شهادات شمال السودان لم يكن الضابط الوحيدالذي عارض سياسات حكومة الجبهة الأسلامية أو الحروب التي يجبرون عليها كضباط في الجيش ضد أبناء وطنهم ..ولم يكن أيضا" الضابط الوححيد الذي زار مركز النديم حاملا" معه علامات تعذيبه بسبب رفضه الأشتراك أو الأستمرار في تلك الحروب التي لم يجن منها السودان غير الخراب وضياع خيرة شباب الوطن بين القتل والهروب من الوطن .. فهناك الكثيرون مشله . بيومي قنديل : أسمي بيومي قنديل عندي46 سنة متزوج . أنااصلا شمالي وعشت في الجنوب وكنت أدرس في مصر، والدي كان تاجرا كبيرامن أصل شمالي ، لكنه كان يعيش في الجنوب واملاكه وتجارته كانت هناك . بعد ما انتهت الدراسة رجعت الي الجنوب ،سنة 1988 ، الجيش الحكومي هاجم المدينة ، حاولنا نهرب . مسكونا وارجعونا ,بدأوا يعاملونا كشماليين . حاول الجيش أن يسترد المدينة مرة ثانية سنة 1992 وحاولنا الهرب ، ضربونا بالنار مات والدي وأخي وأختي وأنا أخذت أمي وباقي أخوتي وحاولت اهرب بهم ، لكن ما عرفتش . الجيش مسكنا ، ارجعونا لبيت من بيوتنا واخذوا باقي أملاكنا . وتمكن الجيش من من احتلال المدينة . . بعد أسبوع استدعوني ، كان عندهم شك أننا بنتعاون مع قرنق . رحلوا عائلتي للخرطوم ، وأنا أعتقلوني لمدة سنتين، عذبوني ...ضرب وخلع أسنان ، وخلع أظافر ، وأهانات ، وتهديد بالقتل . لما خرجت سافرت الخرطوم لوالدلتي ، لكني لم أراها ، فقد توفيت أثنآء وجودي بالمعتقل ، أما زوجتي فقد استصدرت أمرا بغيابي وحصلت علي حكم الطلاق . بعد شهرين تزوجت ضابطا بأمن الأستخبارات ، وأمرني أن أبعد عن طليقتي وأولادي . حاولت الألتحاق بأي عمل لكن لا تمضي أيام حتي يفصلوني . يئست من أمكانية ايجاد فرصة عمل في تخصصي ، فاشتغلت بالتجارة . .. أعتقلوني تاني سنة 1997 وحبسوني اسبوع واحد لكن كسروا عظامي فيه . أربعة ضلوع كسروها ، وكسروا ذراعي الشمال .. وكسروا الأبهام الأيمن .. وتركوني دون أي رعاية طبية ، وكل الأسئلة كانت تدور حول معلومات عرفوها من زوجتي السابقة . مايكل أبنوب : ( 31 سنة زوج وأب لطفلين ) ، أعتقل عام 1999 لمدة شهر ، متهما" بعمل علاقات مع الأجانب وذلك بسبب عمله مع جمعية تطوعية لتنمية المرأة ، والجمعية تتبع أحد الهيئآت الأجنبية العاملة في السودان . وقد تعرض مايكل أثنآء الأعتقال لعدة أشكال من التعذيب . شملت تغمية العينين ، الحبس الأنفرادي ، الحرمان من الطعام والشراب ، الوقوف لفترات طويلة ،التعليق من الأيدي ومن الأرجل ، الضرب بالأيدي وبالسياط ، الحرق بأعقاب السجائر وبقطع معدنية كما تعرض للأغتصاب بجسم صلب ( خازوق ) . . شريف عواد : وصل شريف عواد الي مصر في أوائل 1999 هربا من مطاردات أجهزة الأمن وتحرشاتهم ، وزار مركز النديم بعد وصوله بفترة وجيزة محولا من المجموعة السودانية لضحايا التعذيب وقد شهد شريف بأنه تعرض للتعذيب في معتقلآت حكومة الجبهة الأسلامية ، في المرات الأربعة التي أعتقل فيها ، كان يضرب بالكفوف والركل والعصي والخيزران والخراطيم ، وكان الضرب يشل كل الجسم ، وبالأخص الرأس والأعضآء التناسلية ومنطقة الكليتين . وكان يحرم من الطعام والشراب لفترات تصل الي يومين متصلين، ويجبرعلي الوقوف لفترات طويلة . كما كان يجبر علي السير علي أسطح ساخنة . وهدد بالقتل وبأيذآء أفراد أسرته . لم يكن شريف الضابط الوحيد الذي عارض سياسا ت حكومة الجبهة الأسلامية أو الحروب التي يجبرون عليها كضباط في الجيش ضد أبنآء وطنهم . لم يكن أيضا الضابط الوحيد الذي زار مركز النديم حاملا" معه علامات تعذيبه بسبب رفضه الأشتراك أو الأستمرار في تلك الحروب التي لم يجن منها السودان غير الخراب وضياع خيرة شباب الوطن بين القتل والهرب من الوطن . ونظرا" لخطورة الوضع بالنسبة لضباط الجيش ، فقد فضلنا تقديم نموذج واحد منها ، وبدون تفاصيل كثيرة . وقد أخترنا هذا النموذج ليس لأنه الأفظع من حيث قسوة التعذيب التي تعرض له ، وأنما لأطمئناننا علي أن شريف قد نجح في الحصول علي حق اللجوء السياسي لأحد الدول الأجنبية وأنه غادر اليها بالفعل . عمل شريف ، 39 سنة ضابطا" بالجيش السوداني . ومذ عام 1998 بدأت الخلافات بينه وبين رؤسائه تتضح ، وهو لم يسع لأخفآء أسباب الخلاف ، بل أعلن رأيه بوضوح . لقد كانت الخلافات تتعلق بصميم عمله . فقد رفض فكرة الدفاع الشعبي والجهاد ، كما رفض ما يترتب علي ذلك من تجنيد الشباب والقصر ، وأرسالهم لمواقع العمليات دون أن تكون لهم دراية بفنون القتال .. وفي عام 1991 أصبحت الأمور أكثر وضوحا" بالنسبة بالنسبة له ، ففكرة الدفاع الشعبي والجهاد أدت لتنفيذ عمليات أبادة واسعة ،ولم تخلف وها سوي الدمار والخراب والآف القتلي . وأعلن أن هذه العمليات يجب ألا تستمر ووصفها بالأفعال الهمجية . كان شريف في في ذلك الوقت قائدا" لمركز تدريب المستجدين التابع لسلاح المدرعات . ورغم علم رؤسائه بوجهة نظره في الحرب ، الا أنهم طلبوا منه أصطحاب بعض المجندين الجدد والذهاب بهم لمناطق العمليات العسكرية بجنوب السودان . رفض شريف تنفيذ الأوامر العسكرية .. فلا هو موافق علي هذه الحرب ، ولا هؤلاء المجندين مؤهلون لخوضها . واعتقل شريف فور عصيان الأوامر العسكرية ،واقتيد تحت الحراسة المشددة لمقر القيادة العامة ، واستمر التحقيق معه مدة أسبوعين بواسطة ضباط أمن الدولة . ثم أحيل الي المحكمة العكرية ، التي حكمت بتجريده من الرتب العسكرية وطرده من الخدمة وحرمانه من كافة حقوقه المالية ، أضافة للسجن خمس سنوات .. وهكذا انتقل شريف من مكان احتجازه بمركز حراسات الأمن بالعاصمة الي السجن الحربي عام 1993 . في السجن عومل شريف أسوأ معاملة ، حيث كان يجبر علي الوقوف في وضع ثابت ( أنتباه ) عدة ساعات كل يوم ثم يؤمر بالزحف فوق الحجارة لمدة ساعتين ، كما حرم في الفترة الأولي من السجن من رؤية زوجته واولاده وفي عام 1997 كانت صحة شريف قد تدهورت بدرجة كبيرة ، فقد أصيبت ركبته من كثرة الوقوف ومن الزحف واصبح يعاني من عرج لم يشف منه . كما أصيب بالغدة الدرقية وبمرض البول السكري . في عام 1998 تم الأفراج عن شريف بعد أن تعهد كتابة بعدم التردد علي الوحدات العسكرية أو أو لقاء الضباط في أي مكان ، او عقد أية اجتماعات بغرض زعزعة الأمن العام . بعد الأفراج بستة أشهر تم استدعآء شريف مرة أخري بمعرفة جهاز الأمن العام وذلك لمتابعة نشاطه وعلاقاته. لم يتمكن شريف من الحياة في السودان بعد ما أصابه فيه ، وبعد ما أصاب أسرته ، خاصة أن والدته وأخته الصغري توفتا أثنآء وجوده في السجن ، كما تدهورت أحوال زوجته وأطفاله صحيا" ونفسيا" وماديا" . فغادر السودان وجاء الي مصر في يونيو 1999 ومنها الي حيث طلب اللجوء .. عصام ابراهيم : بعد وصوله الي مصر ، ترك عصام، 40 سنة ، العاصمة المكتظة بالبشر والمليئة بالسودانيين ، وسافر الي الفيوم ، حيث وجد مصنعا يحتاج الي حارس فعمل به ، واختار الفترة الليلية حتي لايري أنسان ، ولا يراه أنسان . وظل رهن العزلة الأختيارية ( الجبرية ) ما يقرب الخمس سنوات ، قبل أن يقرر طلب المساعدة النفسية ، حتي بدأت علاقتته بمركز النديم في يونيو 2000 غيرأنه يخاف من أن يراه أحد السودانيين بالمركز ويتعرف عليه ،فأن كان أحد الزائرين للمركز عميلا" للسفارة فلا بد أنه سيرشد عنه، وأن كان صديقا" فمن الجائز جدا" أن يكون قد سمع بما حدث له ، وهو ما يجعله يشعر بالخزي والعار .. وقدكان لمعاناة عصلم أسبابها ، فالي التعذيب المهين للكرامة الأنسانية ، ومع موت والدته وهو رهن الأعتقال وأحساسه بالذنب تجاهها ، الا أشد مايغضبه وييئسه في الوقت نفسه هو أنه لا يفهم سبب اعتقاله وتعذيبه ، ثم فصله من عمله بمعتمدية اللاجئين عام 1990 فلم تكن لعصام أية علاقة بالعمل السياسي ، سوي صلة قرابة بينه وبين أحد قيادات حزب الأمة . أنضم بعدها لحزب الأمة ،وأن ظلت صلته بالعمل السياسي محدودة للغاية . ولم يكن فصل عصام من العمل سوي بداية التحرشات الأمنية ، ففي مساء 4ابريل 1995 هاجمت قوات الأمن منزل عصام يصورة أثارت الفزع والرعب في نفسه وأهله وجيرانه . أربع ساعات ورجال ألأمن يعيثون في المنزل فسادا ، تفتيش كل ركن ، مصادرة الصور الفوتغرافية لقريبه عضو حزب الأمة مع الصادق المهدي . وبعد الأنتهاء من التفتيش بدأ ضرب عصام بصورة وحشية أمام أهله ، حتي سقطت أمه علي الأرض مغشيا" عليها ، وهو لا يملك حق لمسها والأطمئنان اذا ما زالت علي قيد الحياة أم فارقتها . بعد التفتيش والضرب أقتيد عصام معصوب العينين الي أحد مقرات الأمن حيث بدأ اسجوابه تحت التعذيب ، طالبين منه الأعتراف علي قيادات حزب الأمة . ظم بهذا المكان لمدة يومين ، ضرب فيهما بأسلاك سميكة علي كل جزء بجسمه ورأسه ، تم حرقه بأعقاب السجاير ، قبضوا علي جلده بكماشة ، كسرت ساقه وأصبع بالقدم اليسرى من جرآء التعذيب . في اليوم الثالث نقل لسجن آخر ، حيث حبس أنفراديا في زنزانة شديدة الضيق ، سيئة التهوية والأضاءة . عذبه يوميا لمدة خمسة عشر يوما، وفي اليوم السادس عشر هددوه... وأخبروه أنه سيعترف اليوم بأي شيئ يطلب منه . أعطوه ورقة وقلما . وقالوا له أكتب بياناتك الشخصية . وما أن أنتهي من ذلك حتي هجم عليه أحد رجال الأمن ، مزق ملابسه ، وبدأت محاولات الأعتدآء الجنسي ، وعصام المنهك من شدة التعذيب يقاوم ويقاوم حتي فقد الوعي .لم يفق عصام من غيبوبته الا بعد ما يقارب أربعا وعشرين ساعة، وجد نفسه عاريا" تماما" وملابسه الداخلية ملقاة أمامه ، وعليها بقع من الدمآء . أصيب عصام بحالة هستيرية ، وظل عدة أيام بدون طعام ، حتي ساءت صحته لدرجة تهدد حياته ، فنقل لمستشفي ملحقة بجهاز الأمن . خرج عصام من المعتقل في 24 يوليو 1995 ليجد أه قد فارقت الحياة ، فازدادت حالته سوءا" . أغلق بابه علي نفسه . رفض مقابلة الناس أو التردد علي الأطبآء . ورغم ذلك أعيد استجواب عصام في أعوام 96 ،97 ،98 ، وأخيرا في سبتمبر 1998قرر مغادرة السودان والسفر الي مصر ، ولكنه عزل نفسه في أحد المحافظات البعيدة عن القاهرة ، حتي بدأت علاقته بمركز النديم في يونيو 2000 بعد فترة عزلة استمرت خمس سنوات . . تلك قصة عصام . لم نسمعها منه في البداية، بل قرأناها بخطه بعد شهور طويلة من اللقآء الأول . فقد كان من الأسهل عليه أـن نقرأها في غيابه علي أن يحكيها لنا وجه لوجه . طبيعي أن يشعر بالخوف . طبيعي أن يشعر بالرعب من الناس . لكن ليس هو من يجب أن يشعر بالعار . فالعار كل العار من نصيب جلاديه . عمر الصادق : يفيد عمر ( 39 سنة ) بأنه تعرض للاعتقال أربع مرات ما بين 1990 و1998 وذلك بسبب نشاطه في الحزب الاتحادي الديمقراطي ، وقد استمر احتجازه في المرة الأولي لمدة شهرين ونصف ، والمرة الثانية خمسة أسابيع ، والثالثة أربعة أشهر والأخيرة شهران ، كما أحيل للتقاعد للصالح العام ؟ ولم يكن عمر يخفي معارضته لسياسات حكومة الجبهة ، خاصة ما يتعلق بزج الطلاب في مناطق العمليات العسكرية في جنوب السودان ، وكان يهتم بهذه القضية بحكم احتكاكه بالطلاب كمدرب في أحد مراكز التدريب المهني . وكان يؤلمه حرمان الطلاب من التعليم ، وأنهآء حياة الشباب في حرب ظالمة لا ناقة لهم فيها ولا جمل . يحكي لنا عمر كيف أنه تعرض للتعذيب النفسي واللفظي والجسدي في كل المرات التي أعتقل فيها ، من حرمان من الطعام والشراب والنوم ، وقضآء الحاجة لفترات طويلة وللضرب المبرح في كل انحآء الجسم ، وفي المناطق الحساسة ، وكان التعذيب في كل مرة أشد من سابقتها . فقد تعرض لربط الخصيتين بدوبارة ، وشدها بقوة في الاعتقال الثالث ، مما تسبب في اصابته بدوالي في الخصيتين . وأصيب بالملاريا وأهمل علاجه في المرة الأخيرة عام 1998 . ودخل في غيبوبة في نفس الفترة ، وتبين أنه أصيب بمرض البول السكري . وقد اضطر عمر لترك أهله وزوجته والهرب الي مصر ، بعد ان تدهورت حالته الصحية والنفسية . سعد الأزهري : كنت من الطلاب النشطين بحزب الأمة ، أجتزت امتحان الشهادة الثانوية عام 1997 . ولكن لم اتمكن من استلام الشهادة حيث ربط النظام تسليم الشهادة بالانضمام لمعسكرات ات التدريب القسري فيما أسماه أدآء الخدمة الألزامية . كنت معارض لفكرة التدريب القسري للطلاب وحرمانهم من التعليم الجامعي . لذا رفضت الأنضمام لهذه المعسكرات وبهذا تم اعتقالي مرتين ، الأولي في يوليو 96 لمدة 6 ايام والثانية في في ديسمبر وفي نفس العام لمدة 3 ايام تعرضت فيها لأسوأ انواع المعاملة وأقصاها من ايذآء لفظي لسباب مهين ، لتهديد بأيذائي وأيذاء أسرتي ، لتعصيب العينين ، للضرب بالسياط ، لصب الماء البارد علي أرضية غرفة الحجز الأنفرادي كي لا اتمكن من النوم أو الجلوس عليها . بعد خروجي من المعتقل في المرة الشانية استدعيت مرة اخري لأدآء الخدمة العسكرية وذهبت في هذه المرة . أخذوني لمعسكر العيلفون . وفي نفس اليوم وصل لنفس المعسكر 50 شابا آخر . كانوا يعاملوننامعاملة شديدة السوء والقسوة ، وكنا نتعرض للمهانة والضرب طوال الوقت . بعد فترة قررت الكتيبة الهرب . وقررت أن أهرب معهم كنا في اوائل ابريل 98 قبل العيد بقليل . بعد صلاة المغرب مباشرة انطلقنا من المعسكر صوب النيل الأزرق ، وتصادف ذلك مع هروب عدد كبير من المجندين الشباب الذين قرروا الهرب أيضا ، لقضاء العيد بين أسرهم . شعر بنا الحراس فأطلقواا علينا وابلا من الرصاص ، وكانت مذبحة ، سقط فيها عدد كبير من الشباب قتلي ، بينما قفز عدد آخر في النيل ليموتوا غرقا" . نجوت من الموت بأعجوبة ولكني لم استطع حتي الان نسيان مشهد تلك المذبحة ، منظر الدماء وجثث اصدقائي وزملائي تملأ المكان . هذه الصورة تعيش معي طوال الوقت . لا استطيع الهرب منها . تطاردني في النوم واليقظة . .. زادت معاناتي بعد وصولي لمصر حين علمت أن أخي الأكبرقد أجبر علي الذهاب للعمليات العسكرية . ولا زال في انتظارنفس المصير . دانيال سلنيكو: في أول ابريل عام 2000 حضر دانيال سالينيكو لمركز النديم محولا من مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين . رجل في منتصف الثمانينات . نحيل بدرجة تذكرك المجاعات في القارة السودآء قصير القامة بشكل بشكل ملفت . ومن طريقة مشيته يبدو أن لديه مشكلة في الأعصاب وضمورا في العضلات ، فهو يسير مترنحا" بين اليمين واليسار ، يسند نفسه علي أقرب حائط أو قطعة أثاث ، خشية الوقوع علي الأرض ، ورغم ذلك تري وجها بشوشا مبتسما ، وصوتا هادئا ينساب بتلقائية دون أنفعال ، عند نقطة أو أخري . يقول دانيال : أنا كويس والحمد لله ، ما عنديش مشكلة غير الألآم الشديدة في كل مفاصلي . بالذات مفاصل رجلي، والألم يزيد قوي مع الحركة ، وده بخلي حركتي صعبة كان دانيال طبيعيا" تماما" قبل القبض عليه عام 1993 ثم احتجز رهن الاعتقال لمدة أربعة اشهر ونصف ، وخرج بعدها علي الحال التي هو عليها الان . كان دانيال تاجرا بسيطا ، يسافر بين مصر والسودان لهذا الغرض . وعند عودته من مصر في نوفمبر 1993 ألقت أجهزة الأمن القبض عليه ، واتهمته بانه يسافر بغرض نقل المعلومات للمعارضة السودانية في الخارج . وذلك رغم ان دانيال لم يكن لديه أي اهتمامات سياسية ، ولم يسبق تعرضه لتحرشات الأمن لأي سبب من الاسباب . عذب دانيال بطريقة خاصة أقل استخداما من التعليق والكهرباء والأغراق . فقد عذب بطريقة أشبه ( بالتقفيصة ) . حيث يربط كل الجسم بالأسلاك ، والجسم في وضع اشبه بالقرفصاء، يتم ضم الذراعين الي الصدر ، وثني كل المفاصل ، وربط الجسم بالأسلاك حتي الرقبة ثم يتم ضم الارجل الي البطن مع ثني كل المفاصل ، وربط الجسم ايضا علي هذا الوضع . وأمعانا" في التعذيب ، يتم وضع المتهم مقيدا علي كرسي . بحيث يسقط مع أقل حركة للجسم . وظل دانيال علي هذا الوضع أربعة اشهر ونصف الشهر ، لا يفك وثاقه غير عدة ساعات كل بضعة أيام . ويتسلي عليه الجلادون باالضرب والجلد وهو في وضع ( التقفيصة ) . ترك دانيال أهله في مدينة واو بالجنوب وعاش في أحدي ممدن الشمال ، ولكنه سافر للجنوب في مايو 1999لزيارة والده المريض ، بعد أن علم أنه في أيامه الأخيرة وقد يفارق الحياة دون أن يراه . وبعد ما عاد من الجنوب أعيد اعتقاله لمدة ستة وعشرين يوما ، عذب فيها بذات الطريقة ، بجانب الضرب والصعق الكهربائي ، وافرج عنه بسبب التردي الشديد في حالته الصحية . لكنه هدد بالقتل اذا حاول مغادرة المدينة . ومع ذلك فقد تمكن من االهرب من السودان في نفس العام . ..وحين تم الكشف علي دانيال وجد انه يعاني من ضمور في عضلات الذراعين والساقين ، مع تشوه وقصور في الحركة حول مفاصل الكوع والرسغ والركبة . تعذيب النسآء أسماء عبد الرازق : ( 28 سنة وأم لطفلين ) تقول أسماء : حضرت الي مصر في سبتمبر 2000 تاركة خلفي أختا تبلغ من العمر أربعة وعشرين عاما ، وأخا في الرابعة عشرة من عمره . فوالدتي متوفية ، ووالدي لا نعرف عنه شيئا بعد أن فقدناه في أحدي الغارات علي الجنوب . ليس لأخوتي أحد غير الله . وقد كان والدي من جنوب السودان ، علي حين كانت أمي من الشمال . عشت سنوات عمري في الجنوب ، قبل أن انتقل للحياة في الخرطوم ، بسبب توتر الأوضاع ، وظروف الحرب . عملت معلمة للجنوبيين .لم ترض الجبهة الأسلامية عن عملي . أنهم أهلي وواجب علي تعليمهم ، وهي مهنتي التي اعيش منها ، فماذا يغضبهم ؟! كنت اعلم الحساب والعربي للجنوبيين الذين لا يتحدثون العربية . وكان بالمدرسة حصة للدين المسيحي يدرس فيها أحد رجال الكنيسة . ورغم اني مسلمة ووالدي ووالدتي مسلمان ،فأن أعمامي مسيحيون . تعلمنا أن نعيش معا وكل يحترم عقيدة الآخر بعد مواعيد العمل كنت اجمع البنات والنسآء في بيتي ، واعلمهن أشغالا" يدوية ومحو أمية حتي يجدوا فرصة للمعيشة . . تم استدعائي لمكتب الأمن ، وطلبوا مني عدم تدريس الدين المسيحي بالمدرسة ، ووصفوهم بأنهم كفرة . نفذذت ما طلبوه ،وعند احتجاج أوليآء الأمور سمحت للتلاميذ السيحيين، أن يدرسن الدين في منزلي . رفع الأمن قضية ضدي وحكم بطردي من الشقة ، نزلت ضيفة علي أحدي السيدات مدة أسبوع ، قبل القاء القبض علي في أغسطس 2000 اتهموني انني طابور خامس ،واساعد قرنق ، وغير معروفة الديانة ، وأخدم الكفرة . لماذا يتهموني بأنى غير معروفة الديانة ، ولماذا يتهموني بأني غير معروفة الديانة ؟ و لماذا يتهموني بالكفر وهم أصحاب ديانة ؟ لماذا يقولون عنهم أنهم عبيد ؟ أين تعاليم الأسلام من هذه الأفتراءآت ؟ بدأت المعاملة السيئة اثنآء القبض علي . أهانوني وضربوني . نزلوني من البيت بقميص نوم عريان . ألقوا بي في ارضية السيارة فجرحت ركبتي ، وتركوني بلا علاج للجرح طوال مدة الأعتقال . عشت أربعة وعشرين يوما قبل اطلاق سراحي . تعرضت فيها لشتي صنوف التعذيب والأذلال . حرقوني بأعقاب سجائرهم . صبوا الشاي الساخن علي قدمي . ضربوني بسوط أسود علي كل جزء من جسمي . دقوا رأسي ورقبتي بقواعد المسدسات والبنادق . حبسوني انفراديا" . تناوبوا اغتصابي . كانوا يضربون رأسي بالحائط حتي أفقد الوعي . أصبحت طول الوقت في حالة تشبه فقدان الوعي ، فلا اشعر بمن حولي ، ولا أحس بنفسي الا بعد دخول السجان وصبه علي وجهي ماء بارد . قبضوا علي زوجي في نفس اليوم ، وعذبوه عذابا شديدا ، ومنعوا عنه علاج الصدر ، فهو مصاب بالربو الشعبي ، ولا يستطيع التنفس طبيعيا" بغير العلاج ، مما أثر تأثيرا شديدا علي مرضه وتدهورت حالته الصحية بلا رجعة ، كتي بعد وصولنا الي مصر ، ووجود امكانيات أفضل للعلاج . لم يعقب خروجي من المعتقل تحسن في حالتي الصحية والنفسية . فما هي ألا أيام وبدأت أشعر باعراض غريبة ، ظلت في ازدياد حتي بعد وصولي لمصر . دائما أعاني من الدوار ، وأقع عندما احاول الوقوف . أحس واحد خانقني ، وأصاب بصداع شديد جدا ، مع حمي ورجفة في جسمي كله . أشوف الناس اللي عذبوني ، وأسمع صوت يقول أحرقي البيت ، أرمي ابنك من البلكونة . ومرتين كنت حانفذ ده فعلا" لولا أن زوجي بيتدخل كان زماني رميتهم وقتلت نفسي . أو ولعت النار في البيت . مرة واحد منهم ضربني قلمين علي وشي، فقت زي ما كنت نايمة وصحيت . تنبهت وبكيت بحرقة لا أجد راحة حتي في النوم ، فالنوم قليل جدا" ، ومليان كوابيس . بيجوا تاني علشان يغتصبوني ويعذبوني . خايفة من كل الناس . حاسة انهم بيراقبوني ، حتي وانا بالبيت . وفي البيت دايما بكون لوحدي . ساعات أكون سرحانة ومش حاسة باي شيئ حولي ، ولا حاسة باولادي ، أفوق لما زوجي يهزني بشدة . زوجي قال ان عندي تشنجات . أنا بكرهه ، وبعامله معاملة سيئة ، وبا كره الأولاد وباكره نفسي . مش حاسة أن في أي أمل في الحياة . ولا في أمل في العلاج . مش معقول حأتحسن أو أرجع زي زمان . أحسن حل ان ربنا يجيب الحل من عنده وأموت .. جوليا جاك : جوليا جنوبية تبلغ من العمر 26 سنة ، ولها طفلة عمرها 7 سنوات . كانت تعيش مع زوجها في الخرطوم . وفي ابريل 1999 سافر الزوج لزيارة أهله في مدينة جوبا بجنوب السودان . وفي مساء نفس اليوم هاجم رجال الأمن البيت ، وسألوا عن الزوج ، وعندما أخبرتهم جوليا انه غير موجود ، أدعوا أنه يعمل رقيبا في قوات المعارضة ولا يعمل ميكانيكي سيارات كما تعرف زوجته ، طلبوا منها ان تذهب معهم ، فرفضت ، فاعتدوا عليها وعلي اقاربها بالضرب ، وأخذوها بالقوة . دفعوها في السيارة بعنف ، فسقطت علي وجهها. ضربوها بقاعدة المسدس وبالكفوف علي وجهها ويديها ، فاصابوها بجروح متعددة في الرأس والأنف . وفي مكتب الأمن أعيد سؤالها عن زوجها ، واصروا انه يعمل مع جيش المعارضة . واستمر احتجاز جوليا شهرا كامل . وبعد ما يقرب من ثلاثة أيام من اعتقالها نقلت من مكان الاحتجاز الي مكان آخر معصوبة العينين . أنه مكان التعذيب . في هذا المكان احتجزت في غرفة مظلمة تماما" ، لا يدرك الانسان فيها الليل من النهار . كانت في أيام التعذيب تضرب بالسوط علي ظهرها ، وتربط علي كرسي كهربائي من الأيدي والأرجل ، وتتعرض للصعق الكهربائي . كما تعرضت لسيناريو الموت اكثر من مرة . هددوها بالقائها في البحر لتموت غرقا" . كانوا يأخذونها الي البحر فعلا" ثم يعودون بها الي مكان التعذيب ثانية . قبل الأفراج عنها بيومين ربطوها في مروحة ، وتركوا المروحة تدور لمدة عشر دقائق ، رغم أن جوليا أخبرتهم بأنها حامل . وعندما انزلوها من المروحة كانت لا تزال تعاني من الدوار ، فسقطت . وحين أفاقت وجدت ملابسها غارقة في الدماء ، وبجوارها قطعة من القطن وبها الجنين . وعند الأفراج عنها هددوها باعادة الأعتقال اذا فتحت فمها واخبرت احدا بما حدث لها . كما أمروها بالتردد علي مكتب الأمن مرة كل ثلاثة اسابيع ، لتدلي بأي معلومات تكون قد وصلتها عن زوجها . وبعد أن خرجت جوليا من تحت أيديهم اختبأت في الجبل ، حتي تمكنت من الهروب الي مصر . الي جانب جروح جسدها لا زالت جوليا تعاني من الأكتئاب النفسي الشديد . تعيش احداث التعذيب في اليوم عشرات المرات . وتتمني الموت . .................................................................................................................... هذه أمثلة قليلة جدا" من شهادات مئات ضحايا هذا الجهاز المجرم فيا ويلكم من حساب الدنيا وحساب الآخرة ، وأنه لآت ولا ريب فيه ، يصيبكم من قائدكم الأعلي عمر البشير ، ورئيسكم محمد عطا ،وشراذم الجلادين ، وكافة منسوبيكم المجرمين ، أن كنتم حقا" مسلمين ومؤمنين ، فأن أثامكم وأعمالكم المشينة لا يأتيها المجوس والكفرة ... هلال زاهر الساداتي 29ابريل2017
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة