بالطبع الكل يكتب التاريخ وهو لم يعيش الأحداث بل بواسطة المصادر المكتوبة أو الروايات الشفهية وكل هذه المصادر لا يمكن الاضطمئنان عليها في كل الاحوال وأكثرها بعدا عن الحقيقة تلك التي تصلنا مكتوبة من له مصلحة في تحسين الحال أوعكسه او الذي يكتب تاريخه بيده فإن من عيوب الدولة السودانية ليست في بنائها السياسي فقط بل في الكتابة التاريخية لهذه لامم السودان . والسبب كان أهل الفكر في السودان يعتقدون أن المعلومة لا تخرج من دائرتهم الضيقة وما كانوا يعتقدون بتطور البحث العلمي ويرون أن نسج المعلومة التاريخية يمكن أن يحل محل الحقيقة للابد وهم لا يعلمون ، ليس هناك أكثر الصعوبة من صناعة التاريخ ، لأن التاريخ واقع معاش في وقت من الأوقات مرتبط بكل جوانب الحياة ، من المحال تحريف كل تلك الوقائع . ولذلك أية محاولة للتزييف يفضحها منطق الأحوال بغياب التناسق او الفجوة الزمنية او غياب الربط السليم . ومن ناحية أخري أن تاريخ جميع قبائل السودان هي تاريخ السودان وليس تاريخا مختارا لأحدى القبائل فإن الفترة المذكورة ونحن بصددها لم تكن دولة السودان في الوجود ولذلك سيظل تاريخا للقبيلة ما لم تدون بشكل منهجي مع تاريخ كل أمم السودان في تلك الفترة المتزامنة ليكون تاريخا مشتركا لكل الشعوب السودانية فإن مبدأ لا تاريخ لكم خذوا هذا تاريخكم سيظل ذلك فرضا لتاريخ القبيلة وليس من سليم القول الزعم بأن هناك من لا تاريخ له ومع ذلك بات الجهد في تحسين الأساطير قناعتنا ذلك لا يصلح للرؤية المشتركة للكتابة التاريخية مهما كان دقة النجار وحتي أن صدقت ، سيبعدنا أكثر من غرض الكتابة التاريخية للسودان التي ينبغي علي الجميع ان يشعر ذلك هو ماضيه. لمن غنت مهيرة بنت عبود ؟ اما الحديث عن معركة كورتي هنا يتطلب مننا معرفة موقف الشايقية من حملة محمد علي باشا التي بقت في منطقة اسوان لمدة عامان تحارب في المماليك الذين اسسوا لهم مملكة بعد هروبهم من مصر بعد المجزرة وقد قويت نفوذ المماليك بعد توسع مملكتهم التي كانت عاصمتها في دنقلا وامتدت حتي ديار الشايقية وان توسع هذه المملكة اقلق الخديوي وقرر القضاء عليها قبل سيطرة المماليك علي كل جنوب الوادي ووقتها تتعرض دولة الخديوي للخطر . أن الحملة التي رسلها الخديوي بقيادة ابنه للقضاء علي خطر المماليك دون أدني شك أنها حملة كبيرة وقوية بالمقارنة مع عدد الشايقية وقتئذ فإن عدد الرجال الذين القادرين علي القتال في وقته بالمقارنة مع عددهم اليوم قد لا يزيد عن المائة أو المائتان في أحسن الفروض من المحال أن تقف هذا القوة بالسيوف و الحراب أمام جيش الخديوي المعد بالأسلحة الحديثة لضم كل قبائل السودان في طاعته وبلغت ثقة الخديوى في جيشه الي درجة وضع ابنه علي راسه من المحال بالفطرة السوية أن احدي القبائل او الشايقية بمفردها يمكن ان تهزم هذا الجيش العرمرم لان بدون أدني الاحتمال للنصر مهما كان ضعيف لا يمكن لاحد ان يدخل في حرب وهو يعرف أنه سوف يتعرض لهزيمة نكراء . ولذلك أن هذه الرؤية التاريخية محتاجة الي مزيد من الاجتهاد. والذي في حكم المستحيل إقناع أي شخص ناهيك عن حاجة البحث العلمي من الموضوعية في الحرب التي بلا غرض لأن التاريخ تحدد لكل حرب غرض فإن الاغراض المعروفة للحروب لا تنطبق أيا منها حرب الشايقية المفترضة ضد الغزو الخديوية وخاصة وان أي إنسان وفي كل الاعمار قد توقف برهة عندما يقرأ رواية بخت الرضا عن هذه الحرب ويسأل نفسه ما هو هدف الشايقية من العملية الانتحارية ؟ وهل فعلا يريدون احتفاظ بحريتهم كما ترد اوصافا باقلام أبناء الشايق كان بالأحرى أن يعملوا علي التنسيق مع المماليك الذين يحاربون ابن الخديوي أكثر من عام شمال دنقلا لمنع تقدم الخديوي علي حساب دولتهم التي تضم بلاد الشايقية وهم في الاساس تحت الاحتلال المملوكي من اين بدأ التزوير؟ بدأ التزوير من محاولتهم إخفاء مملكة المماليك في دنقلا برمتها والتي امتدت نفوذها حتي شملت بلاد الشايقية هو الشي الذي جعل النوبة في السودان بيض وفي الجانب المصري مازالوا سودا فإن تقرير الذي كتبه رسول جوهر الصقلي عن منطقة النوبة بأنهم كانوا سودا وعرايا ولسنا في حاجة الي ان نذكر احدا بان حملة عبدالله ابن ابي السرح توقفت في بلاد النوبة بسبب سوادهم وقال لا يزيدونا الا خبالا ورتب عبر الاتفاق المشهور للاستفادة من العبيد السود . أن استقرار المماليك البحرية واسسوا لهم مملكة وتتابعت هجرات المماليك من بعدهم و البوسنين والارناؤط غيروا هوية المنطقة فإن بتر حقبة تاريخية كاملة وأثروا في الأحداث لمدة قرن كامل وبل المحرك الوحيد للأحداث في ذلك الوقت تطلب ملئ الفراغ بالاجتهاد وبل يتطلب صناعة الأحداث بالخيال وتطويعها للبعض لإكمال الحلقات المفقودة . أما الصياغة التاريخية للأحداث في وقته علي حسب الوقائع التي دونتها المصادر الخديوية والبريطانية. فإن مملكة المماليك لا يمكن انكارها وأية دراسة عن تاريخ السودان في القرن التاسع عشر بما فيها الثورة المهدية سيظل بعيد عن الواقع وتاريخا مصنوعا اذا تمت من دون الاشارة الي دولة المماليك مع اننا لا نعرف بوجه الدقة السبب الذي جعل كتاب بخت الرضا وبل الباحثون السودانيون إخفاء أمر هذه المملكة وضم ديار الشايقية الي دولة المماليك ايضا حقيقة تاريخية لا يمكن انكارها وان ابن الخديوي حاول استمالة بعض قبائل الشمال بجانبه أيضا حقيقة تاريخية إذن لم يبق سوي ربط كل الحلقات مع بعضها . بالطبع أن إخضاع ديار الشايقية بواسطة المماليك لم تتم من دون الحرب وذلك كان دافعا لقبول الشايقية عرض الخديوي باستعدادهم للتعاون للتخلص من المماليك وخاصة أن مكوك الجعلين لم تصلهم سلطة المماليك وتأكد بأن الشايقية انضموا الي حملة ابن الخديوي عندما مرت ببلاد الشايقية فإن انضمامهم الي الحملة بعد الهزيمة أمر واقع ولكن الحدث لا يمكن قراءته بشكل مجرد لأن ذلك لم يقبله الفطرة والحدث لم يحدث عبر التاريخ من قبل ولا من بعده واذا كانوا مستعدين للحرب بجانب جيش الخديوي لماذا الحرب ضدهم من الاساس ؟ ما الذي تغير في الساعات المحدودة ؟ في هذه الإجابة تكمن الحقيقة التاريخية لو علمنا مدي السذاجة التي استعملت لحبك هذه الاسطورة . أولا كيف ينتقل الإنسان من الهزيمة مباشرة الي صداقة أو التحالف من الموقع نفسه ثانيا اذا تم إرغامهم كيف يضمن ابن الخديوي شرهم وسط جيشه الذي ينوي الخوض في حروب لا يعرف طبيعتها ثالثا لماذا لم يرغم أي من القبائل الآخري التي استسلمت . ولذلك لا توجد سببا واحد للانضمام لهذه الحملة إلا التنسيق المسبق مع الخديوي لمحاربة المماليك من الداخل ليربكوا خطوطهم الدفاعية . فإن معركة كورتي وقعت فى4/11/1920 بين جيش إسماعيل باشا من جهه و المماليك والشوايقة وغيرهم من القبائل في المنطقة ما عدا الجعلين لربما تكون هذه القبائل قد اجبروا علي دخول الحرب بجانب المماليك ولكنهم اتخذوا موقف الضد في احدي مراحل الحرب بالتنسيق المسبق مع جيش الخديوى وانقلبوا ضد المماليك وكان ذلك الغدر بالمماليك وراء العلاقة الحميمية التي نشأت مباشرة بعد المعركة . ونحب أن نذكر أيضا أن هذه التجربة لقد تكررت بالحرف في معركة كررى أن الجماعة من يسمونهم بالعربان الصديقة وهم الاتحاديين في غالبيتهم لم ينسوا تلك الصداقة ويشهد الحنين الي الاتحاد معهم . أن المجموعة التي دخلت الحرب بجانب الأنصار في كرري نسقوا مع الجيش الغازي وانسحبوا من المواقع الموكلة لهم للدفاع إلا قليل منهم ولذلك أن هذه التجربة ليست بجديد . فإن قوة الخديوي التي استسلمت لها مملكة سنار ودارفور وقوة المماليك الكبيرة من العبيد السود من المحال أن تحاول قبيلة صغيرة مثل الشايقية تصديها حتي وإن غنن جميع نساء العالم ومحال الدخول معها في المعركة منفردة التي ذكرت المصادر المصرية هي الوحيدة التي خسر جيش الخديوي عدد كبير من أفراده أمام قوة المماليك بقيادة القائد المملوكي يدعي صلاح المازني والذي فيما بعد عرف باسمه إبراهيم بك المنفوخ جد كثير من اشراف الجعلين وهو غير إبراهيم الجعل وقد هرب بعد المعركة الي النيل الأبيض وعاد وعاش في بلاد الجعلين نسبة للعلاقة الطيبة بين الجعلين والمماليك فان معركة كورتي وجد إسماعيل صعوبة شديدة في هزيمة الجيش الأسود وساعده في ذلك دور القبائل التي تمت استمالتهم بواسطة الخديوى . مهما يكن من الصعب جدا أن يحاول احدا أن يقنعنا بأن تأخر جيش الخديوي علي نحو عامان شمال دنقلا بسبب قوة الشايقية وان هذا العمل العسكري الكبير في كورتي بجهد الشايقية وراء غناء امرأة لا احد ذكر تفاصيلها كيف بدأت وكيف انتهت وكل التفاصيل مهيرة غنت والشوايقة حاربوا بالشجاعة ولو كان هذه المعركة وقعت بالفعل مع الشايقية لوحدهم لا احد استمع لما تقولها مهيرة وفي حكم المؤكد أنها لم تكن في الموقع مع قناعتنا بشجاعها الا ان هذا النوع من المعارك لا تصلح الغناء في موقعها بسبب صوت المدافع ولكنها غنت للمماليك والشوايقة معا مع أن بعضهم أصبح من ضمن من وصفتهم بجداد الباشا في غنائها وهي بالطبع أولي من بين الحكامات في تاريخ البلاد هو أدب يستحق التفات إليه وهنا يجدر بنا أن نذكر أن المطلوب مننا ليس الدفاع عن الاشياء التي كتبت في الركن من أركان السبورة في وقت من الأوقات كتاريخ لهذه الأمة فإن مع تطور البحث العلمي تتم كشف حقائق جديدة وهذا لا يعني أننا لا نطلب من الذين دونوا التاريخ أن يكونوا بلغوا كل شيء كماله والا لم يبق لنا شئنا نبحث عنه وتلك نهاية البحث العلمي فإن التصحيح والإضافة ليس لترميم أشياء جاءت بسوء النية بل للتقصير ولكن العيب كل العيب أن نري الحقائق الجديدة بدلا من التحقيق الإضافي ليصل الي قناعة كل شخص نبدأ معركة بدعوي ليس هناك أفضل مما كان وبل البعض يعلنون الحرب لكل جديد و لا يقبلون إلا الصورة التي يريدونها والاغرب أن بعض المجالات ممنوع البحث عنه في السودان ولربما يفقد الباحث حياته اذا غامر الولوج فيه هو معني أن السودانين درسوا وخرجوا من الجامعات وبعضهم تخرج من كليات التاريخ مع ذلك لم يسمع عن دولة المماليك في السودان ولا يعرف من هم المماليك ولربما سمعوا في مصر وليست السودان وأن الانتماء بالنسبة الي المماليك شرف كبير فإن وجود العالم الإسلام والعرب في دولهم كان بفضل المماليك عندما انهزم العرب جمعا و إفرادا أمام جنكيز خان وتصدي له المماليك في معركة عين جالوت وتم إنقاذ الأمة العربية والإسلامية من سفاح الشعوب وقد هرب المماليك الي السودان بعد انهيار دولتهم علي يد الأتراك
ولحق بهم إعداد كبيرة ليس بالعشرات والمئات وبل بالاف وهم بلون العرب والفرس وأغلبهم بدون زوجات ومع ذلك لم يوجد اليوم سودانيا واحد يعترف بألاصل المملوكي وهكذا أننا في حاجة الي إعلان الطواري لدولة لا تاريخ لها
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة