ضجت الوسائط الاعلامية خلال الأيام الماضية بفتوي منسوبة لاحد العلماء من مجمع الفقه الإسلامي السوداني أجاز فيها إخفاء الزواج ( الثاني ) عن الاهل والزوجة واكتفاء باشهاره علي شاهدين دون الحوجة لاخبار الاهل والزوجة . ربما من ناحية نظرية الفتوي صحيحة ولكنها لم تراعي قاعدتين شرعيتين
*القاعدة الاولي * فهم الواقع واعمال الواجب في الواقع*
تطور المجتمع السوداني من مجتمع بسيط الا مجتمع معقد مما تطلب إجراءات خاصة بالزواج فليس من شروط الزواج شرعا وجود مأذون ودفتر وتسجيل في المحاكم الشرعية وإحضار الأوراق الثبوتية ولكن أصبح كل هذا ضرورة ومن لم يعمل به يعد مخالفا للقانون فهل يفتي مجمع الفقه ويشجع علي الزواج دون الماذون الشرعي ؟ هذا مثال علي تطور المجتمع مما اقتضي هذه الإجراءات التي لا تعتبر شرطا شرعيا للزواج ولكنها ضروره اقتضاها واقع اليوم مما يعني أن إطلاق الفتوي دون استحضار الواقع يعد مجانبا للصواب . وقد أكد العلامة ابن القيم على ضرورة فقه الواقع تنويها منه إلى أصوله وأهميته من خلال مقولته التي تمثل تأصيلا نظريا لهذا الموضوع، فقال: «ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما. النوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان قوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر؛ فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرا؛ فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه
*القاعدة الثانية
تغير الفتوي بتغير الزمان والمكان قد تكون فتوي مجمع الفقه الإسلامي بجواز إخفاء الزواج صحيحة حيث لا يوجد نص يمنع ذلك ولكن لم تراعي تغير الزمان ولم تاخذ في الاعتبار تعقيدات المكان إن من أصول السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية مجال تغيّر الفتوى بتغيّر الزمان والمكان، وهي قاعدة صاغها الفقهاء قديماً وتناولها عدد منهم بالشرح والتوضيح، وهذه القاعدة قاعدةٌ مهمة جداً عقد لها الإمام ابن القيّم فصلاً بقوله: (فصل في تغيّر الفتوى بحسب الأمكنة والأزمنة والأحوال والنيّات والعوائد). يقول ابن القيم: (هذا فصل عظيم النفع جداً وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالّة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم)
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق January, 16 2023