دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: العصيان المدني في السودان.. قراءة في المعط (Re: Moutassim Elharith)
|
العصيان المدني في السودان.. قراءة في المعطيات معتصم الحارث الضوّي 16 ديسمبر 2016
ثلاثة أيام تفصلنا عن يوم العصيان المدني العظيم، المعلن في 19 ديسمبر 2016، وفي هذه اللحظات الحرجة، والتي يتمنى الشعب السوداني -باستثناء الجماعة الطفيلية المنتفعة- أن تكون اللحظات السابقة للخلاص، يحاول كاتب هذه السطور استقراء مواقف بعض القوى المؤثرة في الشارع السوداني.
لم يُعد سرا يُذاع أن النظام بأكمله، من رئيس العصابة، عمر البشير، إلى أصغر مسئول في نظام القتلة واللصوص يشعرون برعب هائل، ولا عجب، فالحرامي والمجرم دائما على رأسه ريشة! وكلهم يدركون ويعلمون تماما أنهم أخطأوا بحق الله والوطن والشعب، ولا تخدع أحد أصواتهم المتعالية والمُكابرة، فهم يكذبون، ويعرفون أنهم يكذبون، ويعرفون أننا نعرف أنهم يكذبون!
قراءة في الوضع العام
موقف النخبة الحاكمة تناولت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الفائتة تسريبات عديدة أشارت إلى سعي العديد من أقطاب نظام القتلة واللصوص إلى الهروب بأنفسهم وعائلاتهم من المصير المحتوم، وإعداد التجهيزات اللوجستية اللازمة لذلك من طائرات وسيارات دفع رباعي جاهزة على مدار الساعة للانطلاق، وليس سرا يُذاع كمية التحويلات المالية الهائلة إلى الخارج التي حدثت مؤخرا عبر المنافذ الرسمية وغير الرسمية، وكذلك شراؤهم لكميات هائلة من العملات الصعبة في السوق الموازية. إذن، حالة الرعب استشرت في أوساطهم، وتجهز الكثيرون منهم للقفز من السفينة الغارقة، وقد رأينا حتى البعض من مُطبّلين آلتهم الدعائية من صحفيين وإعلاميين يتخذون هذا المنحى مؤخرا، ولا شك أن البقية ستأتي!
الخطة المضادة للنظام منذ بدء الدعاوى لبروفة العصيان في نوفمبر الماضي حاول النظام اللجوء إلى أساليبه التقليدية والإلكترونية المعهودة: التشويش، وخلق الفتن، ونشر الشائعات، والتخذيل وإضعاف الروح المعنوية، والتهويل من قوة الآلة الأمنية للنظام بغرض الترهيب، والتجسس على المكالمات والمخاطبات الإلكترونية بمعرفة الجيش الإلكتروني.. إلخ، ولكن كل ذلك فشل نتيجة لسببين: أولهما انتشار الوعي بحقيقة أساليب النظام، وثانيهما كثافة التوعية وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بماهية تلك المخططات وكيفية إفشالها.
في إطار التحضير لمواجهة العصيان المدني الذي ينطلق في 19 ديسمبر غيّر النظام من تكتيكاته، ووضع خطة قد تستند إلى بعض ما يلي من العناصر: 1. إغراق الشوارع بمنسوبي الأمن والشرطة والجيش وكل الجهات التي يمكنه أمرها بالتواجد في الشوارع لخلق إيحاء زائف أمام وسائل الإعلام الأجنبية بأن الحياة طبيعية. 2. استخدام أسلوب حرق بعض الممتلكات العامة والخاصة، والادعاء بأن قوى التخريب والفوضى تحاول النيل من مقدرات الوطن. 3. إثارة فتن عنصرية وجهوية، وقد كان للنظام تجربة في هذا الإطار حين وفاة السياسي الفذ جون قرنق، حيث استطاع نشر فتنة عنصرية، استشرت كالنار في الهشيم في الخرطوم، ولولا لطف الله ثم تعقل الأفاضل لكانت نتائجها المأساوية أضخم بكثير مما حدث. 4. اغتيال بعض الشخصيات، ونسبة الأمر إلى قوى التخريب، وذلك في محاولة لحث الجيش على التدخل لضبط الأمن إلى صف النظام، وسنأتي على موقف الجيش لاحقا.
جهاز الأمن والمخابرات درجت عادة الحكومات المتعاقبة منذ مطلع السبعينيات في القرن المنصرم على أن يتخذ هذا الجهاز الحيوي مظهرا إيديولوجيا يتبع للنظام أيا كان، وعليه سعى نظام القتلة واللصوص منذ اللحظات الأولى لتأسيسه على تشريد الضباط والجنود وغيرهم من منتسبي الجهاز، وأقحم أعدادا هائلة من الأعضاء المتشنجين والدمويين من أعضاء الحركة المتأسلمة في صفوفه. لذا فإن التعويل على انحياز جهاز الأمن إلى صفوف الشعب، أو على الأقل اتخاذه موقفا محايدا –وذلك أضعف الإيمان- هو ضرب من الأحلام الوردية يخالف الواقع بشكل صارخ، وقد يحق القول هنا بأن جهاز الأمن (إضافة إلى ميليشيات الإرهابي حميدتي) ستكون القوة الضاربة ضد الشعب، وخاصة في اللحظات الفاصلة، أي المظاهرات.. إلخ، التي ستلي نجاح العصيان المدني.
موقف الجيش تسود الجيش السوداني حالة كبيرة من التذمر، وقد أعرب العديدون عن التزامهم خيار الشعب، وتجلّى ذلك بوضوح في مشاركة ما يصل إلى 30% تقريبا من الضباط وضباط الصف والجنود في بروفة العصيان التي امتدت لثلاثة أيام في نوفمبر الماضي. على صعيد آخر، فإن السواد الأعظم من الضباط الوطنيين الشرفاء الذين أحالتهم ما تُسمى تجاوزا "الإنقاذ" إلى الصالح العام، يقفون بشكل واضح إلى جانب المطالبات الشعبية برحيل النظام، وثمة مداولات واسعة بهذا الخصوص. على صعيد آخر، فإن نسبة لا يُستهان بها من الضباط المهنيين (بخلاف العقائديين الذي أقحمهم النظام على الجيش ومنحهم رتبا وهمية) ترى بأن مستقبل الوطن مهدد، وخاصة بعد تعاظم دور ما يُسمى بقوات الدعم السريع (ميليشيات حميدتي الإرهابية)، وقد وصلت رسائلهم بهذا الخصوص مباشرة إلى رئيس النظام. إذن، المحصلة العامة فيما يتعلق بالجيش أن من المرجح انحيازه في الوقت المناسب إلى الشعب، ولعل من المطمئن القول هنا بأنه على حد علم كاتب السطور لا سعي على الإطلاق لإنشاء حكومة عسكرية حتى لمرحلة انتقالية.
الحركة المدنية نعني بها الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني بكافة أنواعها، وقد أعلنت الحركة المدنية بأسرها انحيازها للشعب، وأعلنت عن دعمها للعصيان المدني حتى إسقاط النظام. أما الأحزاب الموالية للنظام (تُسمى محليا أحزاب الفكّة)، والنقابات غير الشرعية التابعة للنظام، ومنظمات المجتمع المدني المُختلقة المُسبّحة بحمد النظام فلا وزن جماهيري لها في الشارع، ولذا فإنها بلا شك ستذوب، وسُيلقي أعضاؤها ببطاقات عضوياتهم في سلال المهملات عندما تتأرجح حركة البندول باتجاه سقوط النظام.
الحركات المسلحة تشمل الجبهة الثورية وغيرها من التنظيمات المسلحة التي تناضل ضد النظام، ومن نافلة القول إن جميع تلك الحركات بادرت بالإعلان عن دعمها المطلق للعصيان المدني باعتباره أسلوبا مستحدثا لإسقاط النظام، وبالفعل خاطبت تلك الحركات المتعاطفين معها، والرأي العام السوداني، داعمة بشدة للدعوات للعصيان المدني في 19 ديسمبر.
الرأسمالية الوطنية والأسواق منذ اللحظات الأولى للانقلاب الإنقاذي سعى النظام إلى إحلال التجار والرأسماليين التابعين له محل الرأسمالية الوطنية، وذلك في إطار ما يُعرف في الفكر الإخواني بسياسة التمكين، أي الهيمنة على كل المفاصل الاقتصادية (العامة والخاصة) لضمان استمرار الحكم لأطول فترة ممكنة، وعليه بادر النظام إلى استعداء الرأسماليين الوطنيين، وبالفعل تضرر الكثيرون منهم، ولكن استطاع البعض منهم التملص من الضغوط بوسائل التزلف السياسي أو الإغراءات المالية لكبار وصغار منسوبي النظام. لكن الواقع المعيش يشير إلى أن كبار التجار والرأسماليين الوطنيين تضرروا كثيرا من بقاء النظام، وبالتالي فإن الدور المتوقع، بل والمأمول منهم على الصعيد الجماهيري، هو الانحياز إلى صف الشعب بقوة، وخاصة عندما تصبح بشائر التغيير واضحة جلية.
الشعب قال الشعب السوداني كلمته واضحة ضد النظام الحاكم منذ أمد بعيد؛ فقد انتفض لحقه في كل أرجاء الوطن، وجاءت اللحظات الفارقة في هذه الأيام، وليس بالإمكان التنبؤ بخلاف استمرار حركة العصيان المدني، المدعومة لاحقا بأشكال أخرى مثل الإضرابات وغيرها من وسائل الضغط الناجعة، حتى يتحقق ما يصبو إليه من سقوط نظام القتلة واللصوص.
يبقى التساؤل قائما.. متى سيتمكن الشعب السوداني من إنهاء النظام الديكتاتوري، وتبقى الإجابة بيد ذلك الشعب الذي سطّر البطولات عبر التاريخ ليخطّها بنفسه حيثما وكيفما شاء.
الرابط الأصلي للنشر: http://horpost.com/articles/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%...-%D8%A7%D9%84%D9%85/
| |
|
|
|
|
|
|
|