تسلمت من خلال بريدي الالكتروني، من الأستاذ حسن الرشيد، ورقة حوارية لمشروع " مجموعة الأحياء و التجديد الثقافية، و هي ورقة نقدية تعتبر كرؤية لبرنامج عمل للمجموعة مطروحة للحوار الفكري، و من داخل الورقة تؤكد المجموعة إنهم فئة من الشباب يشتغلون بالعقل، أي بالقضايا الفكرية، و هو العامل المفقود في مجالات السياسة و الثقافة و الدين و غيرها من المجالات في السودان، و تعد الورقة تمهيدا لاكتمال الرؤية الفكرية عبر الحوارات، و تقول المجموعة ( نحن بصدد إطلاق مشروع معرفي إصلاحي تحمله منظومة ثقافية باسم " الأحياء و التجديد" إن هذا المشروع و هذه المنظومة هما نتاج مسيرة من البحث و التساؤل المستمر، و الاجتهاد في الإجابة، و المراجعة للتاريخ، و المحاولة الحثيثة لقراءة الواقع بطريقة صحيحة، و ذلك علي قدر الوسع و بمستوي الإمكانيات المتواضعة التي توفرت في مراحل مختلفة، أما الأسس الفكرية التي أقيم عليها هذا المشروع، تستمد قوتها الرئيسية من اعتماد الخطاب القرآني، كفضاء لحركة العقل، مع الالتزام بمنهج و فكر إسلامي يأتي تبيانه في ورقة لاحقة) فالمجموعة بينت رؤيتها إنها مجموعة سوف تتدارس علي الخطاب القرآني، و هي مشروع إصلاحي عقلي، و لكنها لم تتعرض للمنهج الذي سوف تتبعه، كما تعتقد إن المنهج ليس ضروري في العملية الإصلاحية عندما تذكر في الورقة ( الدعوة لكل صاحب معرفة و قدرة علي النشر، أو العمل بهذه المعرفة، أن يسلك ذات الاتجاه في إصلاح الواقع السوداني، بصرف النظر عن طبيعة المنهج الذي سينتهجه أو الفكر الذي سيحمله، و ذلك تعزيزا لدور الحركات و الجماعات التي تتخذ المعرفة طريقا للعمل العام) و المنهج هو الذي سوف يبين الاتجاه الذي سوف يحكم المجموعة، و إذا مالت إلي منهج التاريخ الوصفي سوف لن تخرج من دائرة السلفية ليس بمفهومها التاريخي و لكن بمفهومها السياسي، و تكون تعيد إنتاج أوراق الماضي بصورة حديثة دون تغيير في المضمون، و لكن العزاء كلمات سمعتها من الدكتور محمد المجذوب محمد صالح عندما التقيت به في مكتبه في جامعة النيلين و تحاورت معه، و قلت إليه هل تريدون إعادة منهج المعتزلة مرة أخرى، قال صحيح و لكن بصورة أخرى، إن المعتزلة كانت اجتهاداتهم الفكرية منصبة بالتعرض لعلاقة السماء بالأرض، و نحن نربط علاقة الأرض بالسماء، أي البحث عن إجابات لأزمات الواقع من خلال التصور القرآني للحياة، و هي فكرة جديرة بالدعم و القراءة، و أيضا المراقبة حتى لا تغرق في إجاباتها علي أسئلة تربطها بتجربة الحكم الفاشلة للحركة الإسلامية متمثلة في تجربة الإنقاذ.إن الطريقة التي بدأت بها المجموعة نشاطها تحتاج للتشجيع و الوقوف معها، كما أن المجموعة قد حددت رؤية لنشاطها، علي أن يكون نشاطا فكريا يهتم بالأعمال الفكرية، و أن يجعل القرآن مرجعيته الفكرية التي تحدد مساراته و وجهته التي يمكن أن يحاكم عليها، و الفكر يحتاج إلي مساحة واسعة من الحرية، لكي يستطيع أن يقدم إنتاجه دون أن يتعرض لنوع من القمع أو الممانعة في وقف نشاطه، و هي بالتالي تفرض علي المجموعة الميل إلي الوقوف إلي جانب الذين يطالبون بالحرية و الممارسة الديمقراطية، لكي تمكن الناس من نشر ثقافة الحوار، باعتبار إن المجموعة تتساءل في ورقتها عن غياب النشاطات الفكرية حيث تقول في الورقة ( بعد الإخفاقات الكبرى التي شهدتها الحياة السودانية العامة، و التي تعزوها المجموعة في التحليل الأخير إلي غياب أو تغييب النشاط الفكري و المعرفي، و تجاهل القوي الفاعلة في هذا المجال و الجهل بدور الفكر و المعرفة في بناء و ترشيد الحياة العامة) إذا غياب العمل الفكري تسببت فيه عدة عوامل كان أولها غياب الحرية و الممارسة الديمقراطية، و هي مسألة تسأل منها الحركة الإسلامية في تجربة الإنقاذ، و المنهج القمعي الذي اتبعه النظام. و المشكلة التي سوف تواجه المجموعة أسئلة تقليدية هل المجموعة امتداد للنظام الحاكم و جزء من مشروعه الحضاري، الذي أصاب بانتكاسة كبيرة، و تجرد من شعار الطهرانية الذي كان يرفعه، باعتبار إن المجموعة حددت رؤيتها باعتمادها علي الخطاب القرآني، و لابد أن يكون رؤية مخالفة، في وجهة نظري، إن الفارق بين الحركة التي اعتمد عليها النظام الحاكم كانت مجموعة من الشعارات هزمها الواقع، و سلوك قياداتها في الحكم، باعتبار إن عضويتها هي نفسها تسببت في هذه الهزيمة، و القضية المطمئنة إن المجموعة تنادي بنشر الفكر و الاشتغال بالأعمال العقلية الفكرية لشباب كل القوي السياسية، و هذه تحتاج أيضا لمساحة من الحرية، إذا قضية الحرية تمثل الركيزة الأساسية للأعمال الفكرية.و تطرقت الورقة إلي العديد من القضايا، من خلال منهج نقدي، لم تقدم فيه تفصيلا، و لكنها تلمست القضايا التي سوف تكون محور نقاشها، و بينت الأسباب التي دعتها لاختيارها منها " الحالة الاجتماعية و الاقتصادية، القبيلة و الجهوية، التصوف و نمط التدين التقليدي، الأسرة، الفردانية التمركز حول المادة، الأخلاق العامة و الخاصة، الفساد و العوز الاقتصادي" ثم انتقلت للحالة السياسية و تحدثت عن إخفاق المشاريع السياسية و قالت عنها ( إخفاق المشاريع السياسية في السودان ابتداء من مشاريع صناعة انتماء قومي جامع، أو ترسيخ للشعور الوطني، أو إقامة ممارسة سياسية رشيدة بين القوي الطائفية التي تسيدت المشهد السياسي لفترات طويلة من تاريخ السودان، ثم المشاريع السياسية الحديثة، التي تمثلت في المشاريع اليسارية عامة) و ذكرت الورقة أيضا في الحالة السياسية المناهضات العسكرية و المشروع الإسلامي الذي أنتهي ما انتهي إليه. و الملاحظة في سوق المفردات و المصطلحات في الورقة و خاصة في الحالة السياسية تبين إن هناك استثناء غير مفهوم عندما تتعرض للتجربة الإسلامية، تشير إليها فيما انتهت إليه، و هي إشارة غير مفهومة في مدلولاتها الفكرية و العلمية، فالفكر و العلم لا يقبلان الانحياز في وصف الحالات، و هي التي سوف تكون كعب أخيل عند المجموعة، لأنها يجب أن تتجرد من حالة الانتماء.و تنتقل المجموعة في ورقتها للحالة الثقافية، و ركزت علي دور المثقف في المجتمع، و بينت أسباب أخفاق الطليعة المثقفة، و تقول أن التجربة التاريخية تخبر عن صورة قاتمة في هذا المجال، باعتبار إن المثقفين السودانيين لم يكن متمسكين بدورهم في النهوض بالمجتمع، و العمل علي تبديل أحواله العامة. و اعتبرت إن المثقفين وقعوا في فخ الهيمنة الثقافية للمشاريع الفكرية الحداثية، دون استيعاب الكافي لتأسيسات و تمثلات و خلاصات تلك المشاريع. و تخلص المجموعة بالقول ( علي كل حال نحن نجمل القول، بأن الذي أصاب حركة المثقفين، و إنتاج المثقف، تلخص في الضعف المنهجي في التأسيس و الاستيعاب و التلفيق، و الإهمال لواقع المجتمع السوداني إلا ما ندر) و معروف إن الثقافة تتأثر بنظام الحكم السائد، و تتلون بألوانه المعروضة، و كلما كان النظام مفتوحا و مؤسسا علي الحرية و الممارسة الديمقراطية، يعطي مساحة كبيرة لنهضة الثقافة و لدور المثقفين، و إذا كان النظام شمولي مغلق يؤثر سلبا علي حركة الثقافة، و ما يخرج هو ضعيف من ناحية المضمون و الأداء، لأنه مصنوع صناعة قسرية.و تنتقل الورقة إلي قراءة الواقع السياسي، من خلال " المشاريع الإصلاحية القديمة" و تتعرض تاريخيا للبناءات المؤسسية الحزبية، و تأخذ اليسار بأنواعه المختلفة بالتعليق علي تجربته و أطروحاته الفكرية، ماركسي و قومي و أفريقي. و لفتت نظري مقولة للمجموعة، مأخوذة عن التجربة الماركسية تقول في فقرتها ( لم يستطيعوا أي الشيوعيون تكييف النظرية الماركسية بما يوائم البيئة السودانية " و برجوازيتهم الثورية" المنوط بها إحداث هذا التكيف، فشلت فشلا ذريعا إذ اصطدمت ببنية المجتمع) و هذه تعد قراءة للتاريخ غير صحيحة، لأن واحدة من المجهودات الفكرية لعبد الخالق محجوب أنه كان مهموما بسودنة الماركسية، و اعتبر إن الدين يلعب دورا أساسيا في الثقافة السودانية، و في التكوين العقلي و الثقافي للفرد السوداني، و انتقلت الورقة لتوصيف الحركة الإسلامية، و سألت عدة أسئلة جوهرية، لماذا خفقت الحركة الإسلامية السودانية هذا الإخفاق في السلطة؟ و هل هذا الإخفاق هو إخفاق علي صعيد الممارسة السلطوية أي في القدرة علي تدبير شؤون الحكم؟ أم هو علي صعيد الفكر المؤسس للحركة ذاتها؟ ما الذي أدي بها لهذا الاضطراب الذي ما انفكت فيه الحركة أن انقسمت لكيانين، الأول محض حزب سياسي شمولي، لا هم له سوي الحفاظ علي صولجان السلطة و خزائن المال؟ و الأخر تنظيم يخبط يمنة و يسرة و لا ندري عن ماذا يبحث؟ و هي أسئلة جوهرية لا يمكن الإجابة عليها بالثقافة السياسية السائدة حيث تعتمد علي المنهج التبريري، و بما إن المجموعة تشتغل بالعقل و تنزل الفكر للواقع، فإنها سوف تستخدم المنهج النقدي في الإجابة علي هذه الأسئلة، و هي في تناول تفكك العناصر التي تكونت عليها الحركة الإسلامية التي نعتتها في الورقة بالحركة الإسلامية التقليدية.إن ورقة مجموعة " الإحياء و التجديد" جديرة بالقراءة و الفحص الفكري، بعيدا عن الأهواء السياسية، و هي مجموعة تجري مراجعات فكرية، علي الشؤون الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية، و تحاول أن تعيد قراءة التاريخ وفق منهج علمي، بعيدا عن إصدار الأحكام المسبقة تبعا للأهواء السياسية، كما إن الأسئلة التي طرحتها الورقة هي أسئلة جوهرية تحتاج إلي إجابة من كل التيارات الفكرية في السودان، كما يجب علي المجموعة أن تجيب علي الأسئلة المطروحة علي علي الإسلاميين بصورة عامة و المجموعة بصورة خاصة و هي قضية الحرية و الديمقراطية في الفكر الإسلامي، و فشل النظام السياسي للإنقاذ في هاتين القضيتين يلقي بظلاله علي كل الذين يجعلون الإسلام ممثل في " القرآن و السنة" مرجعية لهم، كما إن القضية لم تقتل بحثا فكريا، إنما اعتمد فيها علي العلماء الأوائل قبل قرون، و معلوم إن المجتمع الإنساني تطور، كما إن الورقة قد أشارت إلي قضية الحداثة المطروحة في الساحة ببعديها الفلسفي " الفكري" و الاجتماعي، و أيضا لابد من إعطاء الدعوة التي وجهتا المجموعة لشباب كل التيارات الفكرية الأخرى، في أن يجعلوا الفكر قاعدة أساسية لنظرتهم للحياة و العمل السياسي حقها في الحوار الفكري بين التيارات المختلفة، خاصة إن الجدل الفكري يقرب بين المجموعات، و يخلق منابره الخاصة التي تقبل كل التيارات الفكرية كل بعطائه، و لغة الحوار هي لغة بعيدة عن العنف و الاستفزاز و الإثارة، و سوف ترمم الساحة السياسية عندما لا يجد محدودي المعرفة و ضعفاء الفكر مسارا لقمة العمل السياسي. و ختاما تحية لهؤلاء الشباب و نسأ الله أن يوفقهم. نشر في جريدة إيلاف الخرطوم أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة