احتفلت جامعة الأحفاد بمرور خمسين عاما على تأسيسها، لم تكن مجرد مسيرة زمن، لكنها رحلة إسهام ضخم وكبير في مسيرة التعليم والتنوير في السودان، يرجع الفضل فيه إلى آل بدري، والمؤسس الأول لتعليم البنات الشيخ بابكر بدري- عطر الله قبره، وسقاه من سحب الرضا والنعم. سيرة حياة الشيخ بابكر بدري تستحق أن تروى- باستمرار- فهو مقاتل شاب في جيش المهدية، قاتل بإخلاص، وبسالة، وإيمان بما كان يقوم به، ثم وقع في الأسر مع جيش النجومي، وشهد تحطم الآمال والأحلام الكبيرة- ربما- كان من المتوقع أن تدمغ روحه الهزيمة التي شهدها بعينيه، وتقوده إلى الانكسار والانعزال، لكن روح المقاتل لم تفارقه، فطوى جراحه وآلامه، وقرر أن يدخل معركة أخرى لم تكن تقل شراسة من المعركة الأولى؛ وهي تعليم البنات. طرح الشيخ بابكر بدري فكرته في تأسيس مدرسة لتعليم البنات في رفاعة على السلطات الاستعمارية، لكن كان طلبه يقابل بالرفض، فلا ييأس، ويعاود الكرة مرة أخرى، حتى وجد القبول عام 1907، فشرع في تأسيس المدرسة ببنات من آل بيته والأقارب والجيران.. ما فعله الشيخ كان سباحة ضد التيار، تيار السلطة، وتيار الأفكار السائدة في المجتمع المحلي، لكن روح العناد والإصرار كانت أكبر من كل ذلك. ويبدو أن الشيخ قد أورث جيناته هذه لأبنائه، وبناته، وأحفاده، فقد واصلوا المسيرة بنفس روح المثابرة، والإصرار، والعناد.. انتقلت مدارس الأحفاد إلى أمدرمان؛ لتواصل مسيرتها من هنا، وجاء البروفيسور الراحل يوسف بدري ليواصل مسيرة والده، وينقلها إلى مرحلة متقدمة بإنشاء كلية الأحفاد الجامعية للبنات عام 1966، والتي بدأت بـ 23 طالبة وثلاثة أساتذة.. ثم انتقلت خطوة أخرى كبيرة عندما تحولت عام 1995 إلى جامعة الأحفاد للبنات، لتصبح واحدة من الجامعات القليلة في العالم المتخصصة في تعليم النساء، تقف الآن هذه المؤسسة الشامخة على قمة الجامعات في السودان، والمنطقة، مستوى أكاديميا عاليا، برامج أكاديمية مختلفة، ومتنوعة، ترتبط باحتياجات المجتمع، اهتماما خاصا ببرامج صحة وتنمية المرأة، والأسرة، والطفل، ودور اجتماعي، وثقافي رائد يمتد عطاؤه في كل أنحاء السودان. ميزة جامعة الأحفاد أنها مؤسسة تعليمية قامت على رؤية، وفلسفة، ومنهج، وعلى تطور متدرج، ومحسوب، وعلى قدرة عالية على الارتباط بالمجتمع، وخدمة قضاياه.. ولا ننسى دور الأفراد الذين حملوا الرسالة بنفس العزيمة، بدءا من الأب المؤسس الشيخ بابكر بدري، ثم العميد يوسف بدري، ومن بعدهم البروف قاسم بدري، ثم نخبة من الخبراء، والأكاديميين من أسرة بدري، ومن خارجها. أكثر من سبعة آلاف طالبة يتلقين العلم في الأحفاد- الآن- في أكثر من سبع كليات، وعدد من المدارس، والمراكز المتخصصة، بجانب برامج الدراسات العليا، وبرامج تربط الجامعة بأنشطة مجتمعية مختلفة لا تخلو منها الجامعة أسبوعا واحدا. جامعة الأحفاد قصة نجاح يفخر بها كل السودانيين، ومنارة علم، ومعرفة تشع على كل جزء من بلادنا، ومسيرة عطاء نأمل لها أن تتواصل، وتمتد، تحية إلى كل أحفادية، وكل أحفادي بالانتساب، وإلى كل أسرة الجامعة، وأسرة بدري. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة