جاء رئيس الوزراء يطلب من الملك مهلة إضافية لتشكيل الحكومة..نظر الملك إلى الساعة الأنيقة في معصم يده ثم ابتسم..مرت خمسة أشهر والمفاوضات تراوح مكانها ..عبدالله بن كيران يرفض تقديم تنازلات كبيرة لحلفائه في كيكة السلطة..حينما نفد صبر الملك محمد السادس كلف رجلاً آخر من ذات حزب العدالة فأنجز المهمة في وقت قياسي. في اجتماع لجنة (7+7) كان رئيس الجمهورية يطرح تسمية رئيس وزراء متوافق عليه..حينما استدار رأس الرئيس كان الشيخ إبراهيم السنوسي يهمس في أذن أحمد بلال.. وبلال يؤذن في الناس مقترحاً الفريق بكري حسن صالح..هنا يبتسم الرئيس ويثني الشيخ السنوسي..هذه الخلفية تؤكد أن رئيس الوزراء الجديد يتمتع باحترام عدد مقدر من طوائف حوار قاعة الصداقة كما يحظى بثقة رئيس الجمهورية. مضت بضعة أسابيع على تكليف رئيس الوزراء الجديد بمهمة تشكيل الوزارة الجديدة..غير قليل من المراقبين أصابه القلق ..لكن الصعوبات التي تواجه تشكيل الحكومة تحمل مؤشرات إيجابية لبزوغ مرحلة جديدة تحمل معالم الديمقراطية..في سابق الأيام كان الوزراء يسمعون بخبر تعيينهم من نشرة الأخبار..لهذا من المهم أن يتحلى رئيس الوزراء بنفس طويل يجعله ينجح في أول اختبار دون الاستعانة بالسيد رئيس الجمهورية. لكن ما الذي يصعب مهمة الفريق بكري التي تشبه الجري في طين الإجراء لرجل يرتدي ملابس بيضاء.. الفريق بكري يواجه محترفي التعددية الثالثة..تأخير تشكيل حكومة الوزارة الجديدة ارتبط بثلاثة رجال هم: الدكتور تيجاني سيسي حاكم دارفور الأسبق، ومبارك الفاضل قطب حزب الأمة ونجم حكومات ما بعد الانتفاضة..فيما ثالثهم فهو الدكتور علي الحاج صاحب المهام الصعبة في الجبهة الإسلامية..مواجهة هؤلاء ليست سهلة تقتضي الحذر وتتطلب البال الطويل. من المهم جداً في السياسة تفكيك المشكلة وعدم حشد الخصوم في جبهة واحدة..أيسر طرف يمكن اختراقه هو الدكتور تيجاني سيسي..ببساطة الرجل لا يطلب سوى مقعد مريح لنفسه يضع في الاعتبار مكانته العلمية الجهوية..مقعد لامع واحد يعالج المشكلة..مبارك الفاضل محاصر بتاريخه القريب في القصر الرئاسي الذي تركه طائعاً..المشكلة الكبرى أن الذي جلس على مقعده لم يكن سوى ابن أخيه اللواء عبدالرحمن المهدي..هنا المشكلة فيها بعض التعقيد..لكن منصب وزير سيادي بالإضافة إلى لقب نائب رئيس وزراء يعالج المشكلة الجهوية. تكمن جبهة التحديات في البوابة التي يحرسها الدكتور علي الحاج..الرجل مفاوض بارع لا يحلم بالوزارة..لكن المفيد في الأمر أنه واقعي جداً..هنا يجب أن يدرك رئيس الوزراء أن على الحاج لا يطلب مباشرة ما يريد، ولكنه يجعل خصمه يقدم العرض وهو غير متأكد من الاستجابة..الحاج يدرك جيداً أن تجربة المصالحة مع نميري مكنت الحركة الإسلامية من بناء نفسها..كلمة السر منح علي الحاج الحصة الوزارية التي تجعله قادراً على تسخير السلطة لبناء حزبه..الحريات هنا واحدة من الأدوات التي يحتاجها علي الحاج..هنا على رئيس الوزراء أن يقدم ما يجعل علي الحاج مبتسماً. بصراحة..مهمة رئيس الوزراء الجديد أن يقنع أحزاب مؤثرة لدخول الحكومة..لهذا ينبغي التضحية بالأحزاب الصغيرة وجعلها تحشد في جبهة معارضة دستورية يقودها غازي صلاح الدين..ليس هنالك حل آخر أمام رئيس الوزراء سوى النظر بمقياس التأثير.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة