ونحن في الأيام الأولى من شهر شعبان، وذلك يعني أن شهر رمضان بقي عليه أقل من شهر، وإن الناس أقسامٌ في شهر شعبان !! سعيهم شتى !! وهم طرائق قِدداً!! يصف حالهم في اختلافهم وتباينهم المثل المشهور (كلُّ إناءٍ بما فيه ينضحُ)
وأفضل من ذلك قول الله تعالى : (إن سعيكم لشتى) وقوله تعالى : (ولكل وجهة هو موليها) !! أهل التجارة يجتهدون في شهر شعبان لجمع المشتريات الأكثر بيعاً والأفضل ربحاً في شهر رمضان، ويجب أن يذكَّروا بأن يرفقوا بالناس ويتجنبوا الجشع والطمع، خاصة وبلادنا ينتشر فيها الفقر وعمَّ الغلاءُ وقلّت ذات اليد .. وأهل البر والإنفاق والإحسان يعملون في شهر شعبان في تأمين التمور والمأكولات والمشروبات والسلال الرمضانية لإقامة برامج تفطير الصائمين في المساجد بيوت الله بمختلف البلدان .. وصنف منهم يرسلون أموالهم لمساعدة المحتاجين والفقراء والدعاة ومحفظي كتاب الله وطلاب العلم وغيرهم من عامة المسلمين في البلاد التي ينتشر فيها الفقر، وهؤلاء لما كان حب الخير لعباد الله صفة ثابتة مستقرة في نفوسهم الطيبة كان همهم في أيام شهر شعبان أن تصل عطاياهم وما أكرمهم الله به من أموال لإخوانهم في العقيدة والدين، القريبين منهم والبعيدين. وفي شهر شعبان تجتهد مؤسسات وأفراد ووسائل إعلام لتجهيز برامج تلفزيونية وإذاعية، ويتباين السعي!! و(كلُّ إناءٍ بما فيه ينضحُ) فصنفٌ من الناس همُّه أن يعد مسلسلات وبرامج يختلط فيها الرجال بالنساء وتضرب فيها آلات الموسيقى لتقدّم تلك البرامج عبر الشاشات والإذاعات في أيام وليالي شهر الصيام والقيام والرحمات، لتصد عن سبيل الهدى وتقطع الطريق بسبل رديئات، وبرامج منكرات، وتحول بين عباد الله وتلك العطايا والهبات. ما أكثر البرامج التي تقدّم عبر الإعلام المرئي والمسموع في شهر رمضان مما يتم إعداده في هذه الأيام وهو يناقض فرض الصيام ومشروعيته، فإن من أهم مقاصد التشريع في فرض صيام رمضان تحقيق التقوى (لعلكم تتقون) .. والبرامج المضلّة تنافي التقوى، وإن ذكرت برامج الإضلال في شهر القرآن الكريم فيذكر في مقدمتها البرنامج المسمى (أغاني وأغاني) الذي يقدّم في هذا الموسم المبارك من مواسم الخير وانتقي له ــ بلا حياء أو خجل ــ وقت صلاة التراويح!! فيجمع مقدمه فتياناً وفتيات مغنين ومغنيات!! وهو برنـــــامج لا يجوز عرضه في أي وقت، إلا أن عرضه في شهر رمضان وفي هذا التوقيت لهو من أعجب العجائب التي تدوّن في تأريخ الإسلام والمسلمين!! فلماذا يتعامل الإعلام ومن يعد البرنامج ويقدمه ومن يستضافون فيه، هكذا مع شعائر الله وشهر الصيام وعباد الله المؤمنين؟! لقد حكي لنا في كتب التأريخ أن كثيراً من العلماء كانوا إذا أقبل شهر رمضان تركوا دروس الحديث والفقه وغيرها وأقبلوا على القرآن الكريم فقط طيلة فترة الشهر، تلاوة وتدبراً واتعاظاً واعتباراً وحقّاً : (كلُّ إناءٍ بما فيه ينضح). أتمنى أن نسمع بشرى ببتر هذا البرنامج السيئ وعدم تقديم مثيلاته من برامج الصد عن الخير في موسم الخير، وذلك حتى تشفى صدور قومٍ مؤمنين، وحتى نثبت عملياً لصغارنا وأبنائنا وشبابنا وفتياتنا أننا أمة لا تُحكِّم الهوى في تصرفاتها، ولا تتهاون في شعائر الله، ولا تزهد في المنح والعطايا التي يجود بها الخالق الكريم في هذا الشهر العظيم. وفي شهر شعبان يستعد كثيرٌ من الناس بكثرة صيام أيام في هذا الشهر، فإن من حكمة الله أن يسبق صيام شهر رمضان صيام نافلة قبله وصيام نافلة بعده، فكانت كالسنن الرواتب وصلاة التطوع مع الصلوات المفروضات، ولمّا كان سعي العالمين شتى !! و(كُلُّ إناءٍ بما فيه ينضحُ) كان كثير من المؤمنين والمؤمنات همهم أن يسيروا على هدي النبي المرتضى والرسول المجتبى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام .. فوجدوا في سنته في ما ثبت في الصحيح مما روته أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، حَيث قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ــ صلى الله عليه وسلم ــ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ. وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ــ صلى الله عليه وسلم ــ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِى شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِى شَعْبَانَ).وفي رواية: (كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاَّ قَلِيلاً). فهنيئاً لكل من يتبع النبي محمداً عليه الصلاة والسلام ويجتهد في السير على هديه وسنته وطريقته، وذلك من علامات التوفيق والفلاح. وهنيئاً لأئمة المساجد والدعاة إلى الله الذين يجتهدون وينشغلون في شهر شعبان لإعداد برامج دعوية وتعليمية يفيد منها المسلمون، فيبينون لهم حق الله خالق العبيد، ويوضحون لهم سنة النبي المصطفى الحبيب، ويعلمونهم الأحكام على النهج السديد والطريق الرشيد بما ثبت في الكتاب والسنة، وإنه لشرف عظيم وتوفيق كبير.. نفع الله بجهودهم وبارك فيها. ومؤسفٌ أن ينشغل آخرون بتجهيز النكات والمقاطع المضحكة لتقديمها وقت الإفطار في برامج الإفطار الجماعي في بعض الفنادق والصالات والقاعات وبعض القنوات، فهذا وغيره من عوائق الطريق ووضع الشوك والأحجار عائقاً في الطريق الذي يصل به المسلم إلى التوبة والاستغفار، فضلاً عما تتضمنه تلك النكات من افتراءات على الأفراد والمجموعات والأجناس والقبائل مما ظهر أثره السيئ في مجتمعنا الآن ومن أسوأ ما فيها تلميع (المساطيل).. ما أكثر شُعَب الإيمان وطرق الخير التي يجب أن يتهيأ لها المؤمنون والمؤمنات، وعلى كل حريص على الخير لنفسه في العاجل والآجل أن يجتهد لإرضاء رب الأرض والسماوات، وأن يغتنم موسم الخير في ما يعود عليه بالخير وأن يقبل منحة الله، ويستثمر نعمته ومنته، فكم هم الذين أدركوا رمضان العام الماضي وصاموا الشهر كاملاً، والآن هم تحت التراب قد طويت صفحاتهم وأفضوا إلى ما قدموا من أعمال .. وحتى نحن لا ندري هل ندرك شهر رمضان هذا العام أم لا !! لنري الله ربنا في شهر شعبان نية صالحة .. وعملاً صواباً، وقد كان السلف الصالح يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان.. وذلك ليروا ربُّهم في أنفسهم في موسم الخير شهر الصيام والقيام والعتق: صلاحاً وفلاحاً وقنوتاً وإخباتاً وصياماً واجتهاداً وقياماً وبكاءً وتدبراً وتلاوةً وبراً وإنفاقاً واعتكافاً.. فشتان بين أولئك الأخيار الصفوة الأبرار في الهم والهمة والرغبة والإخلاص والعمل والفهم والإدراك وتعظيم شعائر الله .. وبين كثيرين ممن يظهرون في وسائل الإعلام ويقدمون برامج همها جمع مال وارتزاق لدراهم معدودات باستخدام وسائل وأشخاص في الصد عن طاعة الله في سعي تباب!! وعمل منحرف غير صواب!! alintibaha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة