إيّاك تظن إني أقصد الجلوس تحت ظلال الأشجار وإدمان الساعات الطوال على "بنابر" ستات الشاي.. لا.. فهذا لا يُعد ضَرباً من الكسل لأنّه مُصَنّفٌ تحت بند (وقت الفراغ) والترويح عن النفس.. لكني أقصد (الكَسل في العمل).! فهو أخطر من الكسل المُطلق.. أن تتعطّل العقول وهمة التفكير والابتكار.. ويخلد الناس إلى التكرار والتقليد.. هل تريد الدليل على (الكسل في العمل)؟؟ سأبرهن لك..!! أمسك بجهاز (الريموت كنترول) وقلِّب نظرك في شاشات القنوات السودانية – وما أكثرها - مُباشرةً قبل الإفطار كُلها عمائم تصدر الفتاوى المَجَانية السّهلة بلا أدنى تدقيق أو مُراجعة.. أو مجموعات (مَدّاحين) لا حصر لها.. ثُمّ بعد الإفطار مُباشرةً تغرق كل هذه القنوات في موجات غناء هستيرية.. مُنافسة شرسة أيُّهم يطرب (وللدقة يهضرب) الناس أكثر.. وما أن تنتهي الموجة الأولى.. حتى تبدأ موجات برامجية حوارية مع فنانين وفنانات أغلبهم لم يَسمع بهم المُشاهد قبل رمضان.. ويستمر الحال كذلك حتى مَوعد السحور.. نفس الأسئلة.. ونفس الإجابات.. ثمّ نفس الأغاني.. لا أحدٌ يريد أن يخرج من جلباب نفسه (فضلاً عن أبيه).. تعطيل كَامل للفكرة والمُبادرة وشلل في إبداع الابتكار والتجديد.. لاعتقاد غريب أنّ (المُشاهد عاوز كدا).. والحقيقة لم تَجتهد قناةٌ واحدةٌ لتسبر غور هوى المُشاهد.. فالكل واقع تحت مخدر (الكسل في العمل) فلا يحاول أحدٌ المُجازفة أو المُخاطرة بالتجديد والخروج عن المألوف.. في تقديري أنّ هذه الظاهرة الإعلامية خطرة من زاوية أنّها تكشف أنّ الشعب السوداني واقعٌ تحت تأثير إعلام يُكابد (حالة فقدان).. فقدان للرسالة.. إعلام والسلام.. ففي التجوال اليومي في غالبية الفضائيات السودانية لا تشعر بأنّ وراء البرامج (إلاّ القليل النادر) أي فكرة سوى (الترويح).. رغم أنّ (الترويح) نفسه في عالم اليوم صَارَ له هدفٌ ورسالة.. والملفت أنّ بعض البَرامج المُهمّة ذات الرسالة الواضحَة تَختفي في رمضان وتذهب في عُطلة لحين انتهاء حَالة الهيجان وطَوفان الغثاء.. أذكر أنّ الدكتور غازي صلاح الدين عندما كان وزيراً للإعلام.. ولم يَكن حينها يَتوفّر إعلامٌ فضائيٌّ إلاّ الحكومي، علَّق على برامج العيد فقال (مُعدّل التفاهة يفوق الحصافة).. فهل الحصافة غائبة أم مُغيبة في برامج رمضان؟ الإجابة أتركها واضحةً أمام القارئ بصورة عملية.. في حوالي الساعة السادسة وأربعين دقيقة بتوقيت الخرطوم أدر مُؤشِّرك إلى قناة (MBC 1).. ستُشاهد برنامجاً اسمه (الصدمة).. مثال للرسالة الإعلامية الحصيفة والرشيدة في سياق ترفيهي مُمتع ومُبدع.. من قال لكم إنّ الترفيه بلا دين أو رسالة؟ فحتى الترفيه بقليلٍ من إجهاد العقل يصبح عملاً جاداً، بل مُنتهى الجدية.. سيقول البعض (العين بصيرة واليد قصيرة) فضائياتنا فقيرة والجُود بالموجود.. ولكن هذا هو (العُذر الأقبح من الذنب).. فالإبداع فكرة قبل أن يكون عملة..!! -
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة