إن فكرة إقامة استفتاء أهالي دارفور، ليختاروا بين بقاء إقليمهم كإقليم واحد من الناحية الإدارية، أو أن يقسم إلى 5 ولايات مستقلة عن بعضها إدارياً، فكرة قديمة، أثيرت في محادثات أبوجا 2006م، وفي محادثات الدوحة 2011م .. فقد جاء (أعلنت الحكومة السودانية امس الاربعاء 2 مارس الحالي أنها ستنظم فى غضون ثلاثة أشهر استفتاء لحسم الجدل حول الشكل الاداري لاقليم دارفور بغربى السودان ، فى وقت تشهد فيه مباحثات السلام المتعلقة بالاقليم تعثرا واضحاً. وقال غازى صلاح الدين مسؤل ملف دارفور بالحكومة السودانية في مؤتمر صحفي عقده بمطار الخرطوم عقب عودته اليوم من الدوحة " النبأ الاهم حتى الان في غياب وثيقة سلام ، اننا ملتزمون باتفاقية ابوجا والتي تتحدث عن حسم شكل الاقليم". وأضاف " قضية الاقليم يجب ان تحسم من قبل اهل دارفور وسنمضي في اجراءات الاستفتاء على الشكل الاداري في دارفور وسنبدأ في اجراءات التعامل مع هذا المطلب ونتوقع ان يأخذ هذا عدة اسابيع وفق للقانون الذي سيصدر)(الشرق الاوسط3 مارس 2011م). ولقد صمتت الحكومة عن هذا الأمر، كل هذا الوقت، حتى أعلن السيد الرئيس في أكتوبر 2015م، بأن إستفتاء دارفور سيتم في أبريل 2016م.
إن حكومة الاخوان المسلمين، لا تنظر إلى أبعد من مصلحتها المباشرة، وبقائها في الحكم بكل سبيل.. وهي تظن أنها بخدعة الإستفتاء، وتقسيم دارفور، تستطيع القضاء على المعارضة المسلحة، واخضاع دارفور تماما. ولكن الشعب السوداني، وأحزابه، وحركاته المسلحة، ومواطني دارفور، وكافة السودانيين، يجب أن لا تغيب عنهم الحقائق التالية:
لو كانت الحكومة إنما تقيم هذا الاستفتاء، لأنها تحترم رأي الأغلبية من أبناء دارفور، فلماذا لم تسمع رأيهم حين سلحت القبائل العربية ضد الزرقة، وكونت مليشيات "الجنجويد"، فقتلت أكثر من 250 ألف مواطن من دارفور، وشردت حوالي 2 مليون آخرين؟! لماذا لم تسأل أهالي دارفور حين جاءت بقوات "الدعم السريع"، فحرقت القرى، وقتلت الشيوخ والأطفال، واغتصبت الحرائر، حتى بلغ من جرأة الحكومة، على أهالي دارفور، أن اغتصبت قواتها الرسمية، نساء قرية كاملة تسمى "تابت" ؟! وحين فر أهالي شرق دارفور، من جحيم حرب غشوم، الى قمة جبل مرة، لماذا لم تسألهم حكومة الإخوان المسلمين رأيهم، قبل ان تقصفهم بالطائرات، فتحرق الزرع والضرع ؟!
وقد يقول قائل، أن الحكومة إنما تريد ان تقيم الإستفتاء، لأنها شعرت بخطئها، وتريد ان ترجع عنه، وأن توقف الحرب، وتقيم السلام في دارفور، حسب الاتفاقيات التي تمت في "أبوجا" و "الدوحة" ، خاصة وأن السيد الرئيس، كان قد اعترف في لقاء رمضاني في منزل التجاني السيسي، بأن أيديهم ملطخة بدماء أهل دارفور، وأن الحرب في دارفور لم يكن لها أي مبرر !! فإن كان ذلك كذلك، فإن البداية ليست الاستفتاء .. وإنما الاقلاع الفوري، كشرط للتوبة، عن الحرب. ثم رد الحقوق الى أهلها، وهذه تعني المحاكمات لمن قتل أهالي دارفور، والتعويض لكافة المتضررين .. فإذا تم ذلك، يمكن ان يحل السلام في ربوع دارفور، وعندئذ يمكن ان يسأل أهلها، بعد ان يكونوا قد رجعوا من معسكرات اللجوء، ومنافي النزوح، إذا كانوا يريدون دارفور أقليماً واحداً أم عدة أقاليم.
لقد كان أقليم دارفور وحدة إدارية واحدة، واستمر كذلك بعد الاستقلال في عام 1956م. ولم يتقسم إلا بواسطة هذه الحكومة في عام 1994م. ولقد أدى تقسيمه إلى إستعلاء العصبية، وأشتعال النعرة القبلية، بالتنافس على مواقع السلطة، ثم فاغمت الحكومة ذلك، بتسليح القبائل العربية، وإثارة الفتنة بينها وبين القبائل الأخرى في الأقليم. وحين قسمت الحكومة الأقليم لم تشاور أهله، ولم تشر إلى إمكانية إستفتاء لمعرفة رأي المواطنين، فلماذا تشاورهم اليوم ؟! ولماذا يعطى أهل دارفور وحدهم الحق في تقرير مصير أقليمهم، ولا يعطى نفس الحق لأهل كردفان، وشرق السودان، وشماله؟! فربما طالبوا جميعاً بالغاء هذا التقسيم، وإعادة السودان كما كان قبل الإنقاذ، ووفروا على شعوب هذه الاقاليم، مرتبات الولاة، ونوابهم، ومخصصاتهم، التي أرهقت هذه الإقاليم، ثم لم تحقق كفاءة في إدارتها أو تنميتها.
لقد حاولت حكومة الاخوان المسلمين، التخلص من قوات الأمم المتحدة "يونميد"، وقوات الاتحاد الأفريقي، فلم تستطع. وهي تريد التخلص منها، لأن بقاءها دليل على أن الدولة تعتدي على شعبها، ومهمة هذه القوات، هي مراقبة، ووقف، والتبليغ عن هذه الاعتداءات. وتقسيم الأقليم يهدف إلى توزيع هذه القوات الأممية، واجبارها على التعامل مع وحدات ادارية مختلفة، تدخل معها في منازعات، تعوق عملها، فتعجزها عن التدخل، حين تعتدي "قوات الدعم السريع" على المواطنين ، أو تضطرها بسبب التضييق عليها، إلى الانسحاب.
والحكومة أيضاً تهدف الى تفكيك معسكرات النازحين، لأن بقاءها شاهد لا ينكرعلى فشل الحكومة، وعلى تشريدها لشعبها، وتقسيم الأقليم يؤدي الى هذا التفكيك، ويضع النازحين بكميات أقل، تحت رحمة ولاة مختلفين، مهمتهم عدم الاعتراف بهؤلاء النازحين، بعد ان أحضرت الحكومة قبائل من غرب أفريقيا، وملكتهم الأراضي التي نزح أهلها بسبب غارات " الجنجويد"، الى معسكرات النازحين. لقد تمت تغييرات ديمغرافية رهيبة في أقليم دارفور، فالقبائل التي أحضرت من غرب إفريقيا تزايدت أعدادها بالهجرة وبالمواليد، ومنحت الجنسية السودانية، واحتلت أراضي قبائل أخرى أضطرت الى اللجوء والنزوح، فكيف يتم استفتاء دون مراعاة لكل ذلك؟!
والإستفتاء يجب ان يرفض، لأنه يتم في ظروف لا يمكن ان تهيئ له أي قدر من النزاهة. فدارفور الآن مقسمة الى ولايات، وحكام هذه الولايات هم الذين يشرفون على الإستفتاء!! فهل سيسمحوا أن تكون النتيجة أقليم إداري واحد، حتى يفقدوا وظائفهم وإمتيازاتهم؟! وهؤلاء الحكام ليسوا مواطنين عاديين، وإنما هم عسكريين، وتابعين لجهاز الأمن: فوالي شرق دارفور عقيد أمن أنس عمر، ووالي غرب دارفور لواء أمن شعبي خليل عبد الله محمد، ووالي جنوب دارفور لواء أمن شعبي آدم الفكي محمد الطيب، ووالي شمال دارفور لواء أمن عبد الواحد يوسف ابراهيم. ولقد أختارت الحكومة رجال أمن ليحكموا الأقليم، حتى يفرطوا في القتل، والتعذيب، والإرهاب، شأنهم شأن رجال الأمن في جميع أنحاء السودان .. وحتى ينفذوا الأوامر العليا، بتزوير الاستفتاء لصالح الحكومة. وليس هنالك أحزاب، أو جماعات، أو منظمات أجنبية أو محلية، مسموح لها بمراقبة الإستفتاء. كما أن سجلات الإستفتاء، هي نفسها سجلات المواطنين في إنتخابات عام 2015م المزورة، والتي ظهر فيها كثير من أسماء الموتى، والأسماء المكررة، وغيرها، مما شاب إنتخابات عام 2015م من التزوير.
وإذا كان الوالي يكلف الحكومة مبالغ طائلة، كمخصصات، وبدلات، وعربات تخدمه وأسرته، وكذلك نائب الوالي، وأعضاء المجلس الولائي، ووزراء الولاية، فإن هذه التكلفة ستضاعف 5 مرات، على عاتق أهالي دارفور، الذين ستجبى كل دخولهم، ثم تعجزعن توفير هذه المخصصات. وما دام هذا الوضع الإداري لا تصاحبه تنمية للأقليم، تعوض التكاليف الزائدة، فإن تقسيم أقليم دارفور لخمسة وحدات إدارية، مشروع فاشل أقتصادياً، كما هو فاشل سياسياً، واجتماعياً.
إن إستفتاء دارفور ليس عملاً إدارياً بسيطاً، ولا هو إجراء ديمقراطياً، من حكومة ظلت تحكم بالبندقية لمدة سبعة وعشرين عاماً، ثم تنبهت فجأة للديمقراطية !! وإنما هو محاولة شيطانية، لإحكام السيطرة على دارفور، بتفريغها من أهلها، وارتكاب جرائم بشعبها، وتسليم أمرها لمجرمي جهاز الأمن، بعد إبعاد القوات الدولية، والمنظمات الانسانية، التي تطلع العالم على الإنتهاكات، المتكررة، لحقوق الإنسان، والجرائم العديدة ضد الإنسانية.
لهذا فإن على أهالي دارفور مقاطعة هذا الإستفتاء، وإعلان تلك المقاطعة بكل الوسائل. كما أن على أبناء دارفور، وغيرهم من المثقفين السودانيين، خارج الوطن، رفض هذا الإستفتاء، والمطالبة بعودة دارفور الى وضعها السابق، واطلاع كافة المنظمات الدولية، على مؤامرة حكومة الاخوان المسلمين، التي تريد بها القضاء على دارفور.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة