمةَ!، وإن يكن أهلها متمدنين، فما أنت من سودان أفريقية، ولا بلدك من قرى التبت، وإنما أنت ابن المجد".!
    ( علي الطنطاوي، إلى أخي النازح إلى باريس، الرسالة،6/12/ 1937م، ص:1970)
    وفي عدد تال من المجلة، نشرت مجلة الرسالة تعليقاً باسم محرّر المجلة الضخمة على رسالة علي الطنطاوي قائلة:
    " جاء من إخواننا السودانيين، رسائلُ كثيرة في هذا المعنى، فاكتفينا بهذه الرسالة لاعتدالها وإيجازها" مما يظهر بجلاء لا جَمجمة فيه، أن الرسائل الكثيرة، كانت عنيفة جعلية باطشة، بعيدة عن "الاعتدال" ومسهبة لم تتحلًّ بشيء من " الإيجاز"، أما الرسالة المعتدلة المختصرة المنشورة فتقول:
    " الأستاذ علي الطنطاوي
    أيجدر بك أن تجعل من بلد شرقي مسلم مضرباً لأمثال السوء؟! لإن كان عيب السودان لونهم أو بشرتهم القاتمة، فإن خلف تلك السمرة...نفوساُ أبية تعفُّ عن مواطن المسكنة وتربأ عن الهوان.
    أمدرمان، سوداني"
    إن ردّ السوداني أشبه بالعتاب الودود الذرائعي المتباكي منه بالدحض الرافض والاستنكار الجهور، وقد حصر السودان في بلد شرقي "مسلم"! وفي السودان قوم من البشر غير مسلمين يحرم الإسلام الاعتداء عليهم ويصون حرمتهم من الابتذال. ولا ينسى السوداني التنصلل من وطأة اللون وكأنه يستنكره.
    ومع ذلك يرد عليه: قاضي الإسلام المصرح بالقول الغليظ، أي علي الطنطاوي في العدد التالي قائلا:
    " أي والله إننا إخوة إخوة وإن اختلفت الألوان، وتباينت الديار، وحّدَ بيننا الشرق،..وآخى بيننا الله من فوق سماواته، قال الله تعالى: "إنما المؤمنون إخوة"
    وللسودان والله على سواد بشرتهم أطهر أفئدة، وأسمى نفوساً وأدنى إلى الفضيلة والحق من كثير من بيض الجلود .
    وما أردتُ والله إلا أولئك السود من سكان أفريقيا، ولكنها كلمة أسرعت إلى اللسان، قبل أن يتدبرها الجنان فمعذرة ياأخي من أخيك علي الطنطاوي". ( الرسالة 27/12/ 1937. ص:2140)
    سودان أفريقيا في أقصاها في السنغال ومالي، استعمرهم الفرنسيس مثلما استعمروا سوريا، وبينهم يومئذ من زملاء الدمشقي النازح، من أقاموا في باريس وعلى النقيض تماماً بهروها وتحدوها مثل سنجور الذي تفوق في معرفة الفرنسية لغة وأدبا حتى صار عضوًاً في مجمع لغتها الذي يُسمّى أعضاؤه الخالدين، ومثل عثمان سامبين الروائي السينمائي المبدع.
    ماصدر من الفقيه من كلام هو كلام نزق وأرعن ، فقد أراد الاعتذار فما ارعوى، وأتى بجرم أشد رعونة وإسفافاً.
    أبان أنه ما يزال مصمماً على الإزراء باللون الأسود.
    مارأيت قولاً ورداً في مقام الاعتذار هما من الجاهلية الشنيعة أقرب إلى الكفر من قول الطنطاوي وردّه.
    وتمادي علي الطنطاوي من بعد ذلك بنصف قرن، فقال في برنامجه الأسبوعي في تلفزيون السعودية، عندما سأله سائل عن " الغترة" هذه الطرحة التي يغطي بها عرب السعودية رؤوسهم، ما أصلها، فقال له الطنطاوي :إنها غطاء الراس عند العرب .!
    وسخر الله العلامة العراقي يحيى الجبوري، حين تلقى سؤالاً رسمياً موثّقاً من الشيخ زايد رحمه الله، أن رئيس السودان النميري آتٍ إلى أبي ظبي ، استجابة لدعوة، ويريد أن يسأله عن أصل هذه
    القماشة البيضاء، المكوّرة التي يغطي بها السودانيون رؤوسهم، فأجابه العلامة العراقي: هذه هي العمامة العربية الأصيلة.! في بحث نشره من بعد في كتابه المنشور: الملابس عند العرب.
    في موقع آخر يكتب عبد الله الطيب مدير جامعة الخرطوم وعضو المجمع اللغوي عن تجربة أخرى:
    " كنتُ أنشد مرة أحد أدباء لبنان أبياتاً فائية .. عنصري الأعماق:
    ما بال دمعك أم كفكفته يكفُ أم أنت لستَ من الأشواق تنصرفُ
    وفيها نسيب تهلل السيد الأديب له وانشرح صدره، وطرب للبيتين:
    سَبحلة عبلةٌ خودٌ مُبتَّلةٌ بلهاء توشك للمشتاق تنعطف
    خفيفةُ الروح كاسات الشباب بها مهيئاتٌ ومنها الروح يغترف
    ثم جاء البيت:
    أذْكرْتني من كَنو صبحَ الخريف بها يا هذه بل غزالٌ أنت يُشترف
    فقال: كنو!أي نيجريا أي سوداء! وباخت حماسته كلها!.
    وجليٌّ أن نفوره عن اللون الأسود، حتى على التوهم، شغله عن تفهم معنى البيت، ولكن الأديب العنصري الأعماق اشمأزّ من ذكر كنو.. وبلغني أن الشاعر صلاح أحمد إبراهيم أخذ على بعض أدباء لبنان مثل مأخذته ههنا،!فإن يكن قد فعل فقد أصاب."
    ( عبد الله الطيب، من سلال اللامعقول، جريدة الأيام، الخرطوم، 7/11/ 1985م. ص: 7)
    العجيب أن كتاب الروض العاطر للنفزوي، وهو الكتاب العربي الأول في بابه، يمنح مقام الاستحسان، في ذروة مقام الإمتاع المطلوب في الأنثى، أنه يبلغ كماله عند المراة السوداء، بل ذكر التكرورية ، وكنو حسناؤها أولى بالذكر هنا،وقد شبه عبد الله حسناءه، وهي ليست سوداء، ببهجة صباح الخريف في كنو، حسب شرحه هو وحسب قصده في البيت. " ليس صباح كنو بأسود لوناً ولا الموصوفة هنا بسوداء."
    أثبت عبد الله " عنصرية الأعماق" الراسخة في الأديب اللبناني، والاشمئزاز من مجرّد ذكر كنو، جادها الغمام.
    إن الأمر ليس بيضة ديك ولكنه ميسم ثابت وراكز. وأكد مرور شاعر سوداني ضليع بالتجربة نفسها وشرب من الكأس المسموم نفسه. وهو خبر صحيح ذكره صلاح في مقدمة ديوانه: غضبة الهبباي.
    وذات مرة في موضع :المنافحة عن استخدام سلمان رشدي لكلمة : ماهوند، وهي قميئة في روايته، وهو اسم كريه أطلقه الأوربيون و تعني أيضاً: الزنديق، كتب صادق جلال العظم في مجلة عربية لندنية:
    " بدلاً من أن يَحطّ الاسم او الوصف التحقيري من قدر المُسمَّى، يعمل المسمى على رفع شأن الاسم أو (الوصف) وتحويله إلى ميزة عالية، وخصلة حميدة، وإلى موقع قوة جديد، حيث ينعت المستعمر الأوربي الإنسان الأفريقي الأسود بالسواد، يرد الأفريقي قائلا متمردا: " نعم أنا أسود وفخور بالسواد، لأن السواد جميل ورائع." بهذا المعنى وبهذه الروح، تبنّى النبي عامدا متعمدا في رواية سلمان رشدي اسمَ ماهوند الذي أطلقه الأعداء، فتحول الوصف إلى شيئ آخر تماما، أي إلى عكس ما كان مقصودا به من إهانة وتحقير، من جانب الخصوم."

    ( صادق جلال العظم، سلمان رشدي وذهنية التحريم، مجلة الناقد، لندن،ديسمبر 1992. ص: 25)
    ولكن في عدد تال من المجلة يرد مصطفى طلاس على مقولة العظم، مفندا :
    " لا أقبل منك إطلاقا قولك بأن استعمال ماهوند من قبل سلمان رشدي ليس إلا من قبل تبنيه لهذا الاسم على سبيل تأكيد الذات، يا أخ جلال.
    إن محمدا بن عبد الله ليس عنترة ولا زنجياً ليُعيّر باسمه."
    (العماد مصطفى طلاس، الخارجون من جلودهم،مجلة الناقد، أبريل 1993. ص78)
    ما أورده صادق جلال العظم السوري الأكاديمي المرموق، المصادم للمؤسسة الدينية أو الكهنوت، عن الافتخار بسواد اللون من قبل سلالة الرقيق الأفريقي إنما يمثل نموذجاً مطروحاً من باب المقارنةً، ولا قيمة له في مضمار الاستدلال على صحة القضية موضع الجدال أو نفي الصحة عنها، ومع ذلك لم يستخدم العظم كلمة "زنجي"! ولكنه استخدم عبارة: الإنسان الأفريقي الأسود"! وهو استخدام نبيل وبادي التحرّز ومنمٌّ عن قيم عليا كُفلت لها البراءة من لوثة العنصرية، فإذا بطلاس يختصر الطريق في كلمة "زنجي" تفوح منها رائحة الاشمئزاز والتعالي متناسقة في صيرورة السواد إساءة مُبْخسة.
    بيد أن النبي الكريم ليس بأ سود اللون، ولو أن النبي أسود اللون، فليس من حق أحد أن يعيره بالسواد الذي- من أجل التفوّه به- وصم بعض صحابته بسمة الجاهلية، حين صدر من ألسنتهم في حق زملائهم وإخوتهم في الدين. لأن ذلك التعيير من اللغو والباطل المشين، الذي يدينه القانون في بلد كبريطانيا.
    والنبي الكريم نابه في شخصه الكريم، ما هو أفدح من ذلك وأقسى ضراوة، ورد في القرآن الكريم مثل: الأبتر والمجنون والكاهن والمسحور والكذاب الذي يفرّق بين الأب وابنه الخ
    بيد أن من طرائف المصادفات أن نجد آلافا من الزنوج الأمريكان في أمريكا، يؤمنون بأن النبي الكريم يمتّ إلى الأفارقة بصلة واشجة، والأمريكان البيض والأوربيون مجمعون على أن العرب قوم سود، لأنهم في عرف البيض ليسوا بيضا من حيث التصنيف الخاص بالآريين. ولون اللبنانيين والسوريين لا يعده البيض الأوربيون لوناً أبيضَ مثل لونهم إطلاقاً، بل هو معدود من السواد!
    وإن عرفنا أن طلاس هو العميد مصطفى نائب القائد العام للجيش السوري بل وزير دفاعه يومئذ، بل قائده الثاني، وأنه مثقف ضخم حديث له رصيد وافر المدد، نحو خمسة وثلاثين كتابا، في الاستراتيجية وأحاديث المصطفى ورسالة الإسلام الخ، باللغتين العربية والفرنسية، أدركنا عندئذ خطر الكلمة التي خرجت وكبرت وفداحتها. ولنا أن نعلم وجود آلاف الشوام واللبنانيين المقيمين في أفريقيا السوداء وعلو مراكزهم الاجتماعية وضخامة ثرواتهم، من حيث السلطة والسلطان، منذ أيام الاستعمار الفرنسي الذي استقدمهم وسمح لهم بالإقامة وممارسة أعمال شتى وحماهم.
    لم تعصم الرجل المتميز ثقافتُه ولا قيمُ دينه من الانزلاق.
    يظهر أن الاستخدام بجنايته، هو محض سلوك لغوي مقبول في تلك البيئة، مستقر ومقرٌّ، لامشاحة فيه ولا تثريب على ممارسه.
    ولكن كيف صدر عن تصميم وعفوية معا من الطنطاوي وطلاس وهما سوريان دمشقيان من علية القوم في بلادهم، وقبل سنوات
    ممتدة في قرون عدة، كتب شيخ الإسلام : ابن الجوزي العلامة السوري كتابه عن: فضل الحبش أي السود في دمشق التي ضمُت قبر بلال الحبشي.
    وفي أواخر القرن التاسع عشر نشر البيطار كتابه عن مناقب شيخه الولي السوداني الشيخ إبراهيم الرشيد خليفة الشيخ أحمدبن إدريس في مكة المكرمة.
    ولهذا لا نتعجب من وجوم الصدمة البائسة حين يكتب علي حرب:
    "أنالايهمني من يحكمني، أكان من جلدتي أم عبدا حبشيا، شرط أن يحسن حكمه."!
    فاستثار حمية الكاتب االسوداني الشاعر والمترجم السامق الخلق، فأورد الفقرة السابقة، وردّعليها فقال:
    " استغربت أن تسري عبارة:" أم عبدا حبشيا" رغم كل هذه الحساسية، ولم ينتبه لهذا المنزلق الوعر، الحشدُ من كبار المبدعين في هيأة التحرير، في مجلة مواقف: " مجلة الحرية والإبداع والتغيير"، وأتساءل لماذا بذل الكاتب مجهودا جبّارا لكي لا يقع في فخ الهوية، وخاض في اكتراث في اللغة العنصرية!"
    (سيد أحمد بلال، ملاحظة أولى: من فخ الهوية إلى اللغة العنصرية، مجلة الحوار، لندن،أكتوبر 1992، ص ص: 33- 34)
    وغاية الأمر أن أهل الشام ولا سيما لبنان والغون في حمأة لوثة عنصرية بغيضة، توجّه عنصري فطروا عليه، واستمرأته بيئتهم، لا يعبأ ولا يتردد في أن يصف الأفارقة سود الألوان بأنهم " عبيد" جهرا،ويجد في سواد بشرتهم عيباَ ووصمة قادحة في كرامتهم، ومن ثم لانستغرب من ممارساتهم في غرب أفريقيا. لا فرق بين اللبنانيين، مسيحيين أو مسلمين، شيعة أو سنة. لا يهمهم غير نهب خيرات البلد الذي يقيمون فيه، ويحوطون أنفسهم بجدار يعزلهم عن المجتمع الذي يحلون فيه، لا يخالطونه عملا بمقولة "النقاء العنصري"ا ستعلاء على الأفارقة. ولهذا تجد بعض الدول الأفريقية بعد الاستقلال تمنع اللبنانيين من الإقامة فيها والعمل في مجال التجارة.
    ولهذا حين جرى طرد اللبنانيين من دولة بوركينا فاسو، وجهرنا نحن بإدانة التصرّف، قال رئيس جمهورية بوركينا فاسو:
    " هؤلاء عاشوا في بلادنا، وتمتعوا بخيراتها، ولكنهم لا يتزوجون منا ولا نتزوج منهم، لقد استعمرنا الفرنسيس ولكنهم تزوجوا منا وتزوجنا منهم. أولئك فاسدون،دعونا نعاملهم بما يستحقون، أن يخرجوا من بلادنا".!
    أما إذا هاجر اللبنانيون إلى أمريكا اللاتينية، فإن المسيحي منهم يغير اسمه ليكتسب اسما جديدا من أسماء أهل البلد، أما المسلم فيغير دينه مثل منعم رئيس الجمهورية في الأرجنتين الذي تنصّر
    واعتنق دين عيسى عليه السلام.
    الباب الثالث
    الحال في مصر
    صلة مصر بالسودان بعد الإسلام تبدأ عام 1820م، عندما غزا محمد علي باشا المتغلٍّب على حكم مصر والموالي للسلطان العثماني في إسطمبول، وهو يمثل في غزوه الاستعمار الأوربي البريطاني، فقد صارت مصر نفسها من بعد، علانيةً لا مراء فيها، تابعة للتاج البريطاني، يمثلها المندوب السامي البريطاني في القاهرة، فهو استعمار غير مباشر، طبَّقه البريطانيون أي الإنجليز! في الجزيرة العربية والخليج حتى مطلع السبعينات من وراء المشيخات.
    بل إن صعيد مصر كله لم يكن تابعا لمصر ولم يكن يحكم من القاهرة، كانت عاصمته قنا وحاكمه همام وقبيلة الهوارة والبشاريين. إن بريطانيا استوردت القمح من ذلك الصعيد، بعد الحرب الأهلية في أمريكا، واستحكام حدة المجاعة، وأهم من ذلك صلة قنا أي الصعيد بالسودان، بالتجارة المستمرة مع دارفور، وممارسة التجارة مع الهند والحجاز عن طريق ميناء سواكن، وذلك حتى عام 1811، عندما غزا محمد علي قنا وأمعن في قتل رجالها وحرقهم في المشاوي المتحركة واستباح نساءهم، وصادر أراضيهم ووضعها في أيدي إقطاعيين جدد من المستجلبين مثله من تركيا والبلقان، ونقل صناعة النسيج إلى الدلتا، وفعل الأمر نفسه بالقتل واستباحة النساء في الجزيرة العربية بحربه ضد الدولة السعودية الوهابية الأولى.
    ومن بعد ذلك صار الصعيد محكوماَ من القاهرة، وانقسمت قبائل بين الصعيد والسودان حتى اليوم، مثل البشاريين والعبابدة والعليقات والجعافرة والنوبيين من المحس والدناقلة الخ
    سنورد هنا ما كتب عن السودان، في نصوص منشورة منذ القرن التاسع عشر مستطلعين رأي كتاب شتى في هؤلاء السود المسلمين الذين جاءهم استعمار أوربا على يد محمد علي ومؤسسته، أول مرة بشيوخ الدين يرتدون جبب الأزهريين ويقولون: أطيعوا الله.. وأولي الأمر منكم، هذا أمير المؤمنين في تركيا، وهذا خليفته في بلدكم، وانتهى الأمر بالخازوق، ولما قامت الثورة المهدية وحاصرت العاصمة الخرطوم، كان حاكمها وحاكم السودان هو الإنجليزي غردون. ينطبق عليه قول أبي سٍنْ الكبير: " لا ديننا ولا لساننا"!.
    يقول محمد المكي إبراهيم عَلَم شعرائنا ومثقفينا، إن فترة الاستعمار التي حكم السودان إبّانها آلُ محمد علي: الفترة السوداء:
    " كان الاستعمار التركي إنكارا صريحا لعروبة السودان وإسلامه،
    وكان السوداني بنظرهم عبداَ رقيقاَ ووحشاَ متبربراَ، فضلاً عن أن العربي الصريح نفسه لم يكن شيئاً ذا بال عندهم."
    ( أصول الثقافة السودانية، مجلة الآداب، بيروت، ديسمبر 1968، ص:22)
    ولم يكن لهم هدف غير استعباد أهل البلد وحلبهم وقهرهم.
    وعندما نطلع على بعض ما نشر في مصر من كتابات بعض المصريين عن السودانيين، سنستدل بهذا النموذج الذي وقف عنده محمد المكي إبراهيم قائلاً:
    " انظر إلى هذه الدهشةغير المهذبة التي أبدتها جريدة الوقائع المصرية الرسمية عن قصيدة للشيخ الأمين الضرير شيخ علماء السودان في الخرطوم:
    " ولعمري إن كل ذي لبِّ يستكثر من أولئك السودانيين ذلك، ويسره الوقوف على حقيقة الدرجة التي هنالك، والتشويق إلى الزيادة والإفادة، ولقد تردَّد علينا أناس منهم مشغولون بالعلم، بالأزهر المعمور، هم في غاية العلم والتهذيب، والنجابة والاستقامة في كل الأمور،، تحبهم لولا أنهم خيلان،(!) من خطط الأمصار لا السودان،
    وبالجملة فالواجب نشرمآثرهم بلغت ما بلغت شكراً على تناسي بربريتهم" ( نفسه، ص:52)
    سبب العجب هو أنهم خيلان جمع خال، وهي كلمة من المشترك اللّفظي، من معانيها : الشخص الأسود اللون، والمراد : العبد، نصّ على ذلك السيوطي، ومحرّر هذا الكلام في الجريدة الحكومية أي الأميرية، هو أحمد فارس الشدياق الشامي اللبناني المسيحي الذي ذهب إلى أوربا ليعمل في ترجمة الكتاب المقدس إلى العربية، ثم اعتنق الإسلام، وصار محرراً للجريدة في خدمة الدولة العثمانية في مصر، ولا مناص من أن نقول هنا إن لبنان الحالية لم تدرك التعرب إلا في بداية القرن التاسع عشر وليس للبنانيين تراثٌ عربيُّ اللغة إلا منذ ذلك الحين، وكان للسودانيين أروقة في الأزهر منذ زمن بعيد منها رواق السنارية ورواق دار فور ورواق البرنو ومعه مدرسة وله أوقاف، والحق أنه بعد سقوط الأندلس سطعت أنوار العلوم العربية الإسلامية في بلاد السودان من دارفور إلى فوتا تورو في السنغال وضمت تمبكتو في مالي،وأوهير في النيجر، وصكتو في النيجر وشمال نيجريا وبلاد البرنو، وكانوا على صلة بالأزهر منذ زمن السيوطي الذي ذكرهم في سيرته الذاتية ،وفصّل القول في كتبه التي درسوها عليه وتلقوا إجازة فيها، وهم في طريق عودتهم من الحج، واستفاد سودان النيل من رحلات الحج وطريقه، مما جعل العلم يبلغ مكانة سامية، وكانت في السودان مجالس علم راقية في الدمر وبربر وتوتي وخرطومها والأبيض وخرسي وسنار،ولم يكن محرر الجريدة على دراية بهذه الحقيقة الساطعة، وسبب الدهشة جهله وارتباط سواد اللون بمفهومه العنصري السخيف المبتذل، يوم أن كان المشرق العربي كله،استثناء الأزهر وبعض نجد، كان يمر بمرحلة انحطاط في الثقافة العربية سببها الأتراك الذين روّجوا للسانهم وطمروا وجه العربية، ولنا أن نستدل هنا على سطوع العلم في السودان وإرتريا وغرب افريقيا والهند، أن نابليون يوم غزوه مصر وجد ثلاثة علماء يتصدرون محفل العلم في الأزهر، هم: الجبرتي شيخ الأزهر،: الجبرتي( من الجبرتة وهم قوم مشهورون بالعلم والفضل،من مسلمي أثيوبيا وإرتريا)، والزبيدي صاحب تاج العروس أكبر معجم عربي، وهو هندي ومحمد بن محمد الفلاني الفلاتي ( من كاتسنا بين نيجريا والنيجر) وهوشيخ الأدب في الشعر الجاهلي وكتاب الكامل وكتاب الأمالي، وعالم الأوفاق وهو وافد من كاتسنا .
    وعندئذ تنجاب الغمة، ويظهر الفضل المجهول، وما يزال كثير من السوريين والأردنيين واللبنانيين، يبدون دهشتهم وعجبهم من وجود شخص أسود اللون يتحدث العربية، يلتقون به عرضاً وهو مشارك لهم في مشاعر الحج ولا يصدّقون مسامعهم،وهم يسمعون ألسنة فصيحة بكلام سوداني اللهجة غير ذي عوج مفطور على البيان.
    بلاد السودان لم تعرف الانحطاط في الثقافة العربية قط إلا بعد الاستعمار فقد جرتْ محاربة مكرّسة لهدم الطور الذي بلغته، بعد الهجمة التركية التي أحلت التركية في الإدارة والعسكريتاريا وتسربت إلى الألسنة عبارات منها وكلمات.
    أما الشيخ الأمين الضرير فهو شيخ علماء السودان في العهد التركي حتى أتت إلى الخرطوم المهدية، وبدلاً من انحصار تقديم محرر المجلة في سوق الثناء وهو مندهش الأواصر، يكذب قلبه ما رأى في المسطور، مضى يستكثر صاحب القصيدة على أهله من شدة إعجابه وشعوره المفحَم.
    ويجد طلاب العلم السودانيين :" في غاية التهذيب والنجابة والاستقامة" ولكن تدفعه العنصرية اللئيمة " الإرث التاريخي" إلى خلط التناول والنيل من حرمتهم، بجريمة ألوانهم " لولا أنهم خيلان".
    وفي تلك الآونة جاء رفاعة رافع الطنطاوي إلى الخرطوم على رأس مدرسة ابتدائية، ينازعه إحساس مرير بأنه في منفى وبيل بالغ الرداءة، حتى قال:
    وضبط القول فالأخيار نزر وشرّ الناس منتشر الجماد
    ولولا بقية من عرب لكانوا سواداَ في سوادِ في سوادٍ
    (رفاعة الطهطاوي،مناهج الألباب العصرية،مطبعة الرغائب ، القاهرة، 1912.ص: 267)
    وتفضح قصيدته الركيكة غطرسته وعنصريته. وإن تدارك ذلك في نصوص أخرى.
    وفي مطلع القرن الشرين جاء حافظ إبراهيم إلى الخرطوم، ضابطا مبعدا، الخرطوم التي يحكمها كتشنر وونجت في مكان غردون لما داهمت الجيوش الإنجليزية الخرطوم، ولم يرق له جو الخرطوم ولا جفاء العيشة فيها كما قال أحمدأمين. يقول حافظ:
    رميتُ بها على هذا التباب وما أوردتها إلا السراب
    وحتّى صيرتْني الشمسُ عبداَ صبيغاَ من بعد ما دبغتْ لإهابي
    كلمة عبد تعني أسود،جسده المدبوغ صار كأجساد العبيد السودانيين.
    وعندما زار د. محمد حسين هيكل السودان لشهود افتتاح خزان سنار في يوم 21/1/ 1926، دون انطباعاته عن السودان في كتاب منشور قال فيه السوءة عن القوم المساكين المسحوقين، عن بائعات الرهط،ومغربلات التراب في سوق الموردة:
    "أي سوادٍ لحظ الإنسان كهذا السواد، هو أسود من تلك الوجوه الشقية، والظهور المحنية العارية، والشعر الفاحم في تجعّده، والتفافه، وذلك شطر دونه كل ما رأيتُ من مظاهر الفاقة والبؤس."
    ( عشرة أيام في السودان، المطبعة المصرية، القاهرة، 1927، ص:122)
    وقف عند ألوانهم السوداء، ووجد حظهم منها أشد سواداً،( وليس أسود، فما ذلك التعبير بمستقيم) من ألوانهم.! أين الزبّال في مجمع قمامات القاهرة من مغربلة الموردة!
    وما العيب في ممارسة هذه الحرف الضرورية المشروعة!.
    في ضوء ما كتب مصريون مسلمون عن سواد اللون السوداني، ننظر إلى أوربيين بيض كتبوا عن السود النوبيين، وهم من سكان مصر منذ بداية الخلق: ويحصر كلامه عن البوّابين القادمين من وادي النيل، مستهلا كلامه بوقفة ماجدة عن مواطنهم ومساكنهم:
    "يأتون من هذا الوادي الضيق ما بين أسوان وشمال السودان، بيوتهم فسيحة، نظيفة، طليقة الهواء، جدرانها مزيـّنة برسوم من صنع أيديهم، ما من باب عليه قفل، فليس هناك سرقة، ويعترف القاهريون بأمانة النوبيين، ويرونها سبب استخدامهم بوابين، ومع كل هذا فقد احتجت الحكومة السودانية لدى منتجي السينما المصريين لأنهم يظهرون الشخصيات ذوي السحنة السوداء في دور الخدم، ولم يظهروهم سادة مطلقاً".
    ( ديزموند ستيوارت،القاهرة، ترجمة يحيى حقي، دار المعارف،القاهرة، 1987، ص ص : 170- 171)
    المفارقة بين ذوقهم الجمالي المفن في بيوتهم، وصيرورتهم نموذج الأمانة، من جهة، وبين تجسيدهم العنصري الظالم في السينما، الذي يجسّد الفجور في إظهار الوضاعة بمعنى التهميش.
    يالهوانهم.!
    استرعت مكارم الأخلاق التي تحلّى بها النوبيون، أنظار الكثيرين من خارج بيئتهم، مثل الملك فاروق الذي عرفهم طباخين ومرمطونات وبوابين عمالاً في قصورأبيه ولي النعم الباشا الكبير، فحرص على مخالطتهم وتقريبهم وائتمانهم، فتعلم النوبية على نحو ما، وهم أهل لذلك، فكل من عرف الملك فاروق على نحو ما، كتب عنه وعن حياته وعن فضائح لا تعرف حقيقتها إلا من شخص عاش داخلها وخبرها وعجم عودها، ونشروا ذلك في الصحف الأجنبية التي كانت تتهافت على ذلك وتبذل مبالغ مغرية، ولكن النوبييين: الشماشرجي الخاص به" السليماني"، و"الحاج محمد صالح" الطباخ الخاص به، رفضا أن يبوحا بما شهدا في القصور الملكية، ورفضا عروضاً متتالية على مر سنوات من الصحافة الإيطالية، على وجه التخصيص، وبشمم، وماتا بما يعرفان!!
    ومثل هنري كورييل الذي عبر عن ذهوله بمستوى التضامن والتراحم بين النوبيين، ومع ذلك تُطلق عليهم كلمة: البرابرة، وهي جارحة.
    وحدث أن وصفهم محافظ منطقتهم بالبرابرة، ورفض مليّاَ الاعتذار.
    عرف السودان من بعد غزوه عام 1820، ظاهرة الاسترقاق المنظّم باصطياد البشر من مرابعهم الآمنة، وسوقهم سائرين على أقدامهم وبيعهم في سوق النخاسة داخل السودان وخارجه، وبيع الرقيق لأول مرة في المزاد علناً في سوق الخرطوم.
    بيد أن كاتباً في القرن التاسع عشر ينهض بمؤونة الدفاع عن ظاهرة الرق في الإسلام:
    "يتفق في بعض الأحيان أن الأسياد والسيدات يتبنون مماليكهم.
    وكان العبيد من السودان يشاركون أيضاً في هذه المزيّه مثل المماليك، ولنذكر لك مثالا واحدا حدث في أيامي هذه، ألم تترك المرحومة" قادن أفندي" والمرحومة " إينجد هانم أفندي" هباتٍ سنية وعطايا واسعة من أرض ودراهم لجميع عُتقاها وخدمها بلا تمييز في الألوان، وما كان للسودانيين مع ما يلاقونه من المعاملة بالحسنى، أن يعقدوا آمالهم على الظهور وبلوغ الدرجات العالية، مثل ما كان ذلك مقدورا للمماليك ذوي اللون الأبيض." (حسن شفيق بك، الرق في الإسلام، ترجمة أحمد زكي، المطبعة الأميرية، بولاق، القاهرة، 1892م. ص:151.)
    التفرقة العنصرية بلغ مداها المرزوئين بكارثة الرق، فكلمة العبيد مصطلح خاص بالعبيد السود، أما الرقيق الأبيض الأوربي المستجلب من البلقان والناطق بالتركية، فيطلق عليهم مصطلح : المماليك! إذا كان صغير السن سموه " الترابي" وإن كان كبير السن سموه " المجلوب".
    ويظهر من اسمي السيدتين أنهما من الناطقين بالتركية الوافدين حديثا إلى مصر، بعد قيام سلطة محمد علي في مصر، ويحمل أزواجهما لقب أفندي.
    إن نعمة الحرية حق إلهي يبدو إزاءها بلوغ الدرجات العلا دركاً سافلاً ومنحطاً!
    الرد على الكاتب المدافع عن الرق، نجده في ما دونه الكاتب الكبير عبد الحميد جودة السحار في سيرته الذاتية عن تجربة الخادم السودانية: قدم الخير :
    " إنها نشأتْ في بيت جدي الأكبر ثم انتقلت إلى بيتنا مع جدي،
    فلا أدري هل أخذها جدي بالميراث، أم أن أخاه قد زهد فيها هرباً من إيوائها وإطعامها،! كانت في نظري من لوازم البيت كمواجير العجين وبلاليص العسل، المتناثرة في فناء الدار المظلم، قبالة حجرتها، صارت قدم الخير لعبتنا المفضلة أنا وإخوتي وأبناء عمي". ثم يذكر الكاتب أن أمه " انهالت عليها بالضرب وهي تقول: أنا أو هي في البيت ده"،! ثم يأتي الكاتب إلى عرض قضية قدم الخير:
    " تسرّب إلى قدم الخير أن الحكومة أصدرت أمراّ بتحريم تملُّك العبيد، وتعالى " صراخها وصياحها لتظهر تبرمها بحياتها ورغبتها في أن يعتقها جدي". " كانت شابة حبشية قد يسيل لها لعاب من يمتلكها، أما اليوم فهي حطام امرأة، هيكل عظمي شُد عليه جلد أسود"، " كانت تتحرق شوقاَ إلى الحرية، وما كان أحد في بيتنا يرغب في أن يتمسك بها، ومرت أيام وفكرة الفكاك من العبودية تراود الجارية، وذات يوم استأذنت في الخروج،وعادت فقالت إنها كانت في شبرا، وقد وجدت هناك غرفة ستنتقل إليها، وفي الصباح جاءت بعربة كارو، وحملت قدم الخير صندوقها، ووضعت كل ما تملك فوق العربة الكارو، . لماذا تركت المجنونة بيتنا! هل كانت حريتها تساوي كل هذا العنت، إنني غير قادر على تقديم حقيقة الدوافع التي دفعتها إلى هذه المخاطرة الرهيبة، ولن أستطيع معرفة حقيقة مشاعرها، إلا إذا فقدت حريتي وقدرتي على العمل".
    ( عبد الحميد جودة السحّار، هذه حياتي، مكتبة مصر، القاهرة، بلا تاريخ، ص ص 11-14)
    الدوافع جلية بالبداهة، وهي أيضا دوافع إنسانية لم يتمثلها الكاتب الإسلامي والروائي الكبير، في النصف الأول من القرن العشرين في القاهرة.
    الحق أن حياة إنسان قد أزهقت هدرا بسوء المعاملة والكراهية،
    ولم يقل لنا الكاتب إن هذه الإنسانة مغتصبة عنوة من بلدها وأنها بيعت في سوق النخاسة في القاهرة.
    ولم تكن كلمة عبد منحصر استخدامها في بيئة المسلمين والمسلمات وقفا على المصريين المسلمين ولا كانت كلمة أسود المرتبطة بكلمة عبد وبالعكس ، بل كان المصريون المسلمون يستخدمون كلمة عبد في وصف كل الأفارقة، فهذا لويس عوض في كتابه مذكرات طالب بعثة، يروي عودته من إنجلترا عن طريق جنوب أفريقيا حتى مصر، وهو محمل بإيمان عميق بالاشتراكية الفابية، وقيم الاستنارة الأوربية، والمساواة والحداثة، إن لويس عوض القبطي المصري، يستخدم كلمة :عبد في وصف كل الأفارقة الذين رآهم وتعامل معهم في رحلته من جنوب أفريقيا براً ونيلاً حتى مصر!.
    أما شيخه سلامة موسى فيذكر في سيرته الذاتية أن بيتهم كان يضم جارية عبدة سوداء مسلمة.!
    هذا العرض وجوهره ارتباط السواد بالعبودية، واتخاذ ذلك مطية للتعبير عن الاحتقار والكراهية والرغبة في الإذلال والتشفي، كل ذلك يقودنا إلى تناول نموذجين لضحايا هذه العنصرية الفاشية، وهما العقاد وإمام العبد. ثم نعرج على النموذج الثالث.
    أما العقاد فإن صحيفة الكشكول في القاهرة دأبت على شن حرب عنصرية مقيتة ضده استمرت سنين عددا متواليات، موجهة إليه مثل هذا الكلام:
    1: "كَتَب ذلك الفصل في كوكب الشرق، هذا النوبيُّ المجنون، الذي يقال له عباس محمود العقاد، بدخوله مجلس النواب، وفي مجلس النواب، أميون جُهّال، ونوبيون وغيره، فليس اندماجه فيهم بالذي يزيده على أن يكون بربرياً، ولا فضيلة للبرابرة غير الأدب والنظافة،وهو متجرّد منهما".
    2:أطفال كبار السن من البرابرة.
    3: رجل من نواب أسوان، كان الأليق به أن يصطاد العقارب في بلده، أو يخدم في بوظة، أو يحمل قدر السوبيا في الطرقات.
    4: الكاتب الأسود الوجه والضمير عباس محمود العقاد"

    ( الكشكول. القاهرة،2/5/ 1930، ص: 17 ، رئيس التحرير: سليمان فوزي، والكشكول،16/5/ 1930، ص :13)
    شتائم صريحة وبذيئة موجهة إلى اللون الأسود وإلى مصريين من منطقة معينة، تتعدّى العقاد إلى جماعة مستفيضة من البشر تبلغ ملايين داخل مصر وخارجها.
    هذه التجربة عاناها العقاد وأفاض في توثيقها وبثها في آفاق التاريخ، حين قال:
    " في سنة 1930، ذهبنا إلى الصعيد في رحلة انتخابية، مع النقراشي رحمه الله، في سوهاج نزلنا في انتظار خال العقاد، فرأى النقراشي شيخاَ أبيض الوجه أقرب إلى الشقرة، فجأة وهو يقول ضاحكاَ:
    " عجباً لقد كنت أقرأ في الكشكول والصحف الشتّامة عن " بخيتة السودانية" أم عباس العقاد،وكنتُ أحسبهم يجدّون في ما يكتبون، خطر لي أن أنتظر رجلاً أسود أو قريباً من السواد حين جلسنا ننتظر خالك"! اما أن يكون رجلا به بقايا شعر أصفر هذا ما لم يخطر ببالي، وسألني مازحا: لماذا لم تكذّب الخبر؟
    قلتُ: إنني لم أكذب أخباراَ أكذب من هذا، ما بالي أكذب نسبتي إلى أم سودانية، ليس في الأمر ما يوجب البراءة منه،فكم أنجبت السودانيات من رجال يفخرون بالأمهات."!
    ( عباس محمود العقاد، أنا، دار الهلال، القاهرة، بدون تاريخ، ص ص ص 37-38.)
    وياللعجب في البربرية، بكل حجم الإرث التاريخي وكثافته، وأثره السلبي على مكانة إنسان ومصري ومسلم وكاتب مرموق. وكان يومئذ عضوا في البرلمان الذي تحدّى من داخله ملك مصر الباشا فؤاد، فطرد وسجن عاما كاملا عام 1930!
    ثم يكتب العقاد مبيّنا:
    " لقد كانت أسرة " أمي" من أبويها جميعا كردية، .. ولكن هل كانت حكاية السودانية كذباً محضاً؟ من الألف إلى الياء! فإن أجداد أمي جميعا تزوجوا في السودان، وكان جدها لأبيها وجدها لأمها في الفرقة الكردية التي توجهت إلى السودان، بعد حادثة إسماعيل بن محمد علي الكبير." ( نفسه، ص: 38)
    فهو لم يتنصل من نسبته إلى بخيتة السودانية، بل يعتز أيما اعتزاز بأنه مصري من أصل كردي سوداني.
    الثاني: إمام العبد الشاعر المجيد، وتدل كلمة عبد على سواد لونه وأزمته الإنسانية، يقول د. محمد رجب البيومي:
    " وُلد إمام العبد من عبدين رقيقين قد جُلبا من السودان وبيعا لبعض الأثرياء، فورث عنهما السواد والدمامة والبؤس، ونشأ في كنفهما يقتات بما يتساقط من فُتات الموائد، وبقايا الصحاف. وكأن القدر لم يشأ أن يحرمه كل شيئ، فمنحه القوة في الجسم، والبلاغة في المنطق، والخفة في الروح، كان رياضيا ممتازا، يصرع أقرانه لدى الصيال، وشاعرا مطبوعا، وسميرا يؤنس سامعه بالملحة النادرة والفكاهة العذبة، وقًلّ أن يجتمع هذا كله لإنسان."
    ( محمد رجب البيومي، محمد إمام العبد، مجلة الرسالة القاهرة،12/11/ 1951م، ص: 1284)
    مواهبه فلتة كونية، ولكن شاء بعض البشر في نظام اجتماعي سقيم أن يحرموه من تاج إنسانيته.!
    بيد أن هذا الكمال العقلي والجسماني والوجداني والبياني، أحاله سواده الذي ورثه من أبويه المسترقين إلى أهزوءة وموضع تعيير وسبٍّ، مافطره عليه الله أو جادت به الطبيعة، هو كعب أخيل ذاته العبقرية. لوكان مثل الأسود بوشكين في روسيا القيصرية لصار إمام الشعر الروسي وشعرائه، وإن كان هو الآخر مات مقتولا!
    " أحمد فؤاد صاحب الصاعقة، خصَّص باب: "الَّسنه السوده"،لما يكتبه في هجاء إمام العبد، والسخرية من لونه الأسود"
    ( د. عبده بدوي، دراسات في الشعر الحديث، ذات السلاسل، الكويت، 987، ص:239)
    تجريح إمام لايقل ضراوة وبشاعة عن ديدن الكشكول في هجاء العقاد بل هو أشد بشاعة.
    "كان لونه الأسود هو موضع التندر بين زملائه وعارفيه، فقاسى من جرَّائه كثيراً من ألوان التهكم والاستخفاف. وكان أقسى المتهكمين لهجةً وأقذعهم سخرية: حافظ إبراهيم، كان مريضاً بمعابثة إمام فهو لايرحمه، بالسكوت عنه، لقيه ذات مرة يلبس كرافتة سوداء فصاح به: " اقفل قميصك أيها العبد فصدرك يُضجر الناس"! ووجده مرة يكتب خطاباً والمداد يتساقط من قلمه، فقال: جفـِّف عرقك ياإمام"! وقال حافظ: إن مثَل إمام في الشعر كمثل بخيتة في المطبخ، إذا هي أفلحت في تعمير اللمبه، شاع عنها بين أهل الحي كلهم أنها سيدة الإماء، وكذلك يتلقّى الناس أبيات إمام فيهللون له لأنه عمّر اللمبه بنجاح"!. ( نفسه، ص 1284)
    إنها بخيتة السودانية، ويراد لإمام أن يقبل الضيم ويقوم بأداء دور المهرج المبتذل.
    بيد أن حافظ مدين لإمام العبد بكثير من الفضل والأيادي البيض بشاعريته في طور الصقل:
    "كان حافظ في صباه يعرض على إمام ما يفيض به خاطره من بيان، فيقوم إمام بصقله وتجويده وتزكيته، وإمام يعلن أستاذيته لحافظ في كل ندوة". ( نفسه، ص: 1284)
    بدلا من تحلي حافظ بالوفاء، يتحول إلى حيّة ناهشة مركزا على لون بشرة أستاذه وهو قدر مفروض. ومع ذلك كان إمام :
    " أظرف أدباء عصره، بارع النكتة يرتجلها ارتجالا في خفة وذوق وبراعة، وكان من يره ، ير فيه البشر والطلاقة وعذوبة النفس."
    ( د. محمد عبد المنعم خفاجي، قصة الأدب في مصر، ج8،المطبعة المنيرية، القاهرة، 1956. ص:264)
    النفس المتفائلة الهاشة الباشة الجيّاشة بالفرح القادرة على إسعاد
    الآخرين وإفاضة السرور فيهم، وهي تتلظى بلهيب المحن.
    فإن أتينا إلى الشعر الذي يكفل لنا الاطلاع على كوامن النفس الشاعرة من الداخل:
    "إمام العبد يصبح السواد مركب النقص لديه، يشعر به في ألم ومرارة فيسلمه أزمّة القوافي والأوزان. يتحدّث عن بيضاء عشقها فتتعجب من عبد أسود، يطمع في غرام غانية عزّتْ على البيض: هٍمْتُ بالوصل فقالت عجباَ أيها الشاعر ما هذا الهيام
    أنت عبدٌ والهوى أخبرني أن وصل العبد في الحبّ حرام
    قلتُ : ياهـَذي أنا عبد الهوى والهوى يحكم بين الأنام
    وإذا ما كنتُ عبدا أسودا فاعلمي أنِّي فتى حرُّ الكلام
    ووضع زجلاً بالعامية المصرية في وصف زنجية:
    الناس لها مذهب في البيض ومذهبي حبّ السودان
    مرجان متيم ببخيتة وبخيته مجنونه بمرجان
    مين اللي قال الحب عذ اب الليل ومحبوبتي أصحاب
    ( البيومي، ص:1285)
    صدر بعض شعره في ديوان ولم تظهر طبعة ثانية، واختفت النسخة الوحيدة من مكتبة الهيأة القومية في القاهرة، وصدر عنه كتاب، وورد ذكره في مقالات منصفة، ولكنه لم ينل ما يستحق.
    النعرة العنصرية تتجلى في التركيز على سوا د لونه.
    بل إن الكاتب المصري العظيم قطب رسالة الزيات: عباس خضر
    الذي أعلن انحيازه التام لأهل السودان معجبا بأخلاقهم وذكائهم، فقال : أنا مصري مُتسودن ومحي الدين صابر سوداني متمصِّر، وقضى العباس سنين يدرس في السودان، فلما عاد سأله ناظر مدرسته: أيهما أذكى السوداني أو المصري، فقال له العباس: الطلاب السودانيون أذكى من الطلاب المصريين.!
    وقال عن العامية السودانية:
    "السودانيون عرب، ولغتهم الدارجة أقرب العاميات إلى اللغة العربية الفصحى".
    ( عباس خضر، خطى مشيناها: صور بيئية أكثر منها سيرة ذاتية، سلسلة اقرأ، رقم 422، دار المعارف، القاهرة، 1977م .ص:244)
    وتناول تجربته مع الكا تب الناقد السوداني:معاوية محمد نور في القاهرة:
    " استرعى انتباهي هذا الكاتب بكتابته المتوثّبة، ووجدت فيها شيئا جديدا غير ما نعهده، وجدت فيها ثورة على الجمود والتخلف، في الأدب والثقافة،ودعوة بصفة خاصة إلى النهوض بفن القصة المتعثر في بلاد العرب". ( نفسه، ص 104)
    فهو شديد الإعجاب بالكاتب، ولكن يقول عن "الشخص":
    " كان يلبس قبعة على خلاف ما نلبس من طرابيش، لم يشجعني منظره على الاقتراب منه والتعرف به، إذ كان يبدو عليه التعالي المصطنع، الذي يقول بلسان الشكل والتصرفات: ها أنذا أسود، ولكنني أحسن منكم".( ( ص:194)
    ويهمنا هنا دلالة كلمة أسود التي استخدمها شخص يفيض إنسانية، وهو منحاز إلى أهل السودان، بل منتم إليهم!
    وما دونه ليس حقيقة يمكن إثباتها ولكنه شعور داخلي، وحدس وظن وتوهم.
    يظهر أن البيئة التي يتراكم فيها سلوك معين، قد يكون من المرزول، يتحول إلى مفاهيم راسخة، يصعب الانفكاك منها حتى بين المنصفين المتوخين للعدل، فتبدو مواقفهم وكأنها من القوانين الثابتة تصدر من الناس عن طواعية وفطرة.
    ولنا أن نضيف في الحالة الثالثة، نموذجا آخر عن هذا المنحى، خاصا بالمرحوم الرئيس السادات، فمن قبل وفاته، اتـَّجه بعض الشعراء العرب مثل نزار قباني السوري التركي الأصل واسم جده: بقبق، قرن السادات بكافور واستدعى كل الهجاء المقذع في الواعية العربية وضميرها اللاشعوري، مما سلحه المتنبي على المصري حاكم بلده مصر، فقال نزار:
    هل خبَّروك يامتنبي أن كافورا فكّك الأهراما
    وقعتْ مصرُ في يدي فهلويِّ باع للناس التراما
    ولكن محمد حسنين هيكل نهض بتأليف كتاب عن سيرة السادات، ركّز فيه على عقدة اللون ومركب النقص الكامن في السادات.ّ
    قال: : "لقد لعبتْ مشكلة اللون دورا غريبا في التكوين النفسي لأنور السادات،.. كان في أعماقه شديد الإحساس بهذه المشكلة، وعلَّها اختلطت خطأ في ذهنه بالعبودية، ومع ذلك فإن العبودية نفسها لم تكن ذنب أصحابها وإنما ذنب آخرين فرضوها عليهم".
    ( خريف الغضب،شركة المطبوعات، بيروت، 1984، ص:35)
    بتخابث يؤكد هيكل ما يوهم القارئ بأنه هو هيكل ينفيه.
    هيكل هو الذي يحاول بحرص أن يشفي نفسه بالانتقام الشامت من رئيسه وولي أمره المقتول.
    وهو وفي جدا لمدرسته الصحفية مدرسة أخبار اليوم، على طريق الصحف الشتامة، يمضي على نهج: بخيتة السودانية والعبدة البربرية والعبد السود إمام، فيقول هيكل:
    " فتاة تُدعى: "ست البرين" كانت ابنة لرجل يدعى: خير الله،، وكان لسوء حظه من الذين وقعوا في أسر العبودية،! وساقه أحد تجار العبيد من قرب أواسط أفريقيا إلى حيث باعه في أحد أسواق العبيد، في ذلك الوقت بدلتا النيل، وعندما ألغي نظام العبودية في مصر، فإن سادة خير الله أعتقوه، من أسر العبودية. كانت ابنته ست البرين مثله تماما، ورثت منه تقاطيعه الزنجية، ومن سوء حظه أيضا،وذلك من التعقيدات الدفينة في أعماق السادات، أنه ورث من أمه كل تقاطيعها، وورث مع هذه التقاطيع مشاعر غاصت في أعماقه إلى بعيد." ( نفسه، ص: 30)
    إلغاء الرق كان مفروضا من أوربا وصحوة ضميرها، وطبّـقه حكام مصر الإنجليز ممثلين في كرومر المندوب السامي الإنجليزي،
    ولم يقل السودان، بل قال عن مكان: قرب أوسط أفريقيا، ولم يستخدم عبارة النخاسة وسوق النخاسة وإنما قال: تجار العبيد.
    واعتبر سواد اللون من سوء الحظ ، متعاميا عن أن ألوان البشرشأن ليس للبشر يد في تدبيره، ولم يكن العلم قد وصل يومها إلى أن كل البشر سود الألوان، البيئات هي التي تشكل ألوانهم.
    والتشفي بيٍّن جداً في وصف المشاعر التي " غاصت قي أعماقه."
    إن كان هيكل لا يتحمل السواد الطفيف في بشرة رئيسه السادات، ماذا يقول عن إخوانه المصريين السود مثل النوبيين وعرب العليقات والعبابدة وجيران مصر من السود البرابرة.
    والحق أن دبلوماسيا مصريا رفيع الوظيفة، في مؤتمر القمة العربية المذاع على الهواء، من بلد أفريقي، استخدم كلمة عبيد العربية في وصف الأفارقة، وقامت الدنيا.
    يروي هيكل في كتابه أنه عرف السادات قبل ثورة 1952، وحل ضيفا على مائدة السادات الذي عرّفه بناصر وزكّاه وصار ولي نعمة هيكل، والسادات نصّب هيكل وزيرا. إن علاقة هيكل بالسادات كعلاقة إمام العبد بحافظ إبراهيم، أحسن إليه وكان الوفاء متجسما في عض اليد وامتهان الكرامة.
    ولكن الصحيح أن الضمير الوطني في مصر ضمير نبيل وحضاري مبرّأ من لوثة العنصرية، وبين المصريين كثيرون جبلوا على التضامن مع السودانيين والاعتداد بهم ، وربما أحلوهم موطن قداسة.
    مثل د. حلمي شعراوي والسيدة الكريمة حرمه، ومثل محمد النويهي الذي كتب في مقدمة كتاب له:
    " عشتُ في السودان من سنة1947 إلى سنة 1956، حيث كنتُ رئيسا لقسم اللغة العربية في كلية الخرطوم الجامعية، وكانت تلك السنوات التسع أسعد أيام حياتي، عاشرتُ فيها ذلك الشعب النبيل، وشهدت حركته التحريرية العظيمة في مجال السياسة والثقافة والاجتماع، ولمستُ من آيات وطنيته ومروءته، وروائع كرمه وسماحته ما سيظل في قلبي نوراً يضيء لي باقي أيامي".
    ( د. محمد المويهي، محاضرات عن الاتجاهات الشعرية في السودان،معهد الدراسات العربية العالية، القاهرة، 1957. ص 3)
    وما يجب أن يقال هنا أن الشعب المصري أكثر تسامحا وأفضل من شعب السودان في هذا الجانب،يمكن توضيحه واستجلاؤه حين نكتب عن هذا الجانب في السودان.
    ولكننا نعالج موضوع الموقف من سواد اللون في بيئات معينة خارج السودان.
    ويكفي أن انفصال جنوب السودان وصيرورته دولة مستقلة وصمة عار يتحمل وزرها من تبقى من سكان جمهورية السودان، لأن الانفصال رفضٌ مطلقٌ للمعاملة الظالمة التي عاناها أهل جمهورية جنوب السودان على مر التاريخ منذ عهد محمد علي باشا، بصرف النظر عن كل المبررات وكل مؤازرة للوقائع الاجتماعية في البيئة السودانية الشمالية،الجوانب الاستثنائية المضيئة التي وصلت حد حمل السلاح مع الحركة السياسية المسلحة المنطلقة من جنوب السودان يومئذ.
    ولنا أن نورد نموذجاً آخر للآستخذاء في شمال السودان، متجسّم في تجربة بخيتة، في القرن التاسع عشر قبل المهدية، ترصدها النخاسون على مشارف قريتها في دارفور، أمسكوا بها وباعوها داخل السودان في سوق العيد، اشتراها ثلاثة أشخاص محظية خادمة، سيدها الرابع، كان إيطاليا، حملها مع أسرته إلى إيطاليا، وبمجرد وصولها الأرض الإيطالية صارت حرة، لأن القانون الإيطالي يحرّم الرق، كل البشر فوق ظهر الأرض الإيطالية أحرار، فعطفت عليها الكنيسة وأوتها وعلمتها، فنبغت في العلم والتمريض، وأظهرت ورعا وقدرا كيرا من السمو الروحي والعناية بالمرضى والمساكين، وبرزت في التربية والتعليم، واعتقد الناس أنها صاحبة بركة مسيحية، وأنه ظهرت خوارق ومنافع غير عادية على يدها، ومن بعد موتها، وقبل سنوات قريبة صيروها قديسة، وخصصوا لها يوما في السنة، هو يوم "سانت جوزفين بخيته"، هو يوم التاسع من أبريل كل عام، فهي ذات مقام يساوي في المنزلة مقام الولي القطب عند المسلمين.
    ولا نريد لأحد أن يقول إن حالها وهي مسيحية أفضل من حالها المزري وهي مسلمة.
    ولكننا نقول إن تجربتها في طور المسيحية كانت أنفع لها وأصون لشخصها وكرامتها، بيد أن الوزر هنا يقع على عاتق السودانيين.

    ما حدث لها عار!
    الحق أن ا لعنصرية وبيئة مستجلبة من خارج مصر ووادي النيل، كرّسها الأتراك في مصر الذين استعان بهم العباسيون عساكر وغلمانا، فاستطاعوا الانقلاب على الدولة والسيطرة على الحكم في بلاد المسلمين، ونصّبوا عبيدهم المتحدثين بالتركية حتى محمد علي، فأقاموا حكمهم على الظلم والبطش وإراقة الدماء والعنصرية، على مدى ألف عام منذ عهد ابن طولون.
    ولم يكن حال عرب الجزيرة العربية بأحسن.
    الحق أن مصر منذ أن دخلها الإسلام في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، قامت فيها مدرسة العلم المصري الإسلامي، هذه المدرسة المصرية الإسلامية روادها ورؤوسها شخصان هما: يزيد
    ن أبي حبيب وهو نوبي، سبق أن أصدر الشيخ محمد الأمين القرشي كتابا عنه قبل أكثر من ستين عاما، بَـيّن فيها فضله والأحاديث النبوية التي رواها، والثاني هو ذو النون المصري رأس مدرسة التصوف في الإسلام، وتشير الكتب إلى أنه نوبي مولود في إخميم ولكنه سمي المصري، لأنه أقام في مصر أي القاهرة، ولم تكن منطقة الصعيد، أي جنوب مصر، تابعة لمصر ولا معدودة في حدودها ، إلا بعد أن غزاها وضمها محمد علي باشا عام 1811م.
    التعنت المتعالي بنزعة عنصرية نتنة، منبعه هو الأتراك الذين حكموا مصر بمماليكهم، حتى عهد محمد علي، سلامه موسى يكشف الحقيقة ويستكنهها حين يقول:
    " المجتمع المصري في بداية القرن العشرين، كان مجتمعا تركيّاً أو كالتركي، فكان الاصطياف في إسطمبول مألوفاً.. وكانت العائلات الغنيّة عائلات تركية خالصة أو خٌلاسية، وقلّما كنا نجد مصريّاً ثريّاً، ولذلك حين نتأمل العائلات المصرية الثرية عام 1947،نجد أنها كلها عائلات حديثة عهد بالثراء،! إن جميع الأثرياء كانوا من الأتراك والألبان، الذين اختصهم محمد علي بالامتيازات وأقطعهم أراضي المصريين السابقة التي استولى على عقود امتلاكها وأحرقها." ( تربية سلامه موسى، ص 71.)
    ويظهر أن الكتابة الإبداعية موازية للوقائع الاجتماعية في البيئة، فإن من الكتابة الإبداعية مالا يتجاوز نطاق مفهوم " العبيد السود" والبرابرة.
    نكتفي هنا بكتاب " مذكرات طبيبة" تأليف د. نوال السعداوي، الكاتبة الكبيرة المشهورة عالميا، وهي الصوت الأعلى في الدفاع
    عن المرأة العربية، والحرية، وهي إنسانة فذة جديرة بالإجلال والتقدير، وقد تُرجم كتابها هذا إلى اللغة الإنجليزية مؤخرا.
    في هذا الكتاب تحدثت الطبيبة عن تجربتها، وصفت أحد النوبيين وهو بوّاب العمارة، فقالت:
    البوّاب النوبي :"هذا الرجل الأسود الكريه".
    د. صبري حافظ، لله درّه، يكفينا مؤونة التعليق على هذا النص، حين يقول:
    " موقفها العنصري من بواب العمارة الذي تشمئز منه،ليس أقل سوءاً من شهوانية الرجال الذين يعاملونها على أنها مجرد أداة جنسية،. إنها عاجزة عن الاستئثار بعطف القارئ ولا تستثير فيه غير الرثاء والسخرية".
    ونبّه حافظ إلى أن الرواية يتوحّد فيها صوت الكاتبة مع صوت بطلة الرواية وراويتها. لقد كان الانطباع الذي تركه النص العربي لدي هو أنني أقرأ سيرة ذاتية."
    ( صبري حافظ، مذكرات طبيبة بين ذاتية السيرة وموضوعية الرواية، جريدة العرب، لندن، 13/6/1989، ص:10)
    ونوال مثل صبري حافظ نتوقع منها أن تكون ضد التمييز العنصري، متمردة على الجانب السلبي في البيئة الظالمة.
    من عجائب المصادفات أن زوجها الكاتب الثوري : حتاته، ذكر في سيرته الذاتية، أنه كان يكره كل ذوي اللون الأسود الذين يراهم في مصر، وعلى مدى زمن طويل، ويعزو ذلك إلى تجربة غير سارة مع خادم نوبي، ثم تخلّص من تلك اللوثة العنصرية وتجاوزها. أو كما قال.
    ونقرأ في رواية ثانية مصرية عن : العبد البربري والعبدة البربرية السوداء، ثم يرد التعليق بعد ذلك في نص الرواية:
    " العبيد يا سادة نوعان: عبد بربري وعبد غير بربري، تماما مثل الحر: حر بربري وحر غير بربري، لكنه شاع في بعض مجالس الجهلاء، أن العبد لا بدّ وأن يكون بربريا أسود ، ولكنني عرفتُ على امتداد العمر الذي عشته، والناس التي عرفتها، عبيدا ببشرة ناصعة البياض. عبيدا بمعنى كلمة عبيد، في مراكز محترمة، وجلد أبيض، وقلوبهم تقبل الضيم، وعلى استعداد لتقبيل الأيدي."
    (أحمد الشيخ، فصل من رواية النسافة، مجلة إبداع، القاهرة، ديسمبر 1992، ص ص: 133-140)
    وتلك نقلة دالة على رحابة أفق الاستنارة، وتجاوز لعلل العنصرية، التي نجدها في كاتب حضاري مثل سلامة موسى الذي لقي مجموعة من طلاب جامعة القاهرة: فؤاد يومئذ، وكلهم من معسكر اليسار الذي ارتاده سلامة موسى بنزعته الاشتراكية.
    " قال لنا الأستاذ سلامة موسى إنه يؤيد زواج سودانيات بالمصريين لتحسين النسل، ولا يؤيد زواج السودانيين بالمصريات لأنه يعتبر الأخير رجعية".! ( مجلة أم درمان، القاهرة،31/8/1945، ص:4)
    الحق أن الرجعي هو مفهومه البائس في فهم نظرية التطورعلماَ بأن التهجبن في الحيوان أجدى وأنفع ومجرّب وثابت علميا.
    ويبدو أن مفهوم سلامة موسى المتسربل بمسوح العلم، مستمد من تجربته الشخصية في بيت عائلته، فيذكر في سيرته الذاتية وجود عبيد وإماء في دارهم، وهم وهن: مسلمات ومسلمون، يقول عن أيام طفولته:
    " بالطبع لم تكن في أيامي عبودية ولا عبيد، ولكن الذكرى كانت قريبة، فإني وأنا طفل كنتُ أُخوَّف بكلمة : فرج، وهي اسم عبد مات في إحدى غرف المنزل، وكذلك رأيت امرأتين سودانيتين، إحداهما: كعب الخير، والأخرى زهراء، وكانتا جاريتين شملهما قانون تحرير العبيد، ولكنهما لم تنقطعا عن زيارتنا".
    ( سلامه موسى، تربية سلامه موسى، سلامه موسى للنشر، القاهرة، يدون تاريخ، ص: 32)
    ذكر الكلمة سودانيتين، وهيكل قال عن جد السادات: من قرب أواسط أفريقيا! م تحرجا من العبارة الصريحة،بما يجلوها عارية مفضوحة، وذلك من دماثة التأدب.!

    أما المسرح فيكفي أن نشير هنا إلى حالة واحدة وهي أن الفنان المسرحي علي الكسّار أوقف معظم حياته لأداء شخصية نمطية واحدة على المسرح وفي السينما وهي شخصية البربري حتى صار يوصف ببربري مصر الوحيد.
    وتبرز هذه الشخصية في مُجتلَى معادٍ مُفعم بالسخرية والانتقاص من الكينونة الإنسانية.
    علي الكسار مولود في القاهرة1887 وتوفي 1957، بدأ حياته المسرحية بأداء دور شخصية: البواب عثمان عبد الباسط وكان أول أفلامه هو: بواب العمارة 1935، وجعل شخصيته النوبية هذه منافسة لشخصية كشكش بيه التي كان يؤديها نجيب الريحاني.
    علي الكسار بدأ حياته سروجيا في المهنة التي تخصص فيها أبوه،
    ولم يبرع فيها، فامتهن الطبخ، مع خاله، وأتاح له مجاله الجديد الاختلاط مع النوبيين، ويظهر أنه أتقن تقليد كلامهم ولهجتهم وزاد في التريقة والتأليس عليهم، ولم يجد مكافأة على العشرة بأحسن من ذلك، في حين أن الملك فاروق أحبهم في قصر أبيه وتعلم لغتهم النوبية، وليس لهجتهم العربية!
    والكسار فنان مسرحي مهم جدا وقد صدر طابع بريد مصري يحمل اسمه ورسمه.
    " الكسار هو مبتدكر شخصية نوبي برري يُدعى: عثمان، كان نموذجاً لفئة الخدم يتحدث بلهجة نوبية، وكان يماثل كشكش الريحاني: فهو بسيط طيب ولكنه ماكر مخادع، واستعرضاته: البربري في باريس، البربري في مونت كارلو، والبربري الفيلسوف، والبربري في مؤتمر ستوكهولم."
    ( د. ليلى نسيم أبو سيف،نجيب الريحاني وتطورر الكوميديا في مصر، دار المعارف، القاهرة، 1972م،ص ص :66-67.)
    والمعروف أن التقليد الكاريكتوري لشخصيات نمطية مثيرة للضحك، إنما يكون محصورا في شخصيات تنتمي إلى الفئات المهمشة المستضعفة في المجتمع. مثل شخصية ود حامد الغرباوي والفلّاتي والجنوبي وود النوبه، في المسرحيات الإذاعية السودانية في الستينات.!
    وسنكتفي في الختام بعرض لوحتين كاريكتورتين منشورتين في الصحف، إحداهما للعميد ياور الملك فاروق وهو سوداني، وابن علم المهدية: عبد الرحمن النجومي، بعدما أحالته ثورة يوليو إلى مدير لحديقة الحيوان، حيث تنعقد علاقة تماثل وتطابق بينه وبين القرد.!!
    والثانية عن مواطن سوداني أعجمي اللسان. ينطق الحاء هاءً.
    وسنجدهما في الملحق.

    الخلاصة:
    يظهر تناولنا مدى بشاعة التحامل العنصري والظلم في المدونات المنشورة في موريتانيا وفي سوريا ولبنان ممثلة موقفا سلبيا، ونجد الموقف السلبي نفسه في مصر، ولكننا نقف على موقف كريم وإيجابي في علاقة تضاد مع الموقف السلبي.
    الموقف المطلوب:
    1: أن يتحمل السودانيون المسؤولية التاريخية، بالتزام الدفاع عن إنسانية السود في أفريقيا في مواجهة العنصرية وبتر السرطان التاريخي الذي يقع وزره على العقلية العربية المسلمة والمسيحية.
    2: مرت اللغة العربية بأطوار يتنقل إبانها ازدهارها من مكة إلى العراق وبلاد فارس، ثم تعلو في الأندلس وتنتقل من بعد إلى مصر.
    اليوم نتيجة لتراكم تاريخي يتحول مركز اللغة العربية إلى السودان ويبدو أنه يرجح بسواه، ويكفي أن نجد العربية الفصحى والعامية منتشرة بكثافة من إثيوبيا إلى السنغال، وتبرز الرواية والقصة العربية بمستوى راق من حيث الأداء الفني في إرتريا والصومال وإثيوبيا وتشاد، ولا ريب أن الشعر العربي في إرتريا والسنغال وموريتانيا أرقى فنيا وأشد رصانة من الشعر العربي في مملكة المغرب بل والجزيرة العربية.
    كانوا يسمون الشعراء السود في الجاهلية وهم مجتمعون أميز شعراء الجاهلية وشعرها،" أغربة العرب" جمع غُراب، وهم أبناء الأرقاء أو كانت أمهاتهم سوداوات من الجواري.
    ويطلق على السود الآن في الجزائر: كحلوش، وفي ليبيا: مازقري، وقريقيرا، وهم نصف المجتمع، والحجُور في اليمن، وهم مقموعون، الآن يصليهم الحوثيون نار القذائف المبيدة .
    وذلك كله مظهر يستبطن ما يعلن جهرا، كلمة عبيد، وفي السودان يقال للواحد: عَبْ، بسقوط حرف الدال، وكأنه منادى مُرخَّم!
    وهو نذالة لفظية وعنصرية فاشية آن أن يتم التخلص منها بعمل مرتّب ومدروس بالتربية والحزم.
    وتجد بين عامة الجزيرة ورجرجتها،من يُسمٍّي الأسود العبد: زِب الحمار.!!
    بيد أن كلمة خال التي تقال للسودانين في بعض المهاجر، صار السودانيون أنفسهم يرددونها ببراءة وعفوية، أو بخبث!، وقد تصير فاكهة يتمزَّزونها في محادثاتهم ومخاطباتهم مع بعضهم بعضا في السودان وخارجه.! وهي أي خال تعني الشخص الأسودأي العبد ونص السيوطي في كتبه على أنها من المشترك اللفظي، حيث تؤدي الكلمة مجموعة من المعاني، ثم قال إن معناها: العبد.
    بيد أن كلمة أسود في بريطانيا عيب ومندرجة في الجرائم التي يعاقب القانون مرتكبها بتشدد، وتسقط كرامة مرتكبها الذي قالها لشخص أسود اللون، لأنها استقرت من قديم في اللغة الإنجليزية بمعنى عبد، وقد وقفت في وثائق الحكم الاستعماري الإنجليزي في السودان: 1900-1956، أنهم أي الإدارييين الإنجليز يستخدمونها في مكاتباتهم ورصدهم وقراراتهم، وذلك في حق بعض من يعرفون أنهم من نسل العبيد الذين حرّرهم الحكم الإنجليزي نفسه، وخاصة من يقاومون الاستعمار.ويسونهم المنبتين قبلياً!
    على أن السود من الإنديز وجامايكا وجزر الكاريبي، يستخدمون كلمة: اسود: بلاك في مخاطباتهم مع بعضهم بعضا، ويقولون إن السود جميل، وهي عبارة وردت عند شكسبير.
    وكذلك السودانيون يستخدمونها في أحاديث الود والمزاح وغير المزاح، يقولون: ياعب! بدون دال.
    إن كان ذلك صحيحا ومقبولا، فعليهم أن يستخدموا كلمة: غراب، فقد ورد الغراب في القرآن رمزاً للحمكة والسداد، والغراب في موقفه ذال أفضل من ابن آدم الذي قتل أخاه.! وكلمة غراب في السودام ستخدمة في وصف القبائل والتي تتسم بذلك اللون وأفرادها ولا سيما من قبل القبائل العربية الرعوية السودانية.
    وعندها يمكن أن تكون كلمة: سوداني: سُوءٌ داني، أي سوء قريب، أو سوء داني القطوف.
    وكلمة سودان، لم تكن من اختيارنا، بل أطلقت علينا من قبل غيرنا،
    كنا نسمي بلادنا: سنار وتقلي ودار فور وكردفان والبجة وسوبا وعلوةالخ.
    3: خروج السودان من جامعة الدول العربية.
    الجامعة أنشأها الإنجليز تتويجا لمسعاهم الماكر لتدمير دولة الخلافة في تركيا ، وإنشائهم مجموعة من الدول القومية،بمفهوم الدولة القومية في أوربا، أطلق الإنجليز عليها مصطلح الدول العربية، وكانت من قبل تحمل أسماء ملازمة لها تاريخيا.
    ولم يكن الإسلام ولا الثقافة العربية من أهداف إنشاء جامعة الدول العربية.
    لقد دفعنا ثمنا باهظا بانضمامنا لتلك الجامعة، عانى من وطأته السوداني العادي، ولكنه حوّلنا إلى أضحوكة ومرزوئين بعيب عند إخواننا الأفارقة حتى صار بعضهم ، خاصة غرب أفريقيا الفرانكفونية، يقول: السودانيون عبيد العرب.
    لأننا تخلينا عنهم وتنكّـرنا لهم وأدرنا لهم ظهرنا بارداً، وأدركنا الكساد والخسران المبين معنويا من الذين تهافتنا عليهم.

    الملحق:


    عناوين مقالات بسودانيز اون لاين الان اليوم الموافق 22/9/2021

  • دولة الكاكي... لاتحب الألوان.. ٢
  • حالة الإنقلاب واللا إنقلاب على الساحة السياسية السودانية
  • ذاكرة المقال16/10/2020!!!! مؤتمر الشرق ضرورة ملحة!!!
  • ترك والمطالب الكيزانية بقلم:الفاتح جبرا
  • انقلاب تجريبي !! بقلم:عثمان ميرغني
  • السودان ولسيناريو الليبي (2) بقلم:غسان عمر
  • من رفاهية الإنقلابات، الي الإنفجار، و المواجهة بقلم:خليل محمد سليمان
  • ومضات توثيقية للثورة السودانية (20-14) بقلم: عمر الحويج
  • مسئوليات السفارات وأجهزة الداخلية في دمج المهاجرين في اوطانهم الجديدة
  • حمايةُ المقاومين مقاومةٌ والحفاظُ على سلامتِهم نصرٌ
  • أحداث وزلازل تربك النفوس وتــؤرق المضاجــــع !! بقلم الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
  • حمدوك شفافية وعلنية التحقيقات ام انقلابات الشريط الاخبارى!
  • البلاهة الخطابية في السياسة السودانية..
  • قلنا المسارات لُبط، لم تسمع الجبهة الثورية، وحلت الندامة
  • الانقلاب: هل هو إنذارٌ مبكِّر لقوى الثورة أم النداء الأخير نحو الشمولية
  • مسرح الثورة مع مظاهر الانقلابات:بخيت النقر البطحاني
  • الإدارات الاهلية وقضايا السياسة في السودان: أزمة شرق السودان، وقضايا الانتقال، ومخاطر الردة عن اهدا
  • حيدر الشيخ هلال:من وراء انقلاب اليوم ؟


عناوين مواضيع المنبر العام بسودانيز اون لاين الان اليوم الموافق 22/9/2021

  • عبدالغفار الشريف
  • برنامج بيوت الاشباح تقديم عبدالرحمن فؤاد والضيف على الامين محمد صالح - تلفزيون السودان | 22-09-2021
  • توقع القادم السيء في السودان في تقديري
  • لون الخرطوم في يوم وهمة الانقلاب. شوف عين.
  • دعاة الإنتخابات المبكرة
  • انه انقلاب عسكري "مفبرك" في السودان- وهذه ادلتنا الدامغة- ما هي الأخطاء الكارثية الثلاثة التي ارت
  • ترك يهاجم في كل الاتجاهات.. الشرق.. تصعيد خطير
  • قطر تعلن شروط الحصول على بطاقة الإقامة الدائمة
  • مهندس البث بالتلفزيون: ضابط برتبة عقيد طلب مني بث المارشات العسكرية ورفضت
  • أخونا في الدنيا المستجير أنت متين بتلف؟
  • الإنقلاب والإقتصاد وتردى الأمن واحداث الشرق.. إمتداد لفض الإعتصام.
  • قراءة في الإنقلاب....نجاة حسين طلحة
  • الإنقلاب.. مسرحية سيئة الإخراج/حيدر محمد علي
  • هل تطبق عقوبة الإعدام في الضباط الإنقلابيين ؟
  • قائد الإنقلاب كوز من كوستي د.عبدالوهاب همت
  • اسماء المتورطين في محاولة الانقلاب الاخيرة في السودان يوم ٢١ سبتمبر ٢٠٢١

    عناوين الاخبار بسودانيز اون لاين الان اليوم الموافق 22/9/2021

  • قوى الإجماع الوطني تدعو لمحاكمات فورية لرموز النظام البائد القابعين فى السجون
  • غوتيريش يدين محاولة الانقلاب بالسودان ويؤكد مساندة حكومة حمدوك
  • الحزب الشيوعي السوداني يطالب بمحاكمة علنية للمتورطين في المحاولة الانقلابية الفاشلة
  • بعد المحاولة الانقلابية الاخيرة:الإتحاد النسائي السودانى يحذر من الإنتكاس والردة
  • تجمّع المهنيين السودانيين يتهم المجلس العسكري في المماطلة في تسليم السلطة للمدنين
  • بيان من مؤتمر البجا التصحيحي حول قضية شرق السودان
  • الجبهة السودانية للتغيير تدين المحاولة الإنقلابية الفاشلة.. وتتمسك بالنهج الديموقراطي....وترفض الاس
  • جامعة الخرطوم:بيان من مديرة الجامعة حول المحاولة الانقلابية الفاشلة























  •                   


    [رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




    احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
    اراء حرة و مقالات
    Latest Posts in English Forum
    Articles and Views
    اخر المواضيع فى المنبر العام
    News and Press Releases
    اخبار و بيانات



    فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
    الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
    لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
    About Us
    Contact Us
    About Sudanese Online
    اخبار و بيانات
    اراء حرة و مقالات
    صور سودانيزاونلاين
    فيديوهات سودانيزاونلاين
    ويكيبيديا سودانيز اون لاين
    منتديات سودانيزاونلاين
    News and Press Releases
    Articles and Views
    SudaneseOnline Images
    Sudanese Online Videos
    Sudanese Online Wikipedia
    Sudanese Online Forums
    If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

    © 2014 SudaneseOnline.com

    Software Version 1.3.0 © 2N-com.de