أبو زيد الهلالي، هو المُهاجِر النّجْدِي..هو الفارِس ذو القيم النبيلة..المُغامِر الذي يتقمّص أوهام ألف ليلة وليلة..الحكيم، المُتملِّق، المُرائي..العاشِق، المِزواج ، المُتهتِّك، البهلوان..المُنتَزع مِن أرضه،المزروع في الحجر..الغريب، الخفيف الوزن، وإن ثَقُلَ ..السّخي، قليل المال..الشحّاذ، قوي العين..!
هذه، على وجه التقريب، هي أُسطورة الهلالي في المِخيال الشعبي.
يُنسب لأبي زيد الهلالي، الكثير مما تتناقل الألسُن، في بادية شمال وأواسِط أفريقيا.. يقول أستاذنا الأُمدُرماني، شوقي بدري ، أن "المَخَاضة" بالقرب من مدينة كوستي، هي مخاضة أبو زيد الهلالي. وممّا يحفظه بدري من حكايات الطفولة، أن الهلالي، سمع أحد الناس يقول:ــ مافي وجع الا ضرس، ومافي ضيق الا عرس..فردّ عليه قائلاً :ــ كضباً كاضِبْ..العرس بيأجِلوهو ، والضرص بيقلعوهو.."مافي وجع، إلا وجع عين، ومافي ضيق إلا دين".
وسئل أبوزيد الهلالي عن الزول العايب، من هو..؟ قال: العايِبْ "...." في الشارع، والشارع جايِبْ..والعايِبْ، من يزور بيت الجّار، والجّار غَايِبْ.. وقال الهِلالي، والرّاوي لم يزل شوقي بدري :ــ
الكُعُوبيّة أربعة..أول كُعُوبيّة، "العرْقُوبيّة". والمقصود بها، أن يكون الناس رَاكبين ، بيما يتّبعهم زول ماشي كدّاري، فوق عراقِيبو.. تاني كُعُوبيّة، أن يكون "الحِسْ عَالي واللِّيدْ خَالي". وفي رواية "الصِّيتْ عالي"، أي أن يكون الإنسان مشهوراً و فقيراً، أو يكون، ذا صوت عالٍ، و جيبٍ خالٍ. كما يحتمل المعنى حالةَ أن يكونَ ،الإنسان "هراّطاً ، وبخيلا"..تالت كُعُوبيّةــ يقول الهِلالي ــ هي "العزوبية".. ورابع كُعُوبيّة،"أخْد المَرا، بِلا نِيّة".
وفي مجالس الحكائين بغرب السودان، يُنسب لأبي زيد الهلالي قوله :ــ ولْدَة الكُبُر للغير، والزّرع الأخِير للطّير.
من هذا السياق المُتشافه في مجالس ووديان دارفور، تخلّقَ نص ثقافي موازٍ، يُقيَّد هكذا:ــ "زرْعاً مَشَاتي لي، ومرتنْ تلِدْ لي، وزامِلتن أقيِفوا لي، دا كلو ني في ني".
والمعني المُراد، فيه تبعيض للتّمني ، كأن ينتظر الزّارِع حصاداً من غرسٍ غرسه بعد فوات الأوان، أوينتظر مولوداً مِن عاقِر، أو يركب دابّة ضعيفة، أو حِمار دَاراوي، وعندما تسبقه القافِلة، ويَكورك فيهم، "أقيفوا أرجوني، اقيفوا أرجوني"..
وفي رواية :ــ تروايِح الخريف، وزاملة أقيف، وعِرِس بنت الرِّيف ، ولباس الرّهيف، وأكل التفاتيف ،أخير منّهِن تقيف..
وقولهم:ــ المَسار داير زَمِل وزُملات، وقِرَبْ كُبار..وأن "الكبِش"، أكان ما "كسْكَسْ" ما بِداوِسْ..و"التور"، أكان شمّ الوحل بيرجعْ.."كسْكَس"، معناها "يتُرْ" إلى الوراء، ثم يعود ليُهاجم .
وعن المَهلة، يقول عكاشة ودّ الكَلَكة الهبّاني:ــ اللّبسة الوسيعة، والزاملة السريعة، والزوجة المطيعة، للراجل تمتيعة.
ومن حكم وامثال البوادي:ــ الطين ما بِيبقى نِعال، والقنطور أصلو تُراب، والزول لو لابِس عشرة جلاليب، بيعرف محل صُرَّتو.
ومن حكاوي الرعاة، أن البومة، قالت أنا ما بليدة..قالوا ليها أكان إنت ما بومة وما بليدة، يكون البليد منو..؟
قالت:ــ أنا أخير من تلاتة..
أخير، من واحد دخل البحر، ومرق بجَنابتو.
وأخير، من واحِد عرّس مرتو وقعد مع نسابتو.
وأخير، من واحِد قاِعد في المجلِس وبيسأل صَحابتو.. أي يسألهم: "الناس ديل قالوا شنو، والناس ديل عملوا شنو"..؟
وقيلَ ،أن النسايب أيضاً تلاتة..نسيب جبل ، ونسيب جَمَلْ ، ونسيب سِعِنْ.. السِّعِن ، أكان شِلْتو يبِلّكْ، وأكان خلّيتو يعِلّكْ..والنسيب الجّمَل، هو النسيب الشّايل شيلتو براهو..أمّا النسيب الجّبَل، فهو من يحمل متاعه ومتاع الآخرين..
هذا الثراث الشفاهي، محفوظ في صدور القوم ، لا يجد من يقيّده..فإذا طرأ عليه زمان الحرب ،كما يحدُث الآن في دارفور، فإن الحرب، لا تهلِك الحرث والنسل وحدهما، بل تُعرّي الذّاكرة أيضاً..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة