لم تعجبني الطريقة التي تعاملت بها أطراف كثيرة مع فشل جولة المُفاوضات بين الحكومة والحركات المُسلّحة التي وقّعت على خارطة الطريق، اللوم والتلاوم وإلقاء الاتهامات كيفما اتفق والندب وإشاعة الإحباط، ثُمّ الشماتة المُرّة التي تخفي وراءها رغبة في فشل الجولات لإثبات وجهة نظر مُخالفة ومُعارضة لخارطة الطريق منذ البداية. أطراف التفاوض سارعت لتبادل الاتهامات والهجوم على بعضها، وكأنّها لن تعود وتجلس في جولات أخرى. وكلنا يعلم أنه طال الوقت أم قصر، سيتم استدعاؤهم لجولة جديدة، وسَيحضرون بقضهم وقضيضهم، ولا أعلم ماذا سيقولون عندها كمبررات لحضورهم مرّةً أخرى بعد كل ما قالوه. سينظر الناس لهذه الجولات وكأنّها مَضيعة للوقت والجهد ونادٍ للمُتسكعين غير الجادين، غير المُكترثين لأحوال الناس وأوضاعهم. ولم يعجبني أيضاً تعامل أجهزة الإعلام وتغطياتها غير الدقيقة، فقد رَفعت سقف الأحلام بلا مُبرِّر ولا خبرة مهنية في تغطية مُفاوضات بهذه الصعوبة، ثم هوت بها إلى الأرض بين ليلة وانتصافها. كتبت من قبل عن المصطلحات المستخدمة مثل انهيار وفشل وفض الجولة بلا اتفاق، وعدم مُراعاة الفروق بينها ودلالاتها المُختلفة. ثُمّ نأتي للشامتين، ولا مُشكلة في أنّ بعضهم مُعارض لخارطة الطريق لأنّها، في اعتقاده، لن توصل لحل سلمي، وبعضهم لديه تحفظات مبدئية ومُحترمة على الطريقة التي تمّت بها، أو بعض بنودها. لكن الغرابة في حالة الشماتة التي قابلوا بها فض الجولة دون اتفاق، وكان لسان حالهم يقول "ما زمااااان قلنا ليكم" ومعها مد لسان. والحقيقة إنّ هؤلاء يجب أن يبذلوا جهداً أكبر لإثبات وجهة نظرهم المحترمة دون ربطها بفشل جولة، لأنّ جولة قادمة قد تصل لاتفاق، فهل سيعني ذلك أنّ وجهة نظرهم بطلت تماماً؟ بالتأكيد لا، قد تكون بها نقاط صالحة للتداول والحجاج حتى مع توقيع اتفاق، لذا من الأفضل الاجتهاد في تقديم خطاب أفضل وأكثر تماسكاً وإقناعاً. لم يحدث لمُفاوضات سياسية في تاريخ السودان أن أنجزت عملها في جولة أو جولتيْن في زمن قصير. مُفاوضات السلام التي انتهت بنيفاشا استمرت قرابة عشر سنوات، استغرقت مرحلة نيفاشا وحدها قرابة ثلاث سنوات، وكذا مُفاوضات الدوحة وأبوجا، بل حتى مُفاوضات وقف العدائيات وفتح المسارات مع الحركات هذه تجرى منذ سنوات بدون أن تصل لنهاية. ليس هذا تبريراً لمُماطلات قادمة، لكن للفت الانتباه أن هذه المُفاوضات تُواجه مشاكل أكبر من فشل الجولة الأخيرة. فقد تكشف أن المُتفاوضين تجاوزوا عقبات كثيرة، وتحجّروا عند نقاط ثانوية، ممّا يعطي انطباعاً بأنّ الإرادة السياسية للوصول الى اتفاق هي التي كانت غائبة. وبصراحة، فإنّ تركيز غالبية السُّودانيين هي على مُفاوضات وقف العدائيات وفتح المسارات الإنسانية، لأنّ بوصلتهم تتّجه نحو المُعاناة المُمتدة لمئات الآلاف من المُواطنين السُّودانيين في مناطق الحرب، وليتهم يفعلون ذلك في الجولة القادمة، ثم "ياخدوا راحتهم تماماً" في بقية المواضيع، ونعد ألاّ نضايقهم كثيراً..!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة