أسمعني أحد الأصدقاء تسجيلاً لمسؤول كبير في الدولة يتحدث إلى قيادات الدولة والحزب في إحدى الولايات، معاتباً لهم على الخلاف والفرقة بينهم، لدرجة أن إحدى الدوائر في الولاية فاز بها فلاناً، وسماه بالإسم. واعتبر ذلك بلاءً عظيماً، وفشلاً ذريعاً، إذ كان ينبغي، وهذه من عندي، "تستيف" كل الدوائر فيما يبدو. وأضاف إن من انتخبوا ذلك الشخص سينقلبون على أعقابهم لأنهم لن يجدوا عنده شيئاً. والإشارة التي فهمتها، أن فلاناً هذا لن يستطيع خدمة أهالي الدائرة لأنه من خارج الحزب الحاكم، وبالتالي لن تلتفت السلطات لأية مطالب يتقدم بها. فاز الحزب الحاكم في انتخابات يفترض أن تكون حرة ونزيهة، على الأقل بحسب ما يقولون، في 99% من الدوائر التي خاضها، وتنازل عن الباقي لحلفائه، ورغم ذلك يتحسر على بضعة دوائر ذهبت لمستقلين، بعضهم أعضاء في حزبه. الأصل في ديمقراطية الوطني أن "يكوش على كل حاجة" فيما يبدو. غير أن جانباً آخر من حديث المسؤول استرعى انتباهي، شحنه بعبارات من النوع الذي انتهت صلاحيته، مثل المشروع الحضاري وأنهم جاءوا لتمكين الدين، وعملهم جهاد في سبيل الله. كان المسؤول يتنقل بين حديثه كمسؤول في الدولة، يناقش قضايا حكومية، وبين الشأن الحزبي والحركي، نسبة للحركة الإسلامية، بسلاسة تفوق رشاقة لاعبي الجمباز، وهذا مثار حديثنا اليوم. جاء في الأثر أن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز كان يتحدث ليلاً لأحد أمرائه الذين ولاهم على إحدى الأمصار عن حال البلاد والعباد، ثم فجأة انتقل الأمير ليسأل الخليفة عن حال أسرته وأولاده، فأطفأ الخليفة الشمعة التي جاء بها من بيت مال المسلمين، وأوقد شمعته الخاصة ليجيب على سؤال الأمير. يحفظ هذه القصة كل قادة الحكومة والحزب وشيوخهم، وكثيراً ما رددوها على مسامعنا، لكن يبدو أنها تعبر أفواههم وآذانهم دون أن تستقر في عقولهم وقلوبهم. يسافر المسؤول الحكومي على نفقة بيت مال الشعب السوداني، يركب الطائرات والبرادو، وينزل في أفخم الفنادق والنزل، ويأكل أطايب الطعام. ثم نراه منجعصاً في اجتماع حزبي، في قاعات ومكاتب الدولة ليناقش قضايا المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، دون أن يطفئ شمعة الدولة ويوقد شمعة الحزب والحركة. هل كثير علينا أن نطالب هذا المسؤول وإخوته أن يسافروا على نفقة الحزب، ويقيموا ويتنقلوا على نفقته أيضاً، طالما أنه سافر في مهمة حزبية لا شأن لنا بها؟. شاهدت المسؤول الكبير للحركة الإسلامية يعقد اجتماعاً لقادة الحركة في إحدى الولايات الغربية، وفي الصف الأمامي تلمع دبابير قادة القوات النظامية في الولاية، الذين يفترض، على المستوى النظري على الأقل، أنهم ليسو حزبيين ولا حركيين. ربما لا لوم عليهم لأنهم لم يعتادوا على هذا الفصل ولم يعودهم أحد على ذلك. غني عن القول إن ذلك اللقاء كان خبراً رئيسياً في نشرة تلفزيون الدولة الرسمي،. فمتى تبتدئ شمعة الدولة وأين تنتهي شمعة الحزب....الله أعلم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة