محمد علي كلاي، هدية أميركا للإسلام، وهدية الاسلام للعالم اجمع، قد تم تشييع جثمانه الطاهر، في موطنه أميركا، يوم امس الجمعة الخامس من شهر رمضان الفضيل، الموافق العاشر من شهر ينويو عام 2016. الراحل محمد علي، بقدر ما أضاف اليه الاسلام من قيم ومفاهيم، أضاف هو الاخر للإسلام الكثير، اذ كرس حياته لنشر الإيمان بالله، والأديان لاسيما الدين الاسلامي بين كل من التقاهم في حياته، وقد اسلم على يديه الكثير، في داخل الولايات المتحدة وخارجها، نتيجة لنشاطاته الانسانية التي قام بها، سعياً منه لإظهار الدين الاسلامي على حقيقته السمحاء، كونه دين حرية ومحبة وسلام وعدل وتحرر وتكافل وتعارف وتعايش بين الأفراد والشعوب. قيم الحرية والتحرر، جسدها محمد علي منذ لحظة إسلامه، اذ رفض بعدها، ان ينادى باسمه القديم، رفضاً للعبودية وكل ما يرتبط بها من ثقافة وأسماء ورموز. ثم اتسعت مساحة رفضه لكل الاعمال والتصرفات الخارجة عن القانون التي كانت تحدث في داخل وطنه أميركا، أو خارجه ألحقت الضرر والأذى بالاخر فقد رفض الحرب على فيتنام إنطلاقاً من إيمانه بقيمة السلام في حياة الشعوب والافراد، وحينما سئل لماذا رفض الحرب على فيتنام قال: إنه ضد الحرب من حيث المبدأ. كما تساءل لماذا أشارك في الحرب ضد فيتنام ..؟ " انا لم اسمع من شعب فيتنام كلمة نيغرو، اي عبد، كما سمعتها في بلادي أميركا". إذن هو كان يعرف تماماً أين هي الحرب الحقيقية التي يجب عليه ان يخوضها، وضد من . . ؟ ولمصلحة من . . ؟ ان الموقف التاريخي الذي سجله في ذلك الوقت، لا يستطيع تسجيله لو كان ملاكماً محدود الثقافة، لا يعنيه من أمر الحياة سوى حياة اللهو والصخب والضوضاء التي يغرق في وحلها المشاهير . . محمد علي كان صاحب رسالة اكبر وابعد من رياضة الملاكمة، تجلى هذا الامر بكل وضوح في موقفه الرافض للحرب الذي جعل منه رمزاً للسلام، مما شجع دعاة السلام في بلاده أميركا، الالتفاف حوله، ومن ثم وإيصال رسالة للانسانية مفادها ان أميركا الشعب، ليست بالضرورة دوماً مع خيار حكومتها التي تورطت في الحرب ضد فيتنام آنذاك. الراحل، لم يكن بطلاً في حلبة الملاكمة للوزن الثقيل فحسب بل كان رجلاً مفوهاً وبليغاً في الْكَلام، لا يشق له غُبار. كان بطلاً في حلبتي الملاكمة والكلام، فوظف ما جناه من ثروة في حلبة الملاكمة لفعل الخير ومساعدة الضعفاء حول العالم، ونشر قيم المحبة والسّلام والتسامح بين الشعوب والامم . كما وظف ملكة البلاغة والحديث التي ازدادت رصانة ووضوحاً بعد دخوله الاسلام، وتعمقه في ثقافته لنشر الدين الذي أمان به بين الناس اجمعين من خلال جولاته التي قام بها حول دول العالم لاسيما الدول الفقيرة منها. لقب رياضي القرن العشرين، قد حازه بكل جدارة وتفوق، اذ يعتبر إنجاز تاريخي، لم يسبقه اليه احد من قبل. إذن حينما نكتب عن محمد علي بعد تشييعه الى مثواه الأخير، لا نكتب عنه لانه مسلم فحسب. إنما نكتب عنه في المقام الاول لانه انسان قد عانى الظلم والتفرقة العنصرية التي مارسها البيض ضد السود في أميركا، في ذلك الوقت، لكنه بطموحه وارادته القوية وموهبته المتميزة، فاز في كل حلبات الملاكمة التي خاضها، مظهراً ان الانسان هو الانسان سواء كان اسوداً أو ابيضاً، فهو انسان، وإن العبودية ليست مرتبطة باللون أو بالشكل، وإنما هي ظروف وأوضاع وشروط حياة، وبإمكان الانسان ان يتحرر منها بارادته وعزيمته واصراره ، ولا مستحيل تحت الشمس . كما نجح في الفوز في حلبة القانون على الاشرار الذين تامروا عليه وجردوه من كل ألقابه بعد ان أعلن إسلامه. وأخيراً استطاع ان يحول السخرية، التي كان يواجهه بها العنصريون في الشارع الى احترام وإعجاب، كما اسهم في تعزيز جهود المناضلين من اجل إقرار الحقوق المدينة للسود في بلاده، كما استطاع ان يضع حداً للمظالم التي واجهته حينما كان طفلاً، عبر تألقه وبراعته في حلبات الملاكمة التي شاهدها العالم. وهكذا تواصلت مسيرة الصعود والنهوض في حياة الراحل، وازدادت شهرة، حينما توجها بأعلان اعتناقه الاسلام الذي كان حدثاً قد فاجأ العالم. الذي لم يكن حدثاً مفاجئاً، بالنسبة اليه، بل كان مصدر سعادة وفخر حينما اعلن إعتناقه الاسلام الذي زاده تواضعاً، واحتراماً ومحبة للناس الذين بادلوه محبة واحتراما وتقديراً، وقد تجلت حكمة الراحل في توازنه بين القوة والتواضع، اذ لم تاثر فيه لا الشهرة لا الثروة، بل ظل انساناً عادياً وبسيطاً في مأكله ومشربه وملبسه ومسلكه هذا السلوك الإنساني الرفيع جعله منه إنساناً محبوباً، ليس داخل أميركا، او وسط المسلمين فحسب، بل محبوباً لدى العالم اجمع، وهذا الحب تجلى في يوم تشييعه الذي شارك فيه الملايين من كل الديانات في داخل أميركا وخارجها، افراداً عاديين ومسؤولي منظمات، ورؤساء وملوك. برحيل محمد علي الانسان تكون أميركا قد فقدت واحد من أعظم ابناءها، والإسلام فقد قدوة ونموذجاً نادر التكرار، والعالم قد فقد واحداً من ابرز ابطاله ورموزه ومعلميه. نسأل المولى عز وجل، ان يتغمده بواسع رحمته ويدخله الجنة التي كان يحلم بها في حياته التي كرسها لفعل الخير ونشر ثقافة السلام والتسامح، وأن يجعل من سيرته النيرة نبراساً للاجيال الجديدة لمواصلة المساعي التي تدعوا للسلام والتعايش بين الأديان والشعوب والامم. قصة حياة محمد علي، مسيرة عظيمة وحافلة بالانجازات والدورس والعبر لكل اصحاب العقول والضمائر الحية . الطيب الزين أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة