الدكتور بشرى الفاضل كاتب متعدد الأصوات والمواهب، هو شاعر وقاص وروائي، وله في كل مجال كتابات مبدعة. بدأ بشرى بالشعر وفاز بجائزة الشعراء الشباب في السبعينات، وغنى له مصطفى سيد أحمد عدداً من الأغنيات، يكتب بالفصحى والعامية، وقصيدته في رثاء الشاعر أبو ذكرى من أجمل ما كتب "وهل صفصافة تنبيك عن أخبار نافذة بشاهقة تألق نيزك فيها، وخر على التوسل والمهانة والجليد، تأوه طار منه الدم، غاص الجسم في صدأ الحديد، وذاب القلب، سال الشعر في الأسفلت والطرقات ". لكن أكثر ما عرف عن بشرى الفاضل أنه قاص مجيد، كان كثير من أبناء جيلنا يحفظ مقاطع من قصته الجميلة "حكاية البنت التي طارت عصافيرها" وقد كانت أيقونة القصة القصيرة في السودان لفترة طويلة، وقد فازت مجموعته "فوق سماء بندر" بجائزة الطيب صالح قبل سنوات. هذا الشهر صدر لبشرى الفاضل روايته الجديدة "تعيسة" عن دار مدارك للنشر، وأرجو ألا يكون عنوانها منفراً للقراء، فهي رواية جميلة وجاذبة وسعيدة. هذه رواية كتبت في المسافة بين العقل والجنون، ولا يمكن لكاتب عادي في تمام عقله أن يكتب شيئاً كهذا. يعيش بشرى أصلاً في أجواء الفانتازيا، تطل من خلال ونسته وحكاياته ومقترحاته العجيبة التي يطرحها بجدية، يستنزف بشرى ذاكرته المبدعة وخيالاته الخصبة في الأنس والمؤانسة، ويكتب ما يتبقى في شكل قصص وروايات. تحكي تعيسة قصة الفتاة الجميلة "سعيدة" التي ولدت صماء بكماء عمياء، فأسماها أبناء الأسرة تعيسة، وهي من الجيل الرابع لعائلة سعيد محمد خير؛ الذي هاجر من قريته في الشمال مع وقع خطوات عودة جيش كتشنر، ليستقر في واحة خالية من السكان. ينقل بشرى العائلة ومواليها لهذا المكان لينفرد بهم ويمارس فيهم هواياته العجيبة ويرسم لهم حياة جديدة من خيالاته لا تشاركه فيها أي مؤثرات أخرى في البيئة والمكان. يبدأ بشرى بوضع العائلة أمام تحديات بناء حياة جديدة ـ تسقط فيها الفروقات بين العبد والسيد، وهو ينظر لذلك بالقول إن العنصرية لكي توجد؛ تحتاج لشهود، ولأن الحياة الجديدة لم يكن فيها غيرهم فقد سقطت العنصرية في أول امتحان عملي تساوت فيه القدرات، بل تفوقت قدرات من كان عبداً على سيده وأولاده. وتصاهر سعيد مع عبده بخيت، وخرج نبت جديد من الأولاد والبنات. يعود بشرى في منتصف الرواية لحكاية سعيدة، الصماء البكماء العمياء، يقدمها أيضاً في صورة مبهرة وغريبة، يعرف كيف يترجم أحاسيسها ومشاعرها وتصوراتها عن الحياة التي تعرفها عبر حواس الشم واللمس، يعيرها أدوات للتعبير عن عواطفها ومشاعرها وأحاسيسها ورغباتها، وحتى الإحساس بالحب وبالعلاقة بين الرجل والمرأة. تتقطر مشاعر محبة الكاتب لشخصياته في كل صفحة من الرواية، فهو لا يكتب إلا عن محبة وإحساس عميق بهم، فسعيدة رغم كل ما بها كانت فاتنة الجمال، يستطيع أن ينقل لك هذا الجمال في توصيف عجيب تحس به تماماً حتى يستقر في روحك. لن أفسد على من يقرأ الرواية متعته بإيراد تفاصيلها، لكنها رواية جميلة وممتعة تقرأها في جلسة واحدة إذ لا تستطيع منها فكاكاً، وتستحق مناقشات نقدية كبيرة من النقاد المتخصصين، فهي فتح روائي جديد لبشرى الفاضل
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة