شروع تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير في تكوين تحالف سياسي عريض (الكتلة المدنية الديمقراطية الموحّدة)، هو تقليد درجت عليه الجبهة الإسلامية القومية أكبر حزب سياسي متحوّل في تاريخ البلاد، فاعتاد عرّابه الراحل الدكتور حسن عبدالله الترابي على تجديد يافطته بحسب تقلبات الزمن وبناءًا على (فقه الضرورة)، بدأ بالإخوان المسلمين وجبهة الميثاق الاسلامي فالجبهة الاسلامية القومية ثم المؤتمرين الوطني والشعبي، ولو علم المرحوم حفيد النحلان أن انسلاخ الأفعى من جلدها لا يكبح سهام سمومها القاتلة، لما فعل ذلك، لأن جماعته وبعد كل هذه التحوًلات والتبدلات ما زال الناس يستحضرون سيرتها الأولى – (الاخوان المسلمين)، تلك الوصمة الراسخة كالوشم على جلود الموالين لهذا التنظيم عبر السنين، واعتباراً بتجربة (الاخوان) في مضمار تغيير المسميات مع إبقاء جوهر الضلال القديم، يكون من المستحسن أن لا يشغل رموز مركزية الحريّة والتغيير أنفسهم بالقشور، وأن يعملوا على مراجعة الأخطاء الجسيمة لتحالفهم (البائد)، وأن يندموا على مافات من ارتكاب المعاصي الوطنية، ويعقدوا العزم على عدم العودة إلى ما مضى من خطايا دفعت العسكر للانقلاب على سلطة الشعب، فإن كانت هنالك ثمّة موعظة حسنة واجبة الإرسال إليهم، فهي ضرورة التضامن (الصادق) مع مشروع الثورة ديسمبرية المجيدة. اتخذ المقاومون خطوة جريئة وذكية عند تأسيسهم لمشروع سلطة الشعب، وذلك بعدم التعامل مع التحالفات السياسية أيّاً كانت، واعتماد التواصل مع الأحزاب بكياناتها المعلومة، وفي هذا إشارة صريحة لابتعاد هذه التكتلات المؤقتة عن صميم القضية الوطنية المركزية، وذوبانها السريع في ميدان العمل النضالي الجسور، وانعدام تماسكها وافتقارها لمقومات الصمود أمام عواصف الدكتاتوريات العسكرية، فبنيان بيتها أهون من هوان بيت العنكبوت، فبهذه الخطوة يتحمل الحزب مسؤولية دخوله في أي التزام وتعهد مع الثوار، وبذا لن تكون هنالك شمّاعة (بيت العُزّاب) الذي ينفض سامره بمجرد خروج قاطنيه، ونسبة لتراكم تجارب خيبات الأمل والإخفاقات بين هذين التيارين – التيار الثوري والتيار السياسي – عبر الحقب المعاصرة للدولة الحديثة، فقد ثبت بما لا يدع مجالاً للتشكيك أوالظن أنهما خطّان متوازيان لا يلتقيان، فمنذ الديمقرطية الأولى ذات العامين خرجت القوى السياسية القديمة عن خط الاتساق مع الأجندة الوطنية، بلعب دور التيس المستعار – المّحلّل – الممهد لإحكام العسكريين الخناق حول عنق سلطة الشعب، تماشياً مع مدلول المثل التقليدي القديم أيضاً (التكرار يعلم الشُطّار) فقد استوعب ثوار ديسمبر الدرس، فأغلقوا الباب الذي تأتي منه رياح وأعاصير التآمر والتكالب. إذا كان تحوّل الحرية والتغيير إلى ما يسمى بالكتلة المدنية هو مجرّد انسلاخ من الجلد القديم، لن يقدر هذا التحالف الجديد على إحداث اختراق في أفق الانسداد السياسي، ولوكان ذلك رغبة صادقة من رموز القوى الحزبية القديمة – الطائفية والأيدلوجية – فعليها إجراء عمليات جراحية قاسية على جسد مشاريعها البالية التي تجاوزها الزمن، فلم يعد جيل اليوم هو ذلك الجيل الذي يهلل ويكبر بلا وعي، ولم تعد كنداكات هذا الزمان ممن يتلين آي الذكر الحكيم دون هدىً ولا مفسّرٍ معتدل للكتاب المبين، وحولنا من سير وأخبار الشعوب الناهضة من حضيض السقم القديم لعبرة، عسانا أن نجد عندها صالتنا – السودانوية – المفقودة بسبب الظلام الذي ورثناه من تعاليم وطلاسم الكتب المستوردة من العراق والشام ومصر والاتحاد السوفيتي، لقد آن الأوان لأن نستطعم منتجنا الوطني الخالص، ونلوذ بالفرار من جرب مشاريع الصرف الصحي هذه – وهي أسفار الإخوان المحمولة جواً من مصر، والاصدارات العروبية لناصر والأسد وعفلق، ومذكرات الحزب الأحمر القادمة من موسكو – المشاريع التي ظل يبشر بنبذها الأستاذ عادل الأمين – فلن يحك جلودنا التي نريد أن نبدّلها بالمسميات والعناوين الرنّانة، والتي نسعى لتغييرها بمسوحات مراهم تفتيح البشرة، غير أظافرنا، وعلينا باعلان شركة الاتصالات السودانية (سودن شبكتك وخليك سوداني).
اسماعيل عبدالله [email protected] 8 اكتوبر 2022 عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق October, 06 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة