إن كنت من أنصار الديمقراطية أو المنادين بها في بلدك، أيا كان، وشعرت للحظة بالسعادة بسبب الإنقلاب العسكري على حكومة أردوغان في تركيا، فإن عليك أن تتحسس ديمقراطيتك. الديمقراطية ليست لعبة، وهي ليست قطعة كيكة شهية تتذوقها فتشعر بالسعادة، هي تجربة طويلة ومريرة تحتاج للصبر والمران والعمل الشاق. لم تهبط الديمقراطية على بلد وشعب ما من السماء عروساً جميلة ومزينة فأحالت حالهم إلى جنة وارفة الظلال. على العكس فإن الديمقراطية دواء مر عليك أن تجبر نفسك على تذوقه والصبر عليه، لأن آخره شفاء واستقرار، آخره ، قلنا، وليس أوله أو وسطه. وما بين ذلك تحدث تراجعات وانتكاسات، وتبدو بعض الطرق أكثر سهولة لتخلصك من خصومك المزعجين، لكنها سترتد عليك في النهاية. تركيا بلد يسير في مسار ديمقراطي، ليس هناك جدال في ذلك، ينزل حزب العدالة الإنتخابات مع القوى السياسية الأخرى ويفوز. من الممكن الإشارة إلى عشرات التراجعات والتصرفات التي يقوم بها السيد رجب طيب أردوغان وتبدو مناوئة للسلوك الديمقراطي، اعتقالات وتصفيات سياسية، قمع لحرية الصحافة وإغلاق لبعض المؤسسات الإعلامية، محاولات تعديل الدستور ليبدو على مقاسه الشخصي، كل ذلك صحيح، لكن في النهاية تجرى إنتخابات حرة كل فترة وهناك فرصة لخصومه لإزاحته ومزاحمته. ولست من القائلين بأن الرئيس الذي ينتخب ديمقراطياً يملك كرتاً أبيض ليفعل ما يريد في البلاد والعباد حتى الإنتخابات القادمة. الدول الديمقراطية تطور وسائل لمراجعة الرئيس والحزب المنتخب أثناء حكمه، حتى ولو جاء بإرادة الجماهير في إنتخابات نزيهة، لكن كل هذه الوسائل تأتي في إطار العمل السياسي الجماهيري والمدني، وليس من بينها الخيار العسكري. تملك الجماهير وأحزاب المعارضة الحق في الوقوف ضد الرئيس المنتخب ومراجعة قراراته ورفضها إن ظن أن الصندوق الإنتخابي يعطيه حقاً إلهياً لمراجعة كل شيء على مزاجه، فهو نفسه محكوم بآليات ديمقراطية عليه احترامها والعمل بها. وليتنا نتعلم من رد فعل أحزاب المعارضة التركية، الشعب الجمهوري، والشعب الديمقراطي، والحركة القومية، فهم ألد أعداء أردوغان، لكنهم ليسو أعداء الديمقراطية. لقد رفضوا محاولة الإنقلاب وكانت كلماتهم واضحة وقوية، أنهم لا يريدون أن يعودوا بتركيا إلى دوامة الإنقلابات، ولا يجدون فيها علاجاً لمشاكل بلادهم. أيضاً كان رد الفعل الشعبي درساً لبقية شعوب العالم، فقد نزلت الجماهير للشوارع لتحمي بلادها وديمقراطيتها، وحينما تستقر الأمور يعودون لمعارضة أردوغان، كما كانوا يفعلون. ليتنا فعلاً نتعلم من دروس الشعب التركي وتجربته، حتى من إنتكاسات التجربة الديمقراطية وتراجعاتها، ولو كنا فعلنا ذلك قبل سبعة وعشرين عاماً، لما كنا وصلنا لما وصلنا إليه اليوم. لم تكن التجربة الديمقراطية زاهية ولا مرضية، لكن كانت تستحق الدفاع عنها لسببين؛ أولهما أنها قابلة للتطور بالصبر والمران، وثانيهما يبدو ظاهراً في البديل الذي حصلنا عليه. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة