مجتمع النخب فى بلادنا تحول الى قبائل متصارعة لا ترضى بغير إسالة دماء بعضها البعض فى ظل التحول الذى حدث فى نوعية الصراعات الدينية والاثنية والثقافية من صراعات بين الدول الى صراع داخل الدولة نتيجة لما احدثته العولمة من متغيرات أدت الى تأكل سيادة الدولة الذى تحول من المطلق الى النسبي، والى تدخل الدول الكبرى فى الشأن الداخلى للدول بدوافع يقال أنها انسانية وما يحدث فى المنطقة من قتل وتشريد وضياع للارواح والحقوق والممتلكات سببه أزمة العقل العربي نتيجة رضوخه للقهر وتقبله للمتناقضات التى يستحيل أن تجتمع فى عقل واحد، وفى بلادنا المنكوبة أضافت عزلة النخب عبء إضافى للمواطن، عزلة النخب هنا أما من باب التعالى الفكري أو بسبب العجز عن التواصل مع الجماهير، أدى هذا الى اتساع الفجوة بين ثقافة النخب وثقافة الجماهير فالأول يعتبر أن عامة الناس غير مؤهلة للمشاركة فى صنع القرار ومتابعته، ومن هنا جاءت مقولة التفكير نيابة عن الناس واتخاذ القرارات المصيرية دون التشاور معهم، والغريب فى الأمر أن البعض من هؤلاء لاهتمامه فقط بمصالحه وصراعاته يقفز برشاقة يحسد عليها من موقف الى آخر مناقض له وفقاً للمستجدات، ومن ساحة الى ساحة اعدائيه من اقصى اليمين الى اقصي اليسار ومن اليسار الى اليمين، والدليل ماحدث فى مايو وفى الانقاذ اسماء كثيرة قفزت من المعارضة بل ومن المعارضة المسلحة وانضموا للحزب الحاكم أو التحالف معه وهم الآن الأعلى صوتا فى الدفاع عن نظام حملوا السلاح لاسقاطه. وفى هذا ما يفسر أزمة العقل السودانى، عند النخب فى بلادنا وهو فى حالة الارتباك واللامنطق بحيث اصبح يقبل القضية ونقيضها دون أن يرى فى ذلك مايستحق القلق، عبر عن هذه الحالة الكاتب رجب البنا حين قال فى نقده لتصرفات النخب فى العالم العربي، أننا على ابواب مرحلة من السوفسطائية الجديدة وأضاف ولعلنا نذكر أن السوفسطائين قبل سقراط كانوا يقنعون العامة بأن الشئ يمكن أن يكون أبيض وأسود فى نفس الوقت، ونتيجة لمن يتحدث بلغة مختلفة ومناقضة لمواقف سابقة خدمة للحكومة دون الاهتمام بما قد يترتب على التأرجح بين موقفين متعارضين وما قد يترتب على ذلك من آثار سالبة على المجتمع وعلى الدولة من تأزم فى العلاقات بين حكومة ظالمة وفاشلة ومواطنيها، الأمر الذى سوف يؤدى فى النهاية الى فقدان الثقة فى الحكومة ليعيش الجميع حالة من السيولة السياسية عبر عنها المفكر الدكتور زكي نجيب حين قال: أن العلاقات التى تربط المواطن بالوطن قد تغيرت فى صميمها حتى كاد الأمر أن يتحول من كون الأمة أمة واحدة الى كونها تجمع افراد كل فرد يسعى الى الحصول على أكبر نصيب من الغنائم بأقل قدر ممكن من العمل لذلك أصبح السابقون هم أكثر الناس حيلة وليس ارفعهم ذكاءاً، وطرح المفكر زكي نجيب سؤالاً مهماً هو لماذا فقد الفرد فى مجتمعنا احساسه بالآخرين؟ ما الذى غرس ذلك الضلال الذى شوه الرؤية عند كل فرد حتى ليحسب أنه وحده فى هذه الدنيا!! وله أن يحصد الحصاد كله لشخصه وحده، فإذا كان هناك آخرون فإنما هم ادوات تستغل لصالحه والنتيجة هوية تحطمت عناصرها حتى فقد الفرد انتماءه وعلاقته بالوطن والمواطن بصورة اخرجته من مدار العقل الى عالم اللامعقول، انعكس هذا التيه فى وسائل الاعلام وفى لغة المسؤولين، وتحول استخدام اللغة من اداة توصيل لافكار ومعان وحقائق الى اداة تحدث جعجعة عالية ولا تنقل فكراً، وربما فقدت الكلمة قدسيتها عند استخدام مفردات غير مناسبة وغير مقبولة لقبحها ولما قد تحدثه من آثار سالبة فهى لا تحمل فكراً وبالتالى تستحق الرفض والمطالبة بالتغيير حماية للوطن والمواطن، والتغيير لا يهبط من السماء ولكنه يتحقق عندما تصبح لدينا بحق ارادة للتغيير.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة