بعد إعتراف الدكتور مامون حميده وزير الصحة بولاية الخرطوم بأن40% من مجمل ترددات المرضى بالمستشفيات مصابين بأمراض نفسية ، علينا أن نتخيَّل العدد الحقيقي للذين يعانون من هذه الأمراض في مُجمل مجتمع العاصمة أوالسودان بأكمله ، إنطلاقاً من كون ثقافتنا وإمكانياتنا المادية لا ترتقي إلى مستوى كثير من المجتمعات في دولٍ أخرى تولي مجتمعاتها إهتماماً مُقدَّراً بالفحوصات والكشوفات الطبية الدورية ، فنحن السودانيون لا نذهب إلى الطبيب إلا إذا بلغ فينا الداء ما يمنعنا أن نسعى في الأرض ، و بما أن تلك النسبة المذكورة العالية التي تم إحصائها عبر تردد المرضى على المستشفيات والمراكز المتخصصة لا تُعتبر دقيقة وتجنح إلى أن تكون أعلى من حيث الكم والنسبة التمثيلية مقارنةً بالأمراض الأخرى ، وإنطلاقاً من تلك النظرية فإني أعتقد أن نحو ما يفوق (نصف) الشعب السوداني يعاني أنواعاً شتى من الأمراض و الإضطرابات النفسية ، وهي تتفاوت بحسب طبيعتها ومستوى تطورها وتأثيرها على حياة الفرد إلا أنها في نهاية الأمر تبقى مُصنَّفة تحت مصطلح (مرض وإضطراب نفسي) ، أما أسباب تفشي هذه الأمراض والتي يمكن أن نُطلق عليها مصطلح (وباء) بالنظر إلى علو نسبتها المُعترف بها من وزارة الصحة الولائية والتي تعتبر المرجع الأول والأخير في إعتماد الإحصاءات والتقارير والمعلومات الصحية ، فقد كان من الواجب النظر في الأسباب التي يمكن أن تودي بنصف مجتمعٍ بأكملة في براثن الإضطراب النفسي والإنهيار المعنوي ، أليس في ذلك ما يدعو ولاة الأمر إلى التفكر في ما أصاب الناس من توجس وإضطراب وكثرة تفكير وقلة تدبير في كل ما يتعلَّق بأمورهم الحياتية المُلحة والتي تبدأ بالمعانة في الحصول على لقمة العيش بمجرد الفلاح والجد والمثابرة ، ثم ما أصاب هذه البلاد من غلاءٍ فاحش لم نعُد نستطيع تبرير أسبابه والتي لم يُعد لها علاقة بدولار ولا وقائع ولا أحداث إقتصادية مرئية وواقعة ، ثم ما ألم بالبلاد والعباد من حروب وإضطرابات وصراعات بعضها لأجل السلطة وتداولها وبعضها بإسم الثروة وإقتسامها وأخرى لمجرد المصالح السياسية الشخصية وتأثيرذلك على (نفسيات و معنويات) من هُم داخل دائرة أوجاعه بأدوات أهمها الموت بسبب الحروب وإنعدام الأمن والنزوح وفقدان العائل والعجز عن التداوي ، مما جعلهم أكثر هشاشة من الناحية النفسية وأكثر إستعداداً للإنهزام أمام الحياة وتحدياتها ، ماذا نتوقع أن نجد في أفئدة الشباب العاطلين عن العمل وهم ينتظرون بعد تخرجهم السنوات العديدة لمجرد الحصول على ضربة البداية غير المزيد من الأمراض النفسية والتعقيدات المعنوية بما يجعلهم أكثر قابلية أيضاً للإستسلام والإضطراب العاطفي بفضل ظلامية المستقبل وحالة العجز عن تحقيق أبسط الأولويات والأمنيات ، لماذا لا يتحدث السيد وزير الصحة عن الأسباب والمُتغيِّرات الحياتية الجديدة التي ألمت بالمجتمع فأردته نفسياً ومعنوياً ، والتي كان قوامها سياسات حكومة الإنقاذ التي بدأت بنهج التمكين و إقصاء الآخر والبذل للموالين ، فضلاً عن إنفراط الفساد ، ثم إنتهت برفع الدعم عن التعليم والوقود وغاز الطعام والدواء .. اللهم فرِّج كربتنا .. وأزل همومنا .. ومتّعنا بأفئدتنا وعقولنا يا رب العالمين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة