بمشاهدتي للمسلسلات و الأفلام المصرية في صغري كنت دوما أتساءل و يستفزني كون تمثيل أدوار الطباخين و السفرجية (مرمطون) و البوابين يكون حصرا علي النوبيين. و لكن بمرور الوقت أكتشفت أن كثير من النوبيين هم بالفعل طباخين و سفرجية و بوابين و قبلت هذا الواقع علي مضض. فرغم أن أي عمل شريف لا إساءة فيه إلا أن تلك الأدور كانت تعطي إنطباع بأن الأسمر أبن النيل فيه تحقير و تهريج و سذاجة أو غباء بينما غيرهم فيهم إحترام و جدية و ذكاء و مهارة. أصبحت أتساءل لماذا وظائف الطباخين و السفرجية و البوابين تكثر في المجتمع النوبي دونا عن غيرهم. أتضح لي أن الترك و مرتزقتهم من الرق الأبيض من البشناق وهم من ألبان البوسنة والهرسك و الأكراد و المجريين و الشركس و غيرهم و الذين عرفت وظيفتهم بأسم "الكشاف" قد غزا و أستباح أهلي النوبيين منذ عام 1520. و أن الرق التركي قد أستشري و سط النوبيين و كثريين منهم فروا و تركوا وطنهم و أهلهم و أملاكهم هربا من عدوان و شرور الترك و أعداد كبيرة منهم قد تم إنتزاعهم و ترحيلهم و بيعهم في مختلف أنحاء المستعمرات العثمانية و منها مصر و الحجاز و كذلك في الأناضول مركز العثمانيين التي إستعمروها و أسموها تركيا. و أستمر الكيان العثماني يدمر و يخرب الدول و الشعوب تارة بأسم الشرق و تارة بأسم الإسلام و تارة بأسم القومية العربية بينما العروبية لا تمت لهم بأي صلة و لكنها لهم حصان طروادة كان الرق في أراضي النوبيين يقوم به الكشاف الترك و عمالهم و رقيقهم الأبيض و أعوانهم المحليين. و توسعت حملات الرق لتمتد للمناطق المجاورة و لمختلف أقاليم السودان. صاحبت كتائب حملات صيد الرق التركي علي قوافل من تجار الرق الأجانب و عمالهم المحليين و الذين كانوا يعرفوا بأسم "الجلابة" و في أوطانهم و أوضاعهم الجديدة و المفروضة عليهم ضاقت بهم سبل العيش. فمن سادة مزارعين أصحاب حضارة و ثقافة أصبحوا عمال يدويين و عبيد لغزاة ترك رعاة بلا حضارة و لا ضمير. و لذلك فإن الأعمال التخيروها و تلك التي أنيطت بهم كعبيد أعتمدت أغلبها علي السمات التي يتميز بها غالبية النوبييون من نظافة و أمانة و صدق و فن طعام. أما الترك و رقيقهم الأبيض من مختلف الجنسيات فوزعت عليهم الوظائف كل علي حسب السمات الغالبة في كل جنسية. فمنهم القاس الشرس عديم الرحمة فهؤلاء هم الجنود و المرتزقة و الإجرام. و منهم الجميل رخيم الهيئة فهؤلاء للهو و التمثيل و الغناء. و منهم المثير الشبق فهؤلاء للرقص و هز البطون و الدعارة. و منهم الماكر المحتال فهؤلاء للأسواق و التجارة و المال. و منهم المنافق المحدث الوجيه فهؤلاء للدعوة و الدين و السياسة. يعني مصطلح الترك أي قوم ممن لهم أي من الثلاث أوصاف التالية : 1- العثمانيين و 2- اليهود (أسيويين من أراضي المغول و التتار و ليسوا من بني إسرائيل الساميين أنشأوا مملكة الخزر اليهودية و لكنهم يتزعموا الصهيونية التي تدعي أن فلسطين أرض منحها الخالق لهم) و 3- الفولاني الأبيض (الفلاتة) و لا يشمل لفظ الترك أتباعهم من الفولاني الأسود و هم من أصول إفريقيا يلاحظ أن الوسط الفني و الوسط الرياضي في كل الدول التي إستعمرها الترك كمصر و سوريا و العراق و لبنان و السودان و غيرهم قد تشكلت علي يد الترك من عناصر أغلبها أجنبية و هذين الوسطين يمثلا التأثير و المزاج العثماني - اليهودي – الفولاني الأبيض. فلي سبيل المثال تجد أن أغلب الفنانين و مشاهير المصريين الأوائل في مجالات التمثيل و الغناء و الرقص الشرقي هم أما من أصول تركية أو من دول الرق الترك و ليسوا مصريين و لا يمثلوا الثقافة و المزاج المصريين. (القائمة التالية ليست شاملة و تؤك أن جميع هؤلاء الفنانين هم أجانب أو من أصول أجنبية لعب المستعمر التركي اليهودي دور كبير في صناعتهم و نجوميتهم : نجيب الريحاني - حسين رياض - أنور وجدي - ماري منيب - ميمي وزوز شكيب - ليلى مراد - فريد شوقي - مديحة يسري - لولا صدقي - ليلى فوزي - أسمهان وشقيقها فريد الأطرش - نيللي - رشدي أباظة - عادل أدهم - هند رستم – شادية - عمر الشريف - مريم فخر الدين وشقيقها يوسف فخر الدين – شويكار - سهير البابلي - نادية لطفي - ليلى طاهر - نجوى فؤاد - حسين فهمي وشقيقه مصطفى فهمي - إبراهيم خان - ميمي جمال - سعاد حسني وشقيقتها نجاة الصغيرة – لبلبة - شمس البارودي - ميرفت أمين - صفية العمري – نيللي – لوسي - عمرو دياب - هالة صدقي - ليلى علوي - شيرين سيف النصر - نيللي كريم - غادة عادل - سمية خشاب - أحمد زاهر - أحمد مكي وشقيقته إيناس مكي - مي عز الدين - ياسمين جيلاني - ميس حمدان وشقيقتها مي سليم - هنا شيحة - منى هلا). جميع من أهينت كرامتهم و تأذي شرفهم و أنتزعت حقوقهم بيد الترك و أعوانهم و عمالهم عليهم العمل لإستعادة حقوقهم. و أحمد الله أن أهلي بالرغم من محنتهم و بطش الظالمين ظلوا الطباخين و السفرجية و البوابين و لم يصبحوا مجرمين و لا فاسدين و لا منافقين و لا داعرين. و لكن آن الآوان للنوبييين و أحفاد الطباخين و السفرجية و البوابين أن يواجهوا الترك و يستعيدوا حقوقهم الضائعة و كرامتهم المهانة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة