منذ الاستقلال، كانت التعاقدات الحكومية مصدر ثراء الرأسماليين اللصوص في السودان، تعاقدات ترحيلات حلفا القديمة، تعاقدات السكك الحديدية، تعاقدات النفرات الزراعية، تعاقدات الحديد، تعاقدات البترول، التوريدات الغذائية، التعدين..الخ. فعموماً لم يكن السودان ولا زال غير مهيئ ليكون دولة ذات بيئة استثمار حقيقي جيدة تعود بالنفع على أهله، لذلك فهو دولة غير صناعية، رغم وجود بضعة مصانع لكنها لا يمكن أن تخوض منافسة حقيقية مع أقرب دولة مثل مصر. كل موارد الدولة تأتي من الجبايات المختلفة ومن الضرائب على انتاج المحاصيل والثروة الحيوانية والآن ثروة معدنية فوضوية التعدين. لذلك لا مجال للثراء السريع سوى: إما بالعمل غير المشروع كالتهريب والسوق الأسود، أو عمل واجهته مشروعة ولكنه مؤسس على الفساد وهو التعاقد مع الحكومة. منذ الاستقلال، يتعاقد مسؤول الحكومة مع نفسه أو أقاربه (متخفياً وراء الشخصية المعنوية للشركة التي يملكها أو يساهم فيها)، في عهد البشير كانوا ينشؤون شركة خصيصاً لاقتناص فرصة إبرام عقد مع الحكومة. تنشأ الشركة اليوم وخلال شهرين تكون قد أبرمت تعاقدات بملايين الدولارات، ويكون أحد المسؤولين أو اولاده مساهماً في تلك الشركة. في الغالب، تفشل تلك المشاريع، وإن تحققت فعبر قيام شركات الفساد بتعاقدات من الباطن مع شركات اخرى لا تحدث فيها رقابة فنية حقيقية لأعمال المشروع. وعبر هذا الفساد تشكلت الأسر المسيطرة على كل أموال الدولة واقتصادها. لذلك، ستجد آلاف العقود الحكومية، في مختلف الأقاليم، ولكن أهل تلك الأقاليم لا يحصلون على جنيه واحد منها. إنها تصب في جيوب التماسيح، الذين يكبرون ويكبر نفوذ تلك الأسر، وتبدأ في الولوج إلى عالم السياسة، وتكوين الاحزاب الوهمية التي يكون همها الحفاظ على النفوذ الاقتصادي والسياسي لتلك الأسر. عقود البترول بمليارات الدولارات تعبر من أقاليم الانتاج، وتدخل في جيوب تماسيح المركز، في الوقت الذي تعاني فيه شعوب تلك الأقاليم من الفقر والبؤس بل وتعاني من انعدام البنزين والجاز. وهكذا في كل التعاقدات الأخرى. وستفشل كل محاولات منع الفساد، لأن الفساد شبكة ضخمة من هذه الأسر، التي تصاهرت وتزاوجت وأنشأت علاقات أسرية واقتصادية وسياسية قوية، وتغلغلت في كل مفاصل الدولة، لذلك فليس أمامنا سوى توعية أبناء الأقاليم للمحافظة على حقوقهم وتتريس ثرواتهم، ورفض أي مشاريع لا يتم إشركاهم في تعاقداتها إشراكاً مباشراً. عندما استلم الجنوبيون حكم الجنوب، رفض الكيزان إبراز عقود البترول، ظلت عقود البترول سرية إلى أن انفصل الجنوب، ولكن حكام الجنوب تعلموا الفساد من الشمال، فظلت عقود البترول سرية بدورها إلى يومنا هذا. هذا، في الوقت الذي ستجد كل الدول المتمعة بالدموقراطية والشفافية تعلن عقودها على الملأ، ولو دخلت الى قوقل في الانترنت وكتبت عقود البترول في دولة كذا، فستخرج لك تلك العقود. لأن هناك اتفاقيات دولية لمكافحة الفساد وتشجيع الشفافية، تلزم جميع الدول بتلك الشفافية لتتمكن الشعوب من حماية ثرواتها، وهذا أهم مظهر من مظاهر الدموقراطية، لأن الدموقراطية هي حكم الشعب لنفسه، فالدموقراطية ليست إتاحة تكوين أحزاب أو حرية التعبير والتظاهر فقط بل هي كل متكامل، ومتى وجَدَّت هناك فساد وتغطية على التعاقدات الحكومية، فأعلم بأنه لا توجد دموقراطية. لذلك فالحكومات الفاسدة الدكتاتورية تفضل التعاقد مع دول لا تتمتع بالشفافية كالصين مثلاً والتي لا تكترث لطبيعة النظام الذي تتعاقد معه. إذاً؛ لا يبقَ أمام شعوب الأقاليم سوى أن يعملوا هم وحدهم على حماية ثرواتهم، حتى ولو أدى ذلك لعرقلة الاستثمارات في أقاليمهم، لأنه حتى لو تمت تلك الاستثمارات فلن يستفيدوا منها شيئاً ولن يأخذوا منها مليماً واحداً. إن قانون المشتريات والتخلص من الفائض قانون مليئ بالثغرات، ويتم تجاهله، لأن شبكات الأسر الفاسدة هذه، لا تمتلك فقط النفوذ بل تمتلك أيضاً مؤسسات تطبيق وإنفاذ القانون، وبالتالي فهي آمنة من المحاسبة. نفس هذه الأسر، هي التي ستقوض أي تغيير دموقراطي حقيقي، حتى لو جاء رئيس وزراء شاطر وأمين، ففجأة سيجد الدولار وصل لمليار جنيه، ورغيفة الخبز سعرها خمسمائة جنيه، والبنزين معدوم، والدواء خارج المخازن...الخ فيغضب الشعب ويسقط حكومته وتنتصر تلك القوى الفاسدة. فأرجوا الانتباه.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق November, 17 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة