قبيل شهر رمضان المعظم كان وزير العدل السوداني يخاطب مؤتمراً صحفياً..سأل سائل عن اتهامات تواجه رجل أعمال جهيّر السيرة..ومن دلائل نفوذ ذاك الثري أنه كان أحد المرشحين لرئاسة نادي المريخ السوداني ..الوزير فاجأ الحضور بأن ذاك الوجيه مطلوب للعدالة، وأن بوسع أي مواطن تسليمه للشرطة..لا أدري إن كان الوزير قد تمكن من تنفيذ القانون على ذلك الرجل الثري، أم مازال في انتظار عون المواطنين. الأسبوع الماضي قرأت خبراً يفيد أن حكومة ولاية جنوب دارفور قامت بشراء عدد كبير من السيارات المهربة أو مجهولة المصدر..السيارات المسماة ب (بوكو حرام) يبلغ عددها في الولاية نحو ثلاثة آلاف سيارة ..تمكنت الحكومة من رصد أكثر من ألفي عربة حسب معلومات رسمية.. الحكومة المحلية اشترت في الأسبوع الماضي (١٨١) عربة، وذلك بعد انخفاض أسعارها إلى ما دون النصف ..أغلب السيارات هذه قادمة من ليبيا وبعض الدول الإفريقية .. قبيل عامين اشتكت دولة أفريقيا الوسطى من أن عصابات استغلت ظروف الحرب الأهلية وهربت سيارات لدارفور .. بل إن بعض هذه السيارات مسروق من مناطق مختلفة من السودان. عندما تشتري حكومة محترمة عدداً من السيارات ذات المصدر المجهول، فإنها تضرب عرض الحائط بعدد من المفاهيم المتعارف عليها.. هذه العربات حيازتها تشكل جريمة في حد ذاتها..كما أن التعامل فيها يخالف قوانين الجمارك التي تنظم استيراد السيارات.. الأهم من ذلك أن الشراء يعتبر اعترافاً رسمياً وتقنيناً لظاهرة تستحق المحاربة ..هذه السيارات يمكن أن تستغل في أعمال مجافية للقانون. هذا التصرف الأخرق من حكومة جنوب دارفور يعيد السودان إلى دائرة الاشتباه في تمويل الإرهاب..وما يجدر ذكره أن الحكومة الاتحادية والأجهزة المصرفية لعبت دوراً كبيراً لخروج السودان من هذه القائمة المسيئة ..قائمة توفير التمويل للإرهاب تختلف عن نظيرتها الأمريكية التي تتحدث عن الرعاية الرسمية للإرهاب، بينما الأخيرة قائمة أممية تركز على متابعة الضوابط المالية والمصرفية في كل بلدان العالم.. تصرف حكومة جنوب دارفور يوحي أن هنالك جهات رسمية في السودان تغرد خارج السرب.. كل شبكات غسل الأموال تحاول تحويل المال المتسخ إلى أصول، ومن بعد ذلك تسييله عبر إدخاله في القنوات المالية الشرعية. ماذا إذا تعاملت معنا إحدى دول الجوار عبر سياسة التعامل بالمثل ..سيتم تهريب مئات بل آلاف السيارات من بلدنا إلى بلاد مجاورة..هذا يعني تحفيز سياسة مخالفة القانون.. داخلياً ستنتشر ظاهرة سرقة العربات مادام هنالك ملاذاً آمن، وهنالك حكومة ترحب بالسيارات مجهولة الهوية. في تقديري..كان من واجب حكومة جنوب دارفور أن تلتزم حرفيا بتطبيق القانون.. أي عربة لا تحمل مستندات استيراد يتم مصادرتها ..بعيد إنفاذ القانون بإمكان الحكومة بيع هذه العربات أو تحويلها لخدمة الحكومة..لكن ما فعلته هذه الحكومة يعتبر مخالفة صريحة لكل القوانين الدولية والمحلية. بصراحة.. يحتاج والي جنوب دارفور لمساءلة رسمية من جهات إنفاذ القانون..تتعاظم الجريمة حينما ترتكب بآليات السلطة التي من المفترض أن تقوم بحماية القانون.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة