كنت أعلم أنه بولدوزر بمقدوره أن يحرك عجلة التاريخ مهما استعصت على الدوران لكني كنت أجهل كثيراً مما أسهم به في مسيرة السودان السياسية إلى أن قرأت المقالات التوثيقية التي سطرها الأستاذ مصطفى البطل عن بعض الخبايا في سيرة مبارك الفاضل المهدي فازددت قناعة بقدرات الرجل الخارقة على الفعل . عندها فقط علمت لماذا يتوجس السيد الصادق المهدي منه خيفة فهو ممكن أن يخيف بحق كما يمكن أن ينال إعجاب من يتمعّن في سيرته وفي قدراته القيادية وكل من كان في موقع الصادق المهدي سينتابه نفس الإحساس وتحيط به ذات الوساوس مما يمكن أن يفعله مبارك إن مُكِّن من أن يحتل موقعاً مؤثراً في هيكل الحزب فمبارك سيف ذو حدين كلاهما يمكن أن يصيب مع اختلاف تأثيرات الإصابة إيجاباً أو سلباً. مبارك رجل براغماتي أو قل واقعي ينفعل باللحظة التاريخية ويتفاعل معها ويحركها بقوة مذهلة باتجاه أهدافه السياسية وأُوتي من الجرأة والجسارة ما يجعله ينقلب على موقفه السياسي في لحظة واحدة (180) درجة بدون أن يطرف له جفن. المبادئ لا تحتل في مواقفه السياسية أية أولوية فهو مستعد لأن يتفاعل مع أي محيط أيديولوجي يختار أن يتعامل معه بحيث يكون جزءاً لا يتجزأ من ميكانيزماته الفاعلة والمؤثرة ولا شك أن الإرث التاريخي بانتمائه للأسرة المهدية منح شخصيته مزيداً من الألق الذي زاد من الكاريزما التي يتمتع بها دون غيره من قيادات حزب الأمة - بخلاف السيد الصادق طبعاً. لعل أكثر ما لفت نظري في شخصيته العلاقة الوطيدة التي ربطته بجون قرنق خلال فترات الحرب قبل نيفاشا والتي أشار إليها زعيم الحركة الشعبية في محاضرة قدمها في فيرجينيا عام 1996 ثم دخوله حكومة الإنقاذ ثم خروجه العاصف والغريب منها وخروجه على حزب الأمة وقيامه بإنشاء حزبه السياسي ثم حل حزبه بصورة درامية ومحاولات عودته إلى حزب الأمة والمستمرة حتى الآن. كما قلنا فإن المبادئ لا تحتل مكانة في سلوكه السياسي ولذلك فإنه لن يتورع، وفي أي وقت، من استنساخ (عكته) المثيرة حين حرض أمريكا على الإنقاذ بعد قصفها لمصنع الشفاء بأن هناك مصنعاً آخر، ذلك ما يؤكد أن الرجل في صراعه السياسي لا يتردد في استخدام كل أسلحة الدمار الشامل وهو ما ينبغي أن ينبه السيد الصادق إلى أهمية إيلاء تحركاته الأخيرة اهتماماً أكبر . كل حركاته وسكناته وتقلباته العاصفة تصحبها ضجة وصخب مرتبط بوزن الرجل وقدرته الفائقة على صنع الضجيج المصاحب لشخصيته المثيرة. لا يمكن أن أتجاوز تأثيره على فترة الديمقراطية الأخيرة قبل قيام الإنقاذ وكان وقتها شاباً ذا حيوية دافقة ونشاطاً جماً ربما جعله مركز الفعل والقرار في حكومة السيد الصادق المهدي رغم قلة خبرته وعمره القصير وقتها. الضجيج المصاحب لتحركاته السياسية وتصريحاته المثيرة التي يُدلي بها هذه الأيام ضد ابن عمه كلها من الأمور المزعجة للسيد الصادق ومن شأنها أن تُحدِث تأثيراً هائلاً على الحزب سيما مع ابتعاد السيد الصادق المهدي من الساحة وضعف تأثيره على قواعد الحزب جراء غيابه المتطاول وحراك مبارك الفاضل بديناميكيته المدهشة والتي تزداد زخماً بتفاعل الانقاذيين معها والذين لا شك أن رياحها العاتية تهب في أشرعتهم . مبارك الفاضل المهدي بشخصيته التي لا تعرف الهدوء وبالكاريزما المرتبطة باسمه وتاريخه مقارناً بالقيادات الأخرى في حزب الأمة التي لا تضاهي مكانته وبريقه وتأثيره تجعل أمر التغافل عنه خطأ كبيراً سيدفع الإمام الصادق ثمنه الفادح ولا أرى سبيلاً لمواجهة الخطر الذي يتهدد الحزب جراء تحركات مبارك بين قواعد وقيادات الحزب في غياب ابن عمه الصادق المهدي إلا بأحد أمرين: إما عودة الصادق المهدي ليس لمواجهة تأثير الحراك المباركي الخطير فحسب إنما كذلك لقيادة المعارضة الداخلية التي تحتاج إليه كثيراً وإما النظر بعقلانية في التعامل مع مبارك الفاضل المهدي الذي سيكسب الحزب كثيراً إذا أخذ الرجل موقعه اللائق في هيكله التنظيمي ووُظِّفت قدراته الهائلة في النهوض بالحزب والاسهام في التغيير . assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة