منذ التراجع التكتيكي الاول ، الذى قامت به القيادات العسكرية التى كانت تابعة للنظام حتى لحظات سقوطه تحت ضغط الشارع بالملايين التى خرجت فى كل انحاء البلاد، وكانت نتيجته الجلوس الى التفاوض مع تلك القيادات بافتراض انهاانضمت الى ركب الثورة ، استمرت هذه القيادات تبرهن فى كل تحركاتها بانه انضمام تكتيكى . وهو ما داومت عليه كل القيادات العسكرية التي استولت على حكم البلاد فى اغلب فترة مابعد الاستقلال ، أى تغيير التكتيكات دون استراتيجية الا فيمايخص المحافظة على كراسي الحكم ! ولأن حديثنا هذه المرة ينصب على المنعطف الخطير الحالى الذى تمر به ثورة ديسمبر المتفردة ، فاننا ننوي التركيز على ملاحظة التغيير الذي حدث ويحدث من القيادات العسكرية المشاركة فى الحكم حاليا والذي يبرهن بمالايدع مجالا للشك بانها قلبا وسيفا مع النظام القديم ، وان معاركها المشتركة مع الثورة تحدث فقط تجنبا لعودة الانقاذ ، التى ان عادت فستبدا انتقامها بمن تعتقد انه خانها وبالتالى كان سببا فى فقدان جنة نعيم الفساد التى سادت بمشاركتهم الى ماقبل لحظات السقوط . اولا : من الادلة الدامغة على ماذهبنا اليه ، هو المحاولة الاولي للانفراد بالسلطة من قبل اللجنة الامنية حين رفضت الجلوس الى المفاوضات مع ممثلى قحت الاولى ، ثم عادت كما ذكرنا تحت ضغط مليونيات 30 يونيو الاولي . وبرغم ان ذلك الضغط الجماهيرى كان من الممكن ان يستغل بمواصلته من قبل القيادات للوصول الى الحكم المدنى التام ، اذ كان واضحا من ماضى اللجنة الامنية كجزء من اصل النظام الانقاذى اضافة الى ان الحس الجماهيرى قد دلهاعلى الرغبة الكامنة لدى القيادات العسكرية على الانفراد بالحكم، الا ان بعض قيادات قحت ، التى تحققت اهدافها النهائية بسقوط رؤوس النظام ، لم تكن ترغب فى استمرار الثورة كثورة ، وذلك تكرارا لنمط اكتوبر وابريل مبررة موقف الاتفاق بتقاسم السلطة مع القيادات العسكرية ، على انه درء لمخاطر اندلاع حرب اهلية . وعلى اى حال ونتيجة لظروف ماحدث فقد كانت النتيجة انتصاراً جزئيا لكل من المكونين المدنى والعسكرى. ثم حدث ماحدث بعد ذلك من المكون العسكرى بمشاركته ، المعترف بها من الناطق الرسمى باسم مجلسه العسكرى ، فى فض الاعتصام بتلك الطريقة الهولاكية وهو قائم امام قيادة الجيش ، و بفصل من دافع عن جماهير الاعتصام قبل ذلك الفض ! ثانيا : المحاولة الثانية كانت لتلميع احد القادة العسكريين الذين لم ينالوا تعليما ولا تدريبا عسكريا ، غير ان خدمته المقدمة لدى رئيس نظام الانقاذ حتى على القوات المسلحة الرسمية المؤدلجة وقوات الدفاع الشعبى " ست الايديولوجية " وقوات الامن الاخرى ، هى التى وضعته فى ذلك المكان المتقدم .واستطاع، بذكاء يحسد عليه ، وربما ايضا لمعرفته ببواطن النظام الانقاذى، ان يلمح قرب نهايته ويعلن انحيازه للثورة الظافرة . وجاء موفد الاقليم حاملا خطاب التعيين والتهنئة ، ولكن جماهير الثورة فاجأت كل الدنيا بخروج ملايينها مطالبة بالمدنية ، فماكان من مندوب الاقليم الا ان طوى اوراقه مع خيبته ،ورجع الى وطنه الجديد يتمطى ! ثالثا : بين هذا وذاك وذلك استمر الضغط من المكون العسكرى على جماهير الثورة من خلال كبت كل مايوحى بان ثورة متفردة بشهادة التاريخ والعالم قد حدثت : فالانقاذ موجودة بشخوصها داخل وخارج البلاد ، فيماعدا البشير وكبار قادته الذين لم يجدوا سبيلا للانحياز للثورة . شخوص الانقاذ ظلوا موجودين فى اعلى المراتب فى الدولة وفى المصارف وفى القوات المسلحة والامنية الاخرى وكذلك فى المجال لاقتصادى والمالى ..الخ كبار قادة الانقاذ فى السجون ياكلون ويشربون ويفعلون اغلب ماكانوا يفعلون وهم يحكمون بمستوى يقترب من المستوى السابق ويشتكون من عدم التكييف ! وكانت تلفوناتهم المحمولة بحوزتهم حتى وقت قريب ، بينما لم يصدر حكم على كل مامارسوه من قتل وتعذيب يشاهده الناس على شاشات التلفزيون المحلية والاجنبية وباعترافاتهم ايضا المنقولة على شاشة العربية وغيرها. يتلكا المكون العسكرى ، مع " صهينة " المكون المدني ، فى اكمال مطلوبات الانتقال من مثل تكوين المجلس التشريعي والمفوضيات القومية فى مجال القضاء وغيره وتكوين لجنة الاستئنافات التى طالبت بها لجنة التفكيك من ذاتها ، ليظل امر التشريع، الذى لايتم عمليا ، بيد المجلسين المتلكأ و" المصهين "! الضغوط الحياتية بقفل كل صنابير تحسين الحالة الاقتصادية بعدم تسليم الشركات العسكرية العاملة فى مجالات تنموية لاتمت باى صلة للمجال العسكرى ، اللهم الا اذا اعتبرنا مجال النهب جزء مكمل لعملها ! وبرغم مايعانيه الشعب ، بما فى لك عسكر الصف وصغار الضباط من ضنك اعترف به البرهان فى خطابه بعد الانقلاب الكاشف ، الا ان الشرفاء من الجنود هم من ابطل الانقلاب والشعب ظل يردد هتافه " الجوع ولا الكيزان ". برغم كل هذا ظل المكون العسكرى، المتمثل فى القيادات المذكورة الزاعمة تمثيل كل المؤسسات العسكرية فى " انحيازها " للثورة ،ظل مصرا على هذا الزعم الى ان جاء الانقلاب الكاشف ليبين للناس خطل تلك المزاعم مرة والى الابد لكل من القي السمع وهوشهيد . والادلة تترى كل يوم من تصريحاتهم وافعالهم بقصد وبدون قصد : بدأ الامر بتصريحات رئيس ونائب رئيس مجلس السيادة حول الانقلاب واتفاقهما،رغم اختلاف المكان والزمان الذين صرحا فيهما، بان السبب اوالمسبب الرئيس للانقلاب هو بفعل ،وبالاحرى عدم فعل ، المكون المدنى في مايخص الاقتصاد ومعيشة الناس، وذلك حتى من غير الشجب اللفظى لفعل الانقلاب ومن قاموا به ! اشتراط عزل السيد محمد الفكي ، عضو السيادى عن قحت ورئيس لجنة التفكيك بالانابة ، للجلوس مرة اخرى مع المكون المدنى للتفاكر حول مجرى الامور بعد فشل الانقلاب الكاشف ! التردد فى موضوع تسليم رئاسة المجلس للمدنيين بأقوال متضاربة ولكنها تعكس عدم الرغبة فى تنفيذ امر متفق عليه بالوثيقة الدستورية . فمرة يقال بانه امر لم يحن وقته برغم انه ، حسب الوثيقة ، كان توقيته مايو الماضى ، وباضافة السنة التى يفترض انها قد زادت الفترة الانتقالية نتيجة اتفاق جوبا ، يصبح تاريخ التسليم هو نوفمبر القادم .ومرة يقال انه سيتم مع الاحتفاظ ببعض المهام الامنية لتسلم للحكومة المنتخبة . ومن الحقائق العجيبة التى ادلى بها عضو لجنة التفكيك وجدى صالح حول قرارات الدائرة القضائية بالغاء قرارات لجنة ازالة التمكين مع التركيز على الذين تم فصلهم كممكنين من النظام السابق . وقد وصفت الحقائق التى اوردها الاستاذ وجدى بالعجيبة لأنها تدل على من وما وراءها بوضوح كامل . فهو يقول انها صدرت من رئيس تلك الدائرة الذى صرح من قبل على رؤوس الاشهاد بانهضد قانون تكوين لجنة التفكيك (!) وانهم طلوا منه كتابة التنحى عن المنصب ولكنه لم يئابه بالرد (!) وانه اصدر قراراته المذكورة من غير ان يطلب حيثيات قرارات الفصل (!) ..الخ من الاعاجيب التى لم تحدث حتى فى عصر الاعاجيب الانقاذى . فاذا ربطنا هذا بعدم رغبة المكون العسكرى فى الدعوة لانعقاد المجلسين خلال ستة اشهر من الطلبات المتكررة للجنة من خلال رئيسها المناوب محمد الفكى ، فهل يعد هناك شك تتناطح عليه عنزان ، بان هذه الحقائق دليل دامغ على العلاقة بين الانقلاب ومن فعل كل ذلك ؟! اذا اضفنا الى هذه الحقائق البينة بعض التحليلات الذكية من بعض العالمين ببواطن الامور من امثال القائد العسكرى السابق صلاح كرار والذى اوردته فى مقالى السابق والتحليل الاخير لأحد المواطنين الذى يربط فيه بين الاحداث " الارهابية " الاخيرة وبين حلقة ثانية من المحاولة الانقلابية الفاشلة ليتوقع احداثاً جساماً تفتعل لتهيئة الجو لأعلان حالة طوارئ تؤدى فى نهاية الامر الى استلام العسكر للسلطة ، تعبيرا عن رغبة محلية واقليمية ملحة ، علها تكون المحاولة الناجحة !أفلا يكون لهذه الاضافات دور فى اثبات ما اصبح لايحتاج الى الكثير من الادلة . هذا ماكان من امر ماقام به الانقلاب الفاشل من كشف لنوايا المكون العسكرى من حيث اراد ان يبرهن على ماظل يردده من رغبة فى استكمال الفترة الانتقالية التى تؤدى فى نهايتها لتسليم السلطة الى حكومة منتخبة ، وان يكون من ضمن ماتستلمه الشرطة وجهاز المخابرات ، وكأن المكون العسكرى هو المنتخب برغم ان من يقولون هذا هم من اصل النظام الذى جعل كل المؤسسات العسكرية فى موضع الشك، وان من يطالبون بضمها هم من ولاهم الشعب الثائر مهام حكومته بمافيها من مؤسسات امنية واقتصادية ! سنتطرق فى مقال لاحق ، ان شاء الله ، الى دور الانقلاب فى كشف بعض اجزاء المكون المدنى ايضا ، مع محاولة استقراء ماسيؤدى اليه هذا الانكشاف سلبا وايجابا على كامل الوضع فى سودان الثورة ، بما فى ذلك العنصر الخارجى اقليميا ودوليا .
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 10/08/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة