زار وفد سوداني رفيع الرئيس حسني مبارك في قصر الاتحادية ..الوفد كان يرأسه الفريق الزبير محمد صالح تقبله الله..مرر مبارك رأسه على جميع الحاضرين مرة واُخرى وكان يتوقف كل مرة في وجه وزير صارم القسمات له لحية دائرية وملامح تشبه المصريين.. في المرة الأخيرة سأل مبارك وزيرنا) هو انت جبهة) ..ثم بعدها مباشرة وجه هجوماً لاذعاً وغير دبلوماسي على الشيخ حسن الترابي ..ردد أكثر من مرة " الراجل دا ح يفصل جنوب السودان ".. والزبير الذي كان يعرف المصريين جيداً يضع كوبا من الماء البارد على حديث مبارك الساخن. في الأيام الماضية أثار الشيخ حسن الترابي جدلاً جديداً عبر إفاداته في برنامج شاهد على العصر الذي تبثه قناة الجزيرة القطرية ..شيخ حسن كشف الغطاء عن الكثير من المسكوت عنه خاصة عن خفايا محاولة اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا ..لست بصدد التعليق على محاولة الاغتيال وبعدها الأخلاقي ..لكنني بصدد الحديث عن موقف الرئيس مبارك لاحقاً ومن السودان بشكل عام.. في تلك اللحظات الحرجة ارتفعت نوبات غضب وسط النخبة المصرية الحاكمة بل إن بعضهم اقترح على الرئيس توجيه ضربة عسكرية ضد السودان ..ولكن مبارك تجاوز حظ النفس وتعامل بحكمة مع الملف الحساس . أثيوبيا ومعظم الدول الغربية تعاملت بخشونة مع السودان عقب تلك الواقعة ..وصلت القضية إلى عتبات مجلس الأمن الدولي .. صدرت بعض القرارات الأمنية ومن ذاك اليوم دخلنا قوائم الدولة السيئة السمعة.. حينما وصلت مشاريع القرارات الأممية فرض حظر طيران شامل على السودان ظهرت حكمة مبارك.. رفضت الدبلوماسية المصرية الفكرة جملة وتفصيلاً.. وقد اعترف لي مسؤول رفيع سابق أن ذاك القرار إن صدر كان سيقوض أركان الدولة المركزية ويحول بلدنا إلى صومال جديد في أفضل السيناريوهات . الإدارة المصرية الحالية أيضاً كانت في قمة التسامح والتفهم رغم بروز القضية للسطح مجدداً..لم تثر القضية على الصعيد الدبلوماسي ولم تطالب حتى باعتذار رسمي..كل ردود الأفعال المصرية لم تكتسب أهمية تذكر باعتبارها صدرت من جهات شعبية واُخرى تحاول الصيد في مناخات التوتر بين الخرطوم والقاهرة..ربما مصر اقتنعت أن التصرف كان فردياً ولم توافق عليه القيادة العليا في الحزب والدولة . في تقديري.. أن صورة مبارك التي تم ترسيخها في المخيلة الشعبية تحتاج إعادة ترسيم.. لسنا في مقام ذكر إنجازات الرجل او إخفاقاته بين سكان أدنى النهر باعتبار أن التقييم يرجع للشعب المصري..إلا أن الثابت الآن أن الرئيس مبارك كان بعيد النظر وثاقب الرؤى في التعامل مع ملف العلاقات الثنائية بين شطري وادي النيل..وهذا التعامل والتفهم يستحق التقدير. بصراحة..شهادة الشيخ حسن الترابي كانت مهمة لمعرفة كيف كانت حكومتنا تتعامل مع الأزمات ..كان بالإمكان تجنب كثير من العواقب إذا تمت محاسبة فردية لكل من أخطأ وسود صحائف التاريخ .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة