محمد علي ـ لندنحظيت تجارة البشر في السودان، باهتمام عالمي على المستويين الرسمي والشعبي وتناولتها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. وقد تم تناولها مؤخراً في اجتماعين دوليين في مدينة لندن بالمملكة المتحدة، تحدث فيهما عن هذا الموضوع الأستاذ سليمان صالح ضرار وتطرق للمشكلة وقدم مقترحات لحلها نالت استحسان الحضور وأجابت على كل التساؤلات.فقد تحدث الأستاذ ضرار في الاجتماع الذي نظمته منظمة أفريكا أوربا بلاتفورم يوم الرابع عشر من شهر ديسمبر الجاري في مؤتمر عقد تحت شعار الهجرة الدولية والتنمية المستدامة، كما تحدث عن نفس الموضوع يوم السابع عشر من نفس الشهر في تشاتم هاوس، ونحن نقدم هنا ملخصا لحديثه:في الوقت الذي تحاول فيه دول الاتحاد الأوربي والمجتمع الدولي مكافحة الهجرة غير الشرعية لأوربا ازدهرت فيه تجارة البشر في السودان الذي يعد رابع أكبر الدول المصدرة للآجئين، ولكن الجهود التي تبذل الآن من الاتحاد الأوربي والمجتمع الدولي تعالج العواقب والنتائج وتبقى الأسباب على الأرض بمعنى أن الاهتمام لم يمتد للسودان لوقف تدفق المهاجرين منه أو مكافحة تجارة البشر. بل انصب الاهتمام على اللآجئين بعد وصولهم إلى أوربا. وقد لفتت ظاهرة تجارة البشر كل الناشطين الذين كتبوا أو تحدثوا عنها لما فيها من تجاوزات لحقوق الإنسان وامتهان لكرامة البشر وتحويلهم إلى قطع غيار تباع وتشترى.ومن المفارقات أن يصبح شرق السودان هو مصدر تجارة البشر في السودان، وكأنما لا تكفيه المصائب التي ابتلي بها من مجاعة وأمراض وبائية ومعدية وفقر وجهل وتلوث بيئة جلبت له الأمراض من جراء التنقيب عن الذهب في أرياب باستخدام الساينايد والزئبق السامين وتصدير البترول من ميناء بشائر الذي لوث الأرض ومياه البحر التي يعيش سكان الساحل على صيد الأسماك فيه.إن مجاورة الشرق لدول القرن الأفريقي من إرتريا وإثيوبيا والصومال، جعله أقرب نقطة لوصول اللآجئين من تلك الدول الذين يبحثون عن الهجرة ليقعوا في يد عصابات تجارة البشر. إن حدود شرق السودان مع هذه الدول تصل إلى حوالي ستمائة كيلومتر تقوم قوات الأمن بحراستها بإمكانات متواضعة في الوقت الذي نجد فيه أن أمريكا بجلالة قدرها وكل إمكاناتها لم تستطع السيطرة على حدودها مع المكسيك، وبالرغم من هذا فإن هناك ترويج لاتهامات تطال رجال الأمن وغيرهم من الرسميين بالضلوع في هذه التجارة. ومن الملاحظ أن تجارة البشر أصبحت مرتبطة بتهريب السلاح والمخدرات والكحول والرقيق الأبيض وحتى الكريم المبيض للبشرة الممنوع طبياً في السودان. ويجدر بنا هنا أن نؤكد أن الإتهامات التي توجه لقبيلة عريقة ومنها شرفاء ذاع صيتهم بأنها تقوم بتهريب البشر فيه كثير من الظلم والتجني فلا يمكن أن تدمغ كل القبيلة بما يقوم يرتكبه أفراد متفلتون منها، وللعلم فإن هذه التجارة يعمل فيها أفراد من قبائل أخرى من الشرق بل من كل السودان ودول الجوار الجنوبية والشمالية والاتهامات تطال نافذين في السلطة وأجهزة حساسة في النظام السوداني لأن فيها أموالاً ضخمة والنفس أمارة بالسوء، ولكن كل هذا يحتاج للاثبات بالأدلة من قبل جهة محايدة تتقصى في هذا الأمر، ونحن هنا لا نأخذ الناس بالشبهات.إذا نظرنا لعدد اللآجئين في الاحصاءات الرسمية فإن هناك خمسون شخصاً يصلون يومياً بالزوارق للمراسي جنوب طوكر، كما يصل إلى كسلا قرابة المائة ومثلهم إلى ولاية القضارف، ولكن الاحصاءات الشعبية تذكر أن العدد أضعاف هذا العدد الرسمي.وفي السياق ذكر سكان بعض القرى الحدودية أنهم يجدون أحياناً جثثاً في العراء منزوعة الإحشاءات، كما ألقت السلطات قبل فترة القبض على حاويات مبردة تحمل أعضاء بشرية مجمدة في طريقها للتهريب خارج السودان، مما يعني أن تجارة الأعضاء البشرية للآجئين تبدأ من السودان قبل الحدود بين مصر واسرائيل وصحراء سيناء حيث يتم قتل اللآجئين لتباع أعضائهم. مهما كان عدد اللآجئين القادمين للسودان فإنهم أكبر من إمكانات السودان ويشكّلون عبئاً اضافياً على الموارد الطبيعية والخدمات الشحيحة في الإقليم الشرقي وتقف الأمم المتحدة مكتوفة اليدين دون أن تتدخل بالرغم من أنها هي المسؤولة عن اللآجئين، نقول هذا ولكن لدينا واجب إنساني نحو هؤلاء اللآجئين لحمايتهم وتقديم ما نستطيع تقديمه لهم من مساعدات، فهم بشر مثلنا وإخوان وجيران لنا وقد أوصى جبريل الرسول (ص) بالجار حتى ظنّ أنه سيورثه.إن اللآجئين الذين يصلون للسودان يواجهون مصيراً أسوداً فمن يفلت منهم من عصابات تهريب البشر وابتزازها يغرق في نهر عطبره أو البحر المتوسط أو يقتل على حدود مصر واسرائيل. كل هذا يحدث ومنظمات الأمم المتحدة تقف كما ذكرنا مكتوفة اليدين لا تتدخل وإن تدخلت كان ذلك بعد فوات الأوان ومن تجربتنا في مراقبة عمل الأمم المتحدة أن النافذين فيها يمدون أجل النزاعات والمشاكل حتى يؤمنوا وظائفهم لفترة أطول، والصحراء الغربية أكبر مثال لما نقول.وذكر الأستاذ ضرار بأن الشرق قد أصبح بؤرة للصراع الدولي وأصبح سكانه فريسة للضربات الجوية والبحرية فالطائرات المجهولة أو الصواريخ تقصفه بحجة أنه ممر لتهريب السلاح كما أن أساطيل الدول الكبرى التي أصبحت متمركزة في البحر الأحمر تقصف من غواصاتها الصيادين السودانيين بحجة أنهم من القراصنة.واقد اقترح الأستاذ ضرار ألا تنتظر منظمة الهجرة الدولية ودول الاتحاد الأوربي والمجتمع الدولي حتى يتدفق اللآجئون على حدودها فعليهم جميعاً قفل المصادر التي تفرز هذه الموجات البشرية اليائسة، كذلك طالب بدعم الجهات المسؤولة في السودان بوسائل الاتصال والمواصلات واشراك الإدارة الأهلية في مكافحة تجارة البشر وتدريبها لذلك ومنحها صلاحيات أكبر، خاصة وأن ممارسة هذه التجارة تتم في مناطق نائية لا تصلها أجهزة الحكومة السودانية، كذلك طالب بالاستعانة بزعماء الطرق الصوفية والشيوخ الدينيين لأن لديهم قنوات اتصال جاهزة مع مريديهم خاصة وأنهم لا يتحدثون اللغة العربية وأن أتباعهم لديهم اعتقاد جازم في قياداتهم الدينية التي تتمتع بتأثير أقوى من تأثير سلطة الدولة. واقترح أن يتم تدريب شبان من القرى النائية على السلاح وتسليحهم ويكونوا تحت اشراف الإدارة الأهلية ليقوموا بحماية قراهم من هجمات عصابات تهريب البشر التي أصبحت لا تكتفي باصطياد اللآجئين بل تهاجم القرى السودانية النائية وتختطف الفتيات الصغيرات لأنهن لا يستطعن الدفاع عن أنفسهن. كذلك طالب المجتمع الدولي بإقامة مشاريع تنموية في الشرق تستوعب اللآجئين حتى لا يكونوا عالة أو عاطلين يثيرون المشاكل. كما طالب معتمدية اللآجئين بتشييد معسكرات للآجئين مجهزة بالخدمات اللآزمة وبحراسة قوية من قوات دولية ومدهم بوثائق ثبوتية.وفي نهاية كلمة الأستاذ سليمان ضرار التفت حوله مجموعة من الحضور في كل من الاجتماعين مشيدة بتناوله هذا الموضوع الهام الذي أرق مشاعر المهتمين بحقوق الإنسان. أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة