*كانت تقف وحيدة هناك في أطراف البلدة.. *ويسمونها دومة ود صالح نسبة لإعرابي كان يسكن تحتها في قديم الزمان.. *وقيل إنه كان اسماً على مسمى...أي صالحاً.. *والاسم يشابه - إلى حد ما- دومة أديبنا الطيب صالح الشهيرة.. *ونُسجت حولها الحكايات...والروايات.....و(الرايات).. *والأخيرة هذه - بين القوسين- كان نسجها حقيقياً بقطع أقمشة مختلفة الألوان.. *بعضها دمور...وبعضها دبلان...وبعضها بوبلين.. *فما من شبر في جسد الدومة إلا وفيه طعنة منجل...أو ضربة سكين.. *والطاعنون والضاربون هؤلاء جميعهم عاشقون.. *وكانوا يفعلون ذلك بوحي من تأثير خرافة قديمة عن (ربط المحبوب).. *فببركة ود صالح يُربط قلب المعشوق بقلب العاشق.. *تماماً مثل ربط القماش ببعض الشجرة التي ليس وراءها سوى الخلاء.. *وكانت سيرة العرسان تلف حول الدومة أيضاً.. *ثم تُلف قطعتا قماش من ثوبي العروسين حول أي جزء منها.. *وذلك حتى (يرتبط) الزوجان ببعضهما...حتى الممات.. *وظلوا يفعلون ذلك حتى بعد أن حل بكري رباطه بعروسه بعد شهر من (الرباط).. *وفي يوم فُوجئ أحد زوار الدومة برباط جلدي.. *كان حزاماً جلدياً من شاكلة الذي يربط به الأساتذة - والأفندية - بنطلوناتهم.. *ولاحظ وجود اسمين عليه بخط دقيق؛ علي....وعلية.. *وسرى الخبر في أنحاء البلدة سريعاً...بما أنه كان (رباطاً) غير مألوف.. *خاصةً وأن الاسم الثاني كان معروفاً جداً...بعكس الأول.. *فما من فتاة في البلدة كلها تحمل هذا الاسم سوى ابنة (الكبير) الصغرى.. *وفوق ذلك كانت أشهر فتاة في البلدة بجمالها الغض.. *أما اسم علي فلم يكن يحمله سوى أستاذان......وأفندي.. *أستاذ في المرحلة الابتدائية...والثاني في الوسطى...والثالث أفندي في المجلس.. *ودارت حولهما الشبهات مثل دوران (السيرة) حول الدومة.. *ثم انتبه البعض إلى أن هنالك رابعاً يحمل الاسم ذاته حل في البلدة حديثاً.. *كان صديقاً لشقيق وكيل البوستة...وقدم لحضور زواجه.. *ولم تأخذ تحريات رجال (الكبير) معه طويل زمن حتى أقر بفعلته.. *وقال إنه شاهد علية...وأحبها...وأراد (ربطها).. *أراد ربطها على عادة أهل البلدة.....ولم يجد سوى حزام بنطلونه.. *وجيء به إلى (الكبير)...واستمع إليه...وأطلق سراحه.. *وفي المساء سمع عبدون (العربجي) أنيناً من جهة الدومة...فتملكه الرعب.. *ثم قاوم مخاوفه وأتى نحوها...وفانوسه يرتجف في يده.. *فشاهد شخصاً (مربوطاً) إلى جذعها...ودماء سياط تسيل على وجهه.. *ولم يكن سوى علي، بدون بنطلون...ولا حزام.. *وضحى اليوم التالي سرى خبر آخر في البلدة.....لا يقل غرابة.. *فقد عُثر على رباط (أنثوي) في الدومة...لأول مرة.. *وقيل إنه يخص واحدة من (علية القوم !!!).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة