للأسف النخبة المثقفة في دولة جنوب السودان لم تكن على قدر المستوى الإبداع في عكس إشكاليات الانسان الجنوبي قبل وبعد الانفصال.. لم تكتب سوى رواية يتيمة (طائر الشؤم) رغم ان تاريخ التفاعل بين الشعب الجنوبي والشمالي ذاخر بما يمكن أن يحكى لا سيما من خلال المسرح ، إن المسرح الإيرلندي انصب اهتمام رواده على قضية استقلالهم من بريطانيا والحروب التي خاضوها ضد الاحتلال البريطاني والتمييز المذهبي الذي مورس ضدهم.. كان بامكان المثقفين الجنوبيين أن يستفيدوا من المسرح لعكس قضاياهم التي مضت والتي ستأتي لتشكيل وعي عام بالاضافة الى نقل تجربتهم الى العالم وتوضيح نظرتهم السياسية والثقافية والاجتماعية التي قادتهم الى الاستقلال. للأسف بعض الجنوبيين من المثقفين تأثروا بالشمال فكتبوا أشعارهم بأدوات ومفردات وأساليب شمالية قحة كالشاعرة نيالاو حسن ايول ؛ أورد هنا مقتطفا من قصيدتها يا جنوب
ياجنوب
"يا أرض حفيف الأجنحة التي في عبر أنهار كوش"
يا قوة عاطفة خط الاستواء! لأنني أنتمي إلى الناجين من الماضي؛ ولن ينطوي في طي النسيان أبدا؛ أنتمي الى جيل ورث دخان الرصاص بين الرئتين؛ وعين الجوع المتوهجة، والأرواح المهمشة الحطام ؛ والعظام الطويلة الباردة! سأظل أبحث فيك عن الشمس المذهلة!
يا جنوب يا كلمة مختومة في زنوجة أرواحنا. يا أعشاب نيلنا الأبيض. وقوارب الصيد السوداء . ياصوت الغابات العميقة يا قمة "الأماتونغ" يا نجمة زنجية في أجنحة السماء، وملايين السنين من حكايات الجدة الخرافية!
يا جنوب الجرح الحاد في حدود سحرك يؤلم قلبي! وهذا البارود يشرخ رائحة بساتين الأناناس، ويجرح أشجار المهوقني ويؤلم قلبي!
لأنني أنثر بذور رحمي فوق الريح ،فوق زهور الأشجار فوق الغابات، فوق المخاوف، على مدار شمسك الحارقة وتمتلئ بها الشقوق في أمواج النيل يحملها الهواء الدافئ من الأرض أغنية سرقتها لأشجار لتنبت أطفالا كطائر الفينق ويموتون ويرجعون من جديد، الحرب تؤذي عيني متي تنتصر فيك الحياة يا أرض الطيور الزرقاء!
إن الشعر مهما كان عميقا فهو محكوم بشاعريته خلافا للمسرح الذي يفتح الأفق الابداعي بغير حدود . ونلاحظ في شعر نيالاو التأثر بشعر النثر العربي ولم تورد كثيرا من المفردات التي تنبع من عمق الثقافة الجنوبية ؛ حيث كان بإمكتنها تضمين مفردات خاصة وترجمتها وتفسيرها على الهامش.
للأسف لم يستقر جنوب السودان منذ ان استقل ولذلك فلا يمكنني شخصيا متابعة الحركة الثقافية وخاصة الروائية والمسرحية فيه ، لكن عموما يمكن أن نعطي احكاما شديدة العمومية بان المجتمع الجنوبي بحاجة الى مثقفين مبدعين في الفنون والآداب أكثر من المثقفين السياسيين .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة