يبدو أن الأزمة السودانية الحالية المتمثلة في التصعيد الخطير بين الجيش السوداني ومليشيات قوات الدعم السريع ليست إلا قمة جبل جليد قاعدته توتر إقليمي على خلفيات أزمة سد النهضة؛ فبينما يبدو أن حسابات قائد الدعم السريع الجنرال محمد حميدتي مرتبطة بدعم المصالح الأثيوبية، فإن قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان يجد في توثيق العلاقات العسكرية مع مصر كبحالتهديدات قوات الدعم السريع بتغيير التركيبة الجيوسياسية للدولة السودانية. ولعل الإشكالية الماثلة في ظل تعقيدات المشهد السياسي السوداني وبعض النظر عن نظرة كل من الجنرالين، بدت في مقارنة عبثية بين الجيش الوطني ومليشيات الدعم السريع؛ فليس الجيش وهذه المليشيات غريمين وفي كفة واحدة، لأن الجيش السوداني قائم منذ نحو 80عاما وعلى أسس وطنية وبينما الدعم السريع قوات جهوية حديثة وغير مهنية انشأت في ظرف سياسي ملتبس إبان فترة حكم النظام السبق بقيادة الرئيس عمر البشير لمقاومة الحركات المسلحة في دارفور. ويفترض أن النطاق الجغرافي للدعم السريعمحدد ولا علاقة لها بالعاصمة أو الشمال او الشرق او الوسط. وتمثلت الأزمة الأخيرة في تحركات لقوات كبيرة من الدعم السريع نحو أقصى شمال البلاد وتمركزها بالقرب من مطار مروي الإستراتيجي بدون إذن وعلم الجيش وفقا لبيان أصدره الجيش. ويبدو أن حميدتي يسعى إلى فرض أمر واقع في مروي لتحسين موقفه التفاوضي بشأن دمج قواته في الجيش، والاستثمار في حالة التوتر بين الأوساط الشعبية المصريةوالسودانية وتركيز الأضواء على وجود مصري عسكري في القاعدة العسكرية بمروي، باعتبار ذلكتدخلا أجنبيابموافقة قائد الجيش. في ذات الوقت لم تزل القوى السياسية والمكون العسكري "الجيش وقوات الدعم السريع"، بدون اتفاق على موعد جديد لتوقيع الاتفاق السياسي النهائي. بيد أن الأمر الجديد اصطفاف بعض القوى السياسية بجانب حميدتي لأسباب تكتيكية وربما لإملاءات خارجية. وتعتبر قوات الدعم السريع تابعا للجيش لكن هذه التبعية بدت نظرية إذ كانت لها مقتضيات لتصبح عملية وهذه المقتضيات تتمثل في اقرار وتنفيذ عملية دمج كلية وممنهجة. وواضح أن هذه التبعية النظرية هي الهامش الذي يتحرك ويناور فيه حميدتي لأجل اكتساب مزيدا من السطوة والجبروت والتأثير على مجريات السياسة استنادا لقوته العسكرية والاقتصادية. لكن العلاج الجراجي المكلف فإن الجيش قد يقوم بعمل عسكري إذا أضطر إلى ذلك وإلا تنتفي مشروعيته لكن من الافضل أن يتم استنفاد الوسائل السلمية بما في ذلك اعتقال قيادات الدعم السريع ومحاكمتها بتهم تهديد الامن القومي. وتشهد ولايات غرب دارفور اشتباكات قبلية ربما أكثر حدة مما كان عليه الأمر في عهد نظام البشير، مما دفعبالسلطات لفرض حالة الطوارئ بالإقليم. ولو اهتم القادة العسكريون في الدعم السريع والحركات المسلحة بأمر إقليم دارفور بعد سقوط النظام السابق، لاستقرت أوضاعه، خاصة أن اللوم كان دائما يقع على النظام السابق في مسألة تفاقم الأزمة. وقد أتاحت اتفاقية سلام جوبا الموقعة في أكتوبر 2020 تعيين حاكم لدارفور، وهو زعيم كبرى الحركات المسلحة، وكان من المأمول أن يسهم بالفعل في وضع نهاية لأزمة دارفور.
وتشير نتائج الوساطات التي جرت حتى الآن بين الجيش والدعم السريع إلى أن قائد الجيش الجنرال البرهان قد اشترط انسحاب قوات الدعم السريع من مروي وعدم تحركها إلى أي منطقة في البلاد، إلا بعد موافقة الجيش كما ينص قانونها، ووضع جدول زمني لدمجها. بينا قيل أن قائد الدعم السريع طرح على الوسطاء 5 شروط لتسوية الأزمة، تشمل السماح لقواته باستكمال إنشاء قاعدة جوية خاصة بها قرب مثلث الحدود السودانية المصرية الليبية، وإحالة مئات الضباط في الجيش والشرطة والمخابرات إلى التقاعد، وإقالة وزير الداخلية المكلف، وتشكيل لجنة مشتركة لدمج الدعم السريع في الجيش خلال 10 سنوات، على تتبع إلى القائد العام للجيش وليس لهيئة الأركان، وتسريع التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي. ومما يؤكد العلاقات الخاصة التي تربط قائد الدعم السريع بأثيوبيا،ليس الاستثمارات الضخمة التي منحتها له أثيوبياللتنقيب عن الذهب بحر دار فحسب، وإنما تلك الزيارات والتحركات السياسية المتبادلة طيلة السنوات الماضية، حيث سعى حميدتي في ديسمبر الماضي لإعلان اتفاق تسوية بين السودان وإثيوبيا دون مصرحول قضايا سد النهضة الإثيوبي المثير للجدل والخلاف بين مصر وأثيوبيا عى وجه الخصوص، وتم لقاء بين حميدتي ووزير الخارجية الإثيوبي في الخرطوم. بينما سبق ذلك لقاء ومحادثات بين الوزير الإثيوبي، مع ورئيس مجلس السيادة الجنرالالبرهان ولم يعلن عن مثل هذا الاتفاق. بينما الموقف السوداني الرسمي هوضرورة التوصل إلى اتفاق فني ثلاثي ملزم حول إدارة وتشغيل السد الإثيوبي. ولاحقا وفي محاولة لتدارك الجدل الذي أثاره ذلك الاتفاق، أصدر حميدتي، بياناً قال فيه أن "التوصل لاتفاق في شأن سد النهضة ينبغي أن يضمن حقوق مصر والسودان وإثيوبيا في حصص نهر النيل". يشار إلى أن التوتر بين أثيوبيا والسودان حول نزاع أراضي الفشقة، والذي وصل حد الاشتباكات العسكرية ونجاح السودان في تحرير نحو 95 % من تلك الأراضي الفشقة، لم تشارك فيه قوات الدعم السريع في قتال القوات الأثيوبية وأعتذرحميدتيعن مشاركة قواته مع الجيش السوداني. وتعتبر الخرطوم الفشقةاراض سودانية محتلة بواسطة اثيوبيا في منطقة الفشقة منذ 25 عاما. من جهتها تعتبر مصر أن إثيوبيا تسعىلتفكيك الحلف المصري السوداني، الرافض لسياسات إثيوبيا بشأن السدالتي أنها متعنته وترفض إبرام أي اتفاقات قانونية ملزمة بشأن ملء وتشغيل السد مع دولتي المصب (مصر والسودان). وجرت مناورات عسكرية عديدة بين الجيشين المصري والسوداني خلال السنوات الماضية بالإضافة لتمركز طائرات مصرية في مطار مروي شمال السودان.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق April, 14 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة