عرض وتقديم فادية فضة و د. حامد فضل الله صدر عن المعهد الالماني للسياسة الدولية والأمن\برلين، دراسة بالعنوان أعلاه للباحثين د. موريل أسبورغ ، وهايكو فيمن. نقدم هنا عرضاً مكثفاً مع إبراز أهم النقاط والنتائج، لهذا البحث الطويل والهام، وهو يمثل وجهة نظر غربية، لمسار وتداعيات وآفاق ثورات الربيع العربي. نوه الباحثان الى استفادة تونس أكثر من غيرها من برنامج الاتحاد الاوروبي لدعم الجوار الجنوبي، أي "دعم الشراكة والإصلاح والنمو الشامل"، الذي بدأ في سبتمبر/ايلول 2011 " (SPRING). لكنهم اعتبروا ان أهداف المساعدات الأوروبية متواضعة، لكي تكون قادرة على التأثير في صياغة الأولويات والاستراتيجيات الاقتصادية للبلدان المتلقية. كما ان مساهمتها المالية ظلت متواضعة على الرغم من الخطاب بشكل مفرط. إذ سرعان ما ماتت الدعوات لخطة مارشال للمنطقة، التي اطلقها وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني في عام 2011. ولم تنم التجارة التونسية مع دول الاتحاد الاوروبي. أما اتفاقات التجارة الحرة العميقة والشاملة المقرة في اكتوبر/تشرين أول 2015 معها (Deep and Comprehensive Free Trade Agreement, DCFTA) فإن تحقيقها وبسبب التعقيد قد يطول لسنوات. فهي تتطلب في البداية تنفيذ إنجازات تكييف ضخمة من الدول الشريكة للحد من الحواجز التجارية ومواءمة قوانينها وأنظمتها للمعايير الأوروبية. أن تأثير النمو، اذا حدث بالفعل يمكن تحديده فقط على المدى البعيد. كما ان اتفاق الاتحاد الاوروبي مع تونس في مارس/آذار 2014 حول الانتقال والهجرة والأمن، والشراكة، ساعد بالكاد في الحد من ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب في البلاد. واستخلص الباحثان بأن هذه الشراكة لم تفتح أي أفق لتوسيع كبير لهجرة اليد العاملة، وبقيت محصورة باصحاب المهارات التي بها نقص في الاتحاد الأوروبي. فارتفاع أعداد اللاجئين، وكثرة الاحتجاج على النقص بالعمالة الماهرة وتقلص عدد السكان في البلدان الغنية مثل ألمانيا، لم يعزز بروز مشاريع فردية رائدة، والمشاريع بمجملها مع ذلك، متواضعة جدا. إذ يبقى الهدف الرئيسي للجانب الاوروبي من توسيع التعاون هو في توجيه الهجرة المنظمة ومنع الهجرة غير الشرعية. فعن طريق الشراكات الحرة يتوخى الاوروبيون كفالة تعزيز الرقابة على الحدود، وتوسيع عمل وكالة الحدود الأوروبية فرونتكس، وابرام اتفاقات ثنائية ومتعددة الأطراف مع بلدان المنشأ والعبور، إضافة الى اعتماد مسار عملية الخرطوم، واستخدام القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي - المتوسطي (EUNAVFOR Med) في يونيو/حزيران 2015 . محفزات ضعيفة، وإشارات مُضطربة صفة اطلقها الباحثان على دور الاتحاد الاوروبي الذي حدد لنفسه هدف إقناع النخبة السياسية في الدول العربية المجاورة، بتمهيد الطريق نحو تحقيق الديمقراطية، وتعزيز سيادة القانون، والإصلاحات الهيكلية والاندماج السياسي والاقتصادي، واختار لذلك وسيلة اطلاق الحوافز أو التهديد رافعين شعار "أكثر للأكثر وقليل للقليل"more for more and less for less. وفي مراجعة النتائج رأي الباحثان ثبات عدم نجاعة هذا النهج. فالحوافز المالية تكاد لا تذكر خاصة بالمقارنة مع الفوائد من الجهات المانحة الإقليمية، وغياب الحوافز الشاملة، مثل انفتاح السوق من جانب واحد فقط، وعدم زيادة جوهرية في التنقل أو حتى بالمشاركة في عضوية الاتحاد الأوروبي، وحوافز لتغيير حسابات النخب المفاوضة المترتية على الكلفة - والمردود. فكل الدعم الذي قدم لم يكن مرتبطا بالإِصرار على تحقيق تقدم في الاصلاحات. انتقد الباحثان الاستمرار كما في السابق بمنح جزء كبير من المساعدات كميزانية داعمة دون أي إلزام ببرامج اصلاحية محددة، والتساهل في تقييمه أسباب عدم إحراز تقدم، وعدم قطعه للأموال حتى مع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وأشارا في هذا السياق الى التعامل مع مصر بعد الانقلاب العسكري في يوليو/حزيران والفض العنيف لمخيم الاحتجاج (رابعة العدوية) في أغسطس/آب عام 2013. حيث قررت، دول في الاتحاد الاوروبي تجميد تراخيص تصدير سلعها للمعدات التي قد تستخدم في القمع الداخلي والتحقق من تعاونها الأمني. ولكن لم يتم تحديد المبادئ الملزمة للتعاون لا سيما في مبيعات الأسلحة، وقد عادت واستأنفت وبهذا جرى تقويض تأثير الاشارة لـ"أقل للقليل" والالتزام الفعال بحقوق الإنسان، كما جرى ايضا ذات الشيء في تدابير تعزيز التجارة الخارجية سياسة ترمز الى أعلى مستوى، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب واحتواء الهجرة. كما ان اعطاء بعثة مراقبة الانتخابات من الاتحاد الأوروبي الشرعية للانتخابات الرئاسية المصرية من مايو/أيار 2014، رغم القمع الوحشي والمنافسة غير المشروعة. كل هذا اعتبراه أضر بمكانة و مصداقية السياسة الأوروبية. فقد وصل الباحثان الى نتيجة ان الاتحاد الاوروبي امتلك حتى الان قدرة محدودة على إدارة الأزمات، ولم يكن بوضع يؤهله، على وقف انزلاق الصراع السياسي الى حرب أهلية أو على الأقل الحد من هذه الصراعات في منطقة الجوار (ليبيا، سوريا) وفي اليمن. وهكذا، فقد فشل أيضا في المساهمة بلعب دور، إزاء الأنظمة الفاشلة على حد بعيد، وفي منع التدخل العسكري المباشر وغير المباشر من القوى الإقليمية والميليشيات والتي تسببت في لجوء وتشرد الملايين داخليا. مشيرين الى ما يحدث في سوريا، بأنه أكبر كارثة إنسانية في عصرنا. وغالطوا القراءة التي تقول بأن الحرب الأهلية هناك هي صراع ديني معتبرينها تلعب دورا هاما في توطيد الهيمنة الإقليمية والصراعات المحلية في المنطقة. فالنظر بشكل قوي على انها دينية (صراع بين السنة والشيعة)، سيؤدي الى نتيجة خاطئة بأنها غير قابلة للحل. مشيرين الى ان الاتحاد الاوروبي لم يلعب دورا دبلوماسيا مركزيا أو التوسط في النزاع المذكور. والتزم في دعم جهود الوساطة للأمم المتحدة بخطاب بلاغي فقط إضافة الى اتباعهم في نفس الوقت (وخاصة في سوريا) استراتيجيات مختلفة وبالصمت المتعمد عن النهج الهدام الذي يقوم به "شركائهم الخليجيين" في سوريا وليبيا واليمن. اما توسطهم بين القوى السياسية في تونس في عام 2013 فقد ساعدت على تحقيق حل وسط، مع ان حجمها كان ثانويا امام مبادرات اللجنة الرباعية التونسية وأطراف ثالثة أخرى، وخاصة الجزائر. سعى الاتحاد الأوروبي أيضا للتعاون من خلال وساطة للتغلب على الاستقطاب السياسي في مصر. لكن لم يتمكن من تحميل مهمته الوزن السياسي المطلوب. كما اتخذ الاتحاد الأوروبي دوراً هامشيا في العمليات العسكرية لإدارة الصراع. والمشاركة الفردية لدوله لم تكن نتيجة لعملية استراتيجية وتخطيط أوروبي مشترك، نظراً لاعتماد أوروبا المتكرر على القدرات العسكرية للولايات المتحدة. كما رأى الباحثان ان الوسائل المدنية لسياسة الدفاع والأمن المشترك ل (GSVP) في الصراعات العنيفة الحادة في المنطقة بأنها ضعيفة وغير مؤائمة. مع الاشارة الى وجود سلوك متناقض مع الدعم المعلن لمنع الصراعات والحل السلمي للنزاعات، عبر تزويد الدول الاعضاء لبعض الأطراف المتصارعة في المنطقة بمساعدات عسكرية وبالتدريب (فرنسا والمملكة المتحدة دعم المتمردين المعتدلين السوريين أو ألمانيا البيشمركة الكردية في شمال العراق) وعقد اتفاقات تسلح مع زعامات استبدادية (مع مصر، والبحرين، وقطر، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة). وعدم استخدام هذا التعاون بأي حال لالزام المستلمين بإصلاح شامل لقطاع الأمن، وانشاء رقابة مدنية وديمقراطية على الأجهزة الأمنية. إضافة لصعوبة مراقبة مصير الأسلحة وخطر ارسالها الى مناطق الأزمات أو الصراعات العنيفة الحادة والى أيدي الأطراف المتحاربة، التي لم يرد الأوروبيون تعزيزها. لكن الخلاف بين الدول الأعضاء والمصلحة الفائقة في تعزيز التجارة الخارجية والتعاون مع النخب المحلية في مكافحة الإرهاب والحد من الهجرة، ما زال يشكل عائقا أمام صياغة أولويات الديمقراطية والحكم الرشيد والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية وسيادة دولة القانون. يضاف الى ان وسائل الاتحاد الأوروبي في شكل سياسة الجوار الأوروبية (ENP وCFSP / CSDP)، لم تكن مناسبة للمتابعة السريعة ومواكبة القضايا المتأزمة والعمل على استقرارها أو لمنع انتشار الصراعات العنيفة. ولم يكن الاوروبيون انفسهم فاعلين بل كانوا يُستخدمون مراراً وتكراراً كشركاء في تحالفات متعددة الجنسيات (على سبيل المثال في ليبيا أو في الحرب ضد الدولة الإسلامية)، وغالبا ما يجبرون على تحمل جزء من تكلفة العنف والحرب.
ويصل الباحثان الى النتائج الآتية: بعد مرور ما يقرب من خمس سنوات من بدء الربيع العربي تأتي النتائج الحالية مخيبة للغاية. تما زعزعة استقرار أجزاء كبيرة من المنطقة. نشوب الحروب الأهلية في اليمن وليبيا وسوريا بمشاركة مباشرة وغير مباشرة من الدول الاقليمية والمقاتلين، و يتصاعد صراع من أجل الهيمنة بين إيران والمملكة العربية السعودية. ونتيجة لفقدان سيطرة الحكومة المركزية تمكنت الجماعات المسلحة غير الحكومية والعابرة للحدود، وخاصة ما يسمى بالدولة الاسلامية والجماعات الجهادية من اكتساب نفوذ وأقبال هائل في العديد من البلدان في جميع أنحاء المنطقة. وكما كان سابقا، تخضع معظم الدول العربية لحكم استبدادي. اما الجماهير الحاشدة، التي كانت وراء الحركات الاحتجاجية في 2010 و 2011، فقد همشت إلى حد كبير وجرمت، أثناء عمليات التحول. ساهمت الظروف الأولية وأطر العمل بدون شك بدورها في هذا الحصاد المر للربيع العربي. وهذا ينطبق كذلك على العوامل الهيكلية مثل مستوى التعليم والتنمية الاقتصادية والاقتصادات الريعية، المجتمعات المجزأة، تقاليد الاستبداد والحكم الوراثي وتسييس الهُويات الطائفية العرقية والدينية. كما سعت السياسة الإقليمية والدولية في المقام الأول الى تحقيق الاستقرار السلطوي، لكنه غير مبني على التوافق والمشاركة والديمقراطية. النخب القديمة والجديدة سواء أكانت إسلامية أم علمانية، بالكاد تشعر بالميل للمضي قدما في التحول إلى نظام سياسي ديمقراطي وشامل. أولويتهم تحقيق مصالحهم الخاصة وتوسيع أو توطيد سلطتهم. استخدمت النخب الجديدة، العدالة الانتقالية وإعادة الهيكلة خصيصا لاستبعاد الخصوم السياسيين من العملية، وعقدت تحالفات (مؤقتة) بين احزاب لا يمكن التوفيق بينها فكريا في واقع المشاركة السياسية والاقتصادية الواسعة. تحسب "قصص نجاح" لتونس والمغرب في توسيع تمثيل البرلمانات والحكومات استنادا إلى الانفتاح السياسي كما توسعت في تونس حرية التعبير والصحافة وحرية تكوين التجمعات بشكل ملحوظ. لكن ليس ممكنا تحقيق استقرار دائم في البلدين، إذ ما زالت مصالح قطاعات واسعة من السكان غير ممثلة سياسيا. صحيح تم اشراك الاحزاب الاسلامية المعتدلة الرئسية لتفادي خطر اندلاع حركات جماهيرية لزعزعة استقرار البلاد. لكن هذه الأحزاب فقدت قدرتها على دمج تلك المجموعات السكانية من المهمشين اقتصاديا أو تلك القريبة من مواقع إسلامية متطرفة. أدت السياسات الاقتصادية، بالتناغم مع المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة الى ان أجزاء كبيرة من السكان ستبقى مستبعدة من التحسينات في الوضع الاقتصادي، وستكون ضحية للمزيد من الإفقار. فقد تدهورت في السنوات الأخيرة مؤشرات الاقتصاد الكلي بشكل ملحوظ وخاصة ازدياد بطالة الشباب. ولا يبدو أي تحول ايجابي في الأفق القريب. مع خيبة الآمال تأتي استراتيجيات قمعية للإقصاء وتجريم الاحتجاج، باسم الاستقرار ومكافحة الإرهاب. وتجد دعما من قبل الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة