تصدرت تصريحات من الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي، والتي ينفي فيها وجود أجانب بمنطقة جبل عامر، الصفحات الأولى لصحف الأمس. الخبر مهم بالتأكيد، خاصة وأن المعلومات عن وجود أجنبي بجبل عامر جاءت على لسان وزير الداخلية الفريق عصمت عبد الرحمن. أكثر من ذلك مضى الفريق عصمت للمطالبة بدعم القوات المسلحة لقوات الشرطة لأن الأمر في تصوره يحتاج لإمكانيات وتسليح أكبر من قدرات الشرطة. لكن المهم في الأمر هو هذا التناقض في المعلومات بين وزارة الداخلية وقوات الدعم السريع التابعة لجهاز الأمن، وفي النهاية تتبع الجهتان لحكومة واحدة، أو هكذا يفترض، فمن أين يستقي كل طرف معلوماته؟ المفترض أن تكون هناك جهة في الدولة تستقبل المعلومات من كل المصادر وتحللها، ثم تتخذ القرارات بشأنها، لكن إن تحرك كل طرف بناء على معلوماته الخاصة ستتحول المسألة إلى "هيصة" لا يعلم أحد كيف ستنتهي. قضية جبل عامر وخروج المنطقة من سيطرة الدولة قديمة، وقد أثيرت من قبل عندما كان محمد عثمان يوسف كبر والياً على شمال دارفور، وكان بينه وبين موسى هلال، زعيم مجلس الصحوة السوداني، ما صنع الحداد. حدث نزاع بين الطرفين، وتمرد موسى هلال، الذي كان حليفاً للحكومة، واتجه لحشد القبائل وتجنيد وتسليح قواته، ثم انتهى الأمر بمصالحة بين الدولة وموسى هلال الذي أعاد تأكيد ولائه للمؤتمر الوطني. وعاد هلال للخرطوم مع مجموعة من قيادات الصحوة، ثم خرج مغاضباً مرة أخرى، وفي كل مرة لا يتم التعامل مع الأمر بشفافية، ولا يعرف الناس لماذا خرج ولماذا عاد ثم خرج مرة أخرى. ثم انتشرت معلومات عن سيطرة قوات موسى هلال على جبل عامر واحتكار التعدين في المنطقة بعيداً عن رقابة الحكومة. تعيد هذه القضية للأذهان مسألة المجموعات القبلية المسلحة، التي تجد قبولاً، بل وتشجيعاً من الدولة، في كثير من الأحيان واستخدامها لتأدية مهام معينة، دون النظر لعواقب ذلك، ودون الالتفات لبديهية أن هذه القوات لن تنفض بعد تأدية ما تريده الدولة من مهام، فهي إما حازت قوة وسلطة لن تتنازل عنها بسهولة، وإما أن لها أجندتها الخاصة التي ستتفرغ لها بعد ذلك. لدينا قوات مسلحة يحدد الدستور مهامها في حماية الوطن، ويفترض أن يتم توفير كل الإمكانيات المادية والتسليحية والتدريبية لها، وقوات شرطة مسؤولة عن الأمن الداخلي وحماية أمن المواطن. لو تم التركيز على هذين الجهازين وتم توفير الدعم والميزانية اللازمة لهما فهما قادران على أداء مهمتهما بكفاءة وانضباط يشهد لهما به التاريخ. غير ذلك سندخل في مغامرات قصيرة النظر ستؤدي بنا إلى دولة مليشيات مسلحة تفتقد الانضباط والتنسيق وتوزيع المهام، وتتضارب معلوماتها ومصالحها بشكل يهدد أمن الوطن وسلامته ووحدته. المسألة أبعد من جبل عامر، لكنها لا تحتاج لقدرة زرقاء اليمامة لرؤيتها، بل تحتاج لمنظور مصلحة الوطن أولا، وقبل كل شيء. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة