ولجت ماجدة الى الصالة الداخلية لمطار الخرطوم..عيناها تمسحان المكان بهدوء..تبحث عن صيد ثمين..توقفت عند كهل بدين يقبض بكلتا يديه على حقيبة سوداء..يبدو أنه من تجار المواشي الذين يزورون القاهرة في رحلة الشتاء والصيف..هذا الصنف من الناس يتصف بالبخل والشعبوية في التعامل..في الركن الشمالي وقع بصرها على رجل في بداية الأربعينات..ربطة عنقه الأنيقة توحي بأنه دبلوماسي.. ربما شخصية سياسية مهمة..جلست في المقعد المقابل..لم ينتبه الرجل وكان يمرر بنانه على هاتف محمول صغير وجميل..أجرى مكالمة بصوت خفيض..لم تخرج بشيء غير أنه كان يتحدث الإنجليزية بطلاقة. فتحت الشابة الأنيقة كتاباً..بدأت مثل سيدة مثقفة ..أرادت أن ترسل هذه الصورة للرجل الذي شغل عقلها..انتبهت أنها تقلب صفحات حياتها..كل الناس ترى في مهنتها العيب..المجتمع يراها جانية..مهنة (مومس) لا يمكن الدفاع عنها..ولكن بمرور السنين طبعت ماجدة علاقتها بالعيب..أحياناً تدافع عن عملها..تقنع نفسها بأن الدعارة مهنة مثل غيرها من المهن..وحينا ترى نفسها ضحية مجتمع طبقي لا يحترم إلا الغني..لا شىء غير جمالها يمكن أن يمنحها هذه القوة..لهذا تخشى من المستقبل عندما تذروا رياح العمر هذه الطلة الجذابة. هرول الناس لبوابة العبور نحو الطائرة المصرية..ماجدة وفتاها لم يتعجلا..في هذه اللحظة رمق دكتور صلاح الشابة التي جعلت شعرها ينساب كيفما يشاء..أدركت ماجدة أن ضيفها وقع في الفخ..عاجلته بابتسامة تحمل كل صنوف الإغراء..حاول الطبيب النفسي أن يبدو خفيف الظل وقال" لا أعتقد ان الطائرة ستطير دوننا"..ابتسامة أخرى من الجميلة.. كانت دائماً تخشى من أن تخذلها لغتها مع قبيلة المثقفين. بعد قليل مضى كلاهما الى الطائرة..كل منهما كان يتمني ان يجاوره الآخر..صلاح رأى فيها فتاة الحلم التي لم يجدها في كل إجازته بالخرطوم..كان يبحث عن زوجة بمواصفات خاصة..سودانية جميلة ومتحررة..ها هو يجدها في اللحظات الأخيرة قبل عودته الى مقر إقامته في تلك المدينة الإنجليزية الباردة. ماجدة رغم أنها داعر بشهادة الا أنها كانت تترفع في خياراتها..صنعت شبكة من زميلات المهنة..ولكل مقام مقام..تركت الخرطوم وباتت تمارس (البزنس) من القاهرة..في هذه المدينة الضاجة سعة وبراح وحرية..لا تدري لماذا تمنت أن يكون صيد الليلة من نصيبها. جلسا متقاربين..ران صمت طويل..سألها أن كانت هذه زيارتها الأولى للقاهرة..ابتسمت ساخرة وأكدت له أنها تزور القاهرة شهرياً..عندما رأت تعجب الجار أكدت له أنها سيدة أعمال..قدم لها نفسه أنه طبيب تخصص في الطب النفسي في جامعة لندن ثم تزوج اسكتلندية ماتت قبل عامين في حادث حركة وتركت له طفلاً دون العاشرة. عندما هبطت الطائرة مصر صحبت فتاها..لم تنتظر دعوة وأكدت له أن شقتها ترحب به ضيفاً عزيزًا..في عربة التاكسي بدأ هاتفها يرن ويرن..حينا تتكلم وحينا تتجاهل النداء..في مدخل العمارة طلبت منه خمسمائة جنيه مصري..اشعلت سيجارة ثم دخلت الحمام حتى تتهيأ الى ليلة حمراء..شعر الضيف بانقباض ورغبة في التقيؤ..مضى إلى (البلكونة) الصغيرة ولكن رائحة الدعارة كانت تطارده..عاد إلى الصالة وحمل حقيبته الأنيقة وولى هارباً من امرأة أرادها زوجة وأرادته صحبة راكب. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة