ألقى نتنياهو خطابه مطمئنا إلى عدم وجود منغصات «أوبامية» وغياب المواجهة الفلسطينية لسياساته حاول بنيامين نتنياهو أن يبدو هادئا وواثقا وهو يلقي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونبه مطولا المنظمة الدولية ومؤسساتها، إلى أنها لا تملك حق رسم مصالح اسرائيل من خلال التدخل في الصراع وأن كل شيء باستثناء القدس قابل للتفاوض المباشر بين تل أبيب ورام الله حصراً ، ونفى أن تكون المستوطنات مشكلة تعيق التوصل إلى حل معتبرا أن عدم الاعتراف بالدولة اليهودية هو العقدة الأساسية، منوها إلى أن الحرب ضد اسرائيل في المنتدى الدولي قد انتهت! وبدلا من نوباته المعتادة في الهجوم الحاد على جبهات متعددة، لجأ إلى تعداد «مآثر» اسرائيل كدولة ديمقراطية وحيدة في المنطقة تعم المساواة بين مواطنيها! وفي رسالة متعددة الاتجاهات، أثنى نتنياهو على ادارة أوباما ودعمها المتواصل لإسرائيل مشيداً بقوة العلاقات الأميركية ــ الإسرائيلية بعد أن أكد على أن انفتاح دول العالم بما فيها دول من الشرق الأوسط على إسرائيل في اتساع مضطرد. دخل نتنياهو قاعة الجمعية العامة مدججا بالكثير من الأسلحة، أبرزها مبلغ الـ 38 مليار دولار التي أقرت كمساعدات من واشنطن إلى تل أبيب والى جانب ذلك تأكيد الرئيس أوباما أن واشنطن معنية بحماية إسرائيل في مواجهة أية توجهات أو مشاريع قرارات تمسها في مجلس الأمن. وكانت أوساط نتنياهو تحدثت عن هواجس انتابته قبيل انعقاد دورة الجمعية العامة خشية «مفاجأة» أميركية بخصوص التسوية، إلا أن هذه الهواجس تبددت بعدما تبين أن الأمر غير متوقع، وأن الادارة الأميركية الحالية تدرك أن أي ضغط على تل أبيب في هذا الوقت بالذات سيضر بمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون عشية الانتخابات الرئاسية. لذلك، لم يجد نتنياهو دافعا قويا للتفصيل في رؤية حكومته لمستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان العام 1967 باستثناء ما ذكره عن مدينة القدس بأنها غير خاضعة للتفاوض. لكن مالم يقله في هذا الشأن من على منبر الأمم المتحدة يفعله على الأرض ضمن سياسة منهجية باتت معلنة. وهو لم يجد في المنتدى الدولي خطابا فلسطينيا يشكل تهديدا جديا وعمليا لهذه السياسة، بما يؤشر إلى معالم سياسة فلسطينية جديدة، كما حصل في محطات سابقة أهمها تقديم طلب الاعتراف بدولة فلسطين. لذلك، اكتفى بـ«العزف» على الحديث الفلسطيني بوجوب محاسبة بريطانيا بسبب إطلاق وعد بلفور. بعدما اطمئن نتنياهو إلى عدم وجود منغصات «أوبامية» وغياب التحدي الفلسطيني الجدي لسياساته بدا محاضرا أمام أعضاء الجمعية العامة، مطلقا رسائله إلى خصومه القائمين والمحتملين في المشهد السياسي والحزبي الاسرائيلي، وخاصة أولئك الذين حذروا من سياساته التي «تستفز الحليف الأميركي» وتلحق الضرر بالعلاقات الاستراتيجية مع واشنطن، ليقول لهم إن كل شيء على ما يرام مع الادارة الأميركية. وفي مواجهة الذين حذروا من عزلة خانقة ستتعرض لها اسرائيل جراء سياساته، ليعيد الحديث من على منبر الأمم المتحدة عن انفتاح العديد من الدول بما فيها دول عربية على تل أبيب، هذا إلى جانب الجولة الواسعة التي قام بها في وقت سابق على الكثير من الدول الافريقية. معظم المراقبين رأوا في خطاب نتنياهو «تمرينا» ضعيفا في التضليل والديماغوجيا، خاصة في الموضوع الفلسطيني في فضاءاته الثلاثة، أراضي الـ48 ، الأراضي المحتلة في 1967 وفي الشتات الفلسطيني. فهو وحكومته ضربوا للعالم مثلا فاقعا في السياسات العنصرية والتمييز ضد فلسطينيي الـ48 على صعيدي التشريع والتطبيق، ضمن منطق الاقصاء والتهميش بدءا من اتهامهم بـ«الطابور الخامس» مرورا بخفض مستوى الخدمات الأساسية في تجمعاتهم ، وصولا إلى هدم بيوتهم، في استمرار منهجي للنكبة التي لحقت بهم. وفي أراضي الـ67، يعتبر نتنياهو مؤخرا أن مجرد الدفاع عن الأرض الفلسطينية والمطالبة برحيل الاستيطان والمستوطنين بأنه سياسة تطهير عرقي بحق المستوطنين اليهود «المساكين»، وربما كان من الممكن أن يعتبر ذلك «محرقة» جديدة! هذا، في الوقت الذي يستمر مسلسل نهب الأرض وهدم البيوت وحملات التهويد ونشر الاستيطان والقتل اليومي عبر الإعدام الميداني لشبان الانتفاضة إلى جانب الحرب الاسرائيلية الشعواء على الأسرى المضربين عن الطعام لمجرد أنهم يطالبون بوقف الاعتقال الاداري. ولاتزال الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وعموم الأحزاب الصهيونية ترفض مطلقا مجرد الحديث عن حق اللاجئين الفلسطينيين والذي يكفله لهم القرار الدولي 194، وكان من الطبيعي أن يهاجم نتنياهو الأمم المتحدة ومن على منبرها، تحسبا من وضع قراراتها ذات الصلة موضع التنفيذ. ألقى نتنياهو خطابه في وقت ينشغل فيه العالم بالصراعات الدامية التي تشهدها المنطقة، وهي فرصة لنتنياهو كي يقدم نفسه وحكومته طرفا معنيا في مكافحة الارهاب ،في سياق مقاربة مفتعلة بين حوامل الارهاب المتمدد وبين بنية المقاومة الفلسطينية، وهي محاوله سبقه فيها شارون عند وقوع تفجيرات نيويورك وواشنطن العام 2001، وقد وافقته واشنطن على ذلك عندما وصف وزير خارجيتها ما يجري ضد الاحتلال على يد شبان الانتفاضة بالإرهاب. وألقى خطابه، في ظل استمرار الانقسام الفلسطيني والتشبث «الرسمي» بالسياسة الانتظارية والإحجام عن تنفيذ قرارات المجلس المركزي وادمان الرهان على المبادرات السياسية الهابطة بديلا عن اعتماد سياسة جديدة تقوم على مواجهة الاحتلال في معركة مفتوحة على الصعيدين السياسي والشعبي. لقد تبين من مضمون خطاب نتنياهو أن هاجسه الوحيد هو الأمم المتحدة وخاصة الجمعية العامة المتحررة من فيتو حلفاء الاحتلال، وهو يعرف أن أصدقاء الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية يشكلون أغلبية الأعضاء ، وقد أثبتت محطات عدة هذه الحقيقة وآخرها في خريف العام 2012 ، عندما تمت ترقية وضع فلسطين في المنتدى الدولي والاعتراف بها دولة تحت الاحتلال بحدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس. يخشى الاحتلال مواجهته في الميدان وفي السياسة، وهما بيد الفلسطينيين، وخاضوا ذلك مرار وحققوا مكاسب هامة. لكن المشكلة في الرهانات على تسويات من خارج قرارات الشرعية الدولية وضعت الحقوق الفلسطينية بين مطرقة الاحتلال وسندان حلفائه. مع استمرار هذا الوضع، ستأتي الخطابات القادمة لنتنياهو ومن يخلفه أكثر وقاحة وتضليلا، وستتراجع باضطراد المساحة المتروكة في الخطاب للموضوع الفلسطيني .. حتى تتلاشى. فهل ننتبه؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة