كتب مصطفى عبد العزيز البطل كلمة بجريدة السوداني (1 سبتمبر 2016) هي الثانية عن فصل الدكتور عصمت محمود أستاذ الفلسفة بجامعة الخرطوم. وقد لمع اسم عصمت في ثنايا حملة طلابية وعامة معارضة لما أُذيع (أو أُشيع) عن ترحيل كليات وسط الجامعة وتحويلها إلى مزار سياحي. وذكرني البطل بالخير كعادته في سياق فصله القاطع بين الأكاديمي والسياسي في وصفهما الوظيفي. وانتهى البطل من ذلك بأن على الأكاديمي، متى برح به الشوق بالسياسة وتعلق باذيالها، أن يخرج مخرج صدق من الجامعة وأن يمتهن السياسة من أوسع أبوابها. وجاء باسمي كسياسي عرف قدر نفسه وترك الجامعة في 1970 ليتفرغ في ما تحت أرض الحزب الشيوعي. وددت لو أن البطل لم يقطع بسداد الجامعة في فصلها لعصمت. ولم يذهب في تبرير قرارها بفصله لأنه أحرجها. فلم يترك ب"تمرده" للجامعة سوى خيارين: الطرد من الخدمة أو ذهاب هيبة المؤسسة. ولا خلاف أن فصل أكاديمي ليس مما تفرح له السماء والأرض ولا قلم رجيح. لا يصح الحكم على سياسة عصمت يغير اعتبار لمنزلة الأكاديمي بجامعة الخرطوم. فللجامعة ولأساتذتها تاريخ حافل في تعاطي السياسة العامة والحزبية. فخرجت منها ثورتان من نادي علمائها الذين تسربلوا بالأرواب الجامعية زينة للثورة والتغيير. وقصراً للحديث في هذا الباب وجدنا بعض أساتذة الجامعة، بل وبين مدرائها في عصر الإنقاذ، من يقودون فيالق الجهاد في الجنوب بغير مؤاخذة مع إحراجهم للجامعة بين المعارضين للحكومة ومتلقي الحجج في الغرب. بل وسمعنا عن إثابة الجامعة الطلاب المفوجين على مخاطراتهم السياسية بالترخص في القبول والامتحانات. فلماذا قبلت الجامعة من علمائها الجهاد في حقول للوطن ووسط مواطنين اقتضت الرجاحة منها، وهي بيت الحقيقة والرشد، أن يبذلوا علمهم لا عضلاتهم فيها أو سود الصحائف فيها لا بيضها. ولا أدري إن كان شغل الجهاد هذا بعض ما كان يقوم به الأكاديمي عصمت أيام التفويج فرحاً بالإنقاذ ثم انقلب على عقبيه وصار جهاده الجديد المضاد للحكومة وبالاً عليه. من جهة عامة استغربت للبطل يقطع بفصل الأكاديمي عن السياسي بغير دليل. فإن هو نظر في الجامعة الأمريكية لوجد أكاديميين من الطبقة الأولى وغير الأولى يخدمون السياسة من أوسع أبوابها. خذ عندك نعوم جومسكي، من معهد ماسيشوتس للتكنولجيا، ما فرط في السياسة النظرية والعملية من شيء وهو آمن. ثم خذ عندك واحد من قصار القامة الأكاديمية هو إريك ريفز من كلية سميث الذي جعل الهامش السوداني أكثر همه. بل وخذ عندك كورنيل وست، من هارفارد ثم برنستون، لزيم المرشح الأمريكي الاشتراكي بيرني وعضوه المنتدب بلجنة وضع البرنامج الانتخابي للحزب الديمقراطي. والأعجب قادم. فقد تواضعت الجامعة الأمريكية على نظام "التنيور" لكي تؤمن لأكاديمييها طلب الحقيقة بأي صورة كريمة شجاعة. وهو نظام تمنح به الجامعة الخدمة المستديمة للأكاديمي بعد ست سنوات من اختبار ملكاته الفكرية في أروقتها. والقصد من "التيور" أن يصدع الأستاذ برأيه لا يخشى لومة لائم. فهو آمن إلى رزقه ورزق عياله طالما لم يرتكب ما يشين في الجراءة في قول الحق والتحشيد لتلك الغاية. آمل أن تعيد جامعة الخرطوم النظر في فصل عصمت على بينة اقتران أساتذتها الطويل بالسياسة النظرية والعملية. وآمل أن نفكر في جامعة للمستقبل يطمئن أساتذتها إلى ولائهم للحقيقة وبروزهم في محافلها لا يخشون جامعة تعتقد أن هيبتها في الإزراء بعلمائها المنشقين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة