عاش السودانيون ردحاً من الزمن ببلدان العم سام، فلم يروا جيوشاً جرّارة تجرجر اذيال ناقلات الجنود المجنزرة بالجنازير الثقيلة الضجيجة داخل المدن، كل ما في الأمر أن هنالك وجود لاجهزة شرطية حديثة مواكبة لطفرة التكنولوجيا ترصد دبيب الصرصور في النفق المظلم، وهناك الكل يهاب الدولة الممثلة في نسقها الأمني والشرطي العادل المساوي بين الفقير والغني، لا تتأخر النجدة اذا استنجد بها احد وكذلك سيارة الاسعاف، في بلاد (الكفار) لا ترى هرولة لاعداد المصلين الراكضين صباح مساء نحو ابواب المساجد، لكن بالمقابل تجد النخوة والايثار وفزعة المغروض والتكافل والتراحم، انها القيم والمثل والاخلاق المفتقدة لدى جموع الصادعين بكلمة الحق نفاقاً او مداهنة للحاكم، عبر فوهات مكبرات الاصوات في الاسواق والطرقات، فالموازين الاخلاقية لدينا مقلوب رأسها على عقبها، ترى القتل والسحل اليومي والساحل والقاتل طرف حكومي والمسحول والمقتول مواطن يكابد شظف العيش، كيف يحقق رأس الدولة هيبة الدولة والدولة هي الراعي الرسمي للمليشيات غير الشرعية المدججة بالسلاح؟. الخائف لا يستطيع توفير اسباب الأمن لا لنفسه ولا لغيره، بحكم أنه فاقد للأمان الشخصي، والحكمة البديهية التي لاكها الصغار والكبار تقول: فاقد الشيء لا يعطيه، فمن يرجو من الذين تسربلت اذيالهم بشوك (الحسكنيت) نفعاً، عليه أن يبدأ رحلة البحث عن مخرج آخر، فكل الذين يتصدرون المشهد العسكري والمدني وراءهم اكف مرفوعة بدعاء المظلوم، واياد صابرة ممسكة بحبال الصبر المؤدي للقصاص الحتمي، وهؤلاء المدنيون المسلحون والعسكريون ليس لديهم ما يقدمونه لأمن ومعاش المواطن الكادح، لأنهم لا يمتلكون الارادة الوطنية، ومما يدعو للاستغراب سيرهم القذة حذو القذة على طريق كبيرهم البائد، بأن كرروا نفس الشعارات المملة الرافضة للتدخل الاجنبي، في نفس الوقت الذي فتحوا فيه البلاد على مصراعيها لدخول هذا الاجنبي، فالمقيد والمكبل بالاجندة الاقليمية والدولية غير مؤهّل للعب دور البطل القومي، لأن الضعف والهوان يبين عندما تمتعض المحاور الاقليمية او حينما يغضب الرئيس الامريكي جو بايدن، فتراتيبية السلطة الوطنية القادرة على قول كلمة لا، تبدأ بعد إزالة آثار النظام البائد وبناء نظام جديد على ركام القديم. حجر الزاوية في تحقيق هيبة الدولة هو العدل، فالحاكم غير العادل لن يقدر على وضع طوبة واحدة في اساس الدولة المرهوبة والمعمول لها الف حساب، عندما يكون ظالم لنفسه قبل غيره، فالعدل اساس الحكم، والحاكم الناظر للناس من ذات بعد المسافة الواحدة، هو الحاكم القادر على بسط هيبة الدولة، أما أمير القوم الذي يعمل بنظرية الخيار والفقوس في تقريب هذا وابعاد شقة ذاك لا تحلموا في ظله بدولة مهابة، وسوف تتقاذفكم الأمم يمنة ويسرة وتذهب ريحكم وتصبحوا كمن حرث البحر، وما نشهده من تشرزم وتكتل واصطفاف جهوي وعرقي وطائفي وسياسي، هو نتاج لموت العدل بطبيعة الحال، وحشد المسلحين بالمدن لا يزيد الحال الا سوء وتدهور واضمحلال، بعسكرة الحواضر وتحويلها لثكنات للجنود ليصبح الناس ويمسوا وفي وجوههم المدفعية الثقيلة المحمولة على سيارات الدفع الرباعي، مثل هذا المسرح الحربي العبثي لا يبشر بخير، ولا يعد السكان بقرب انفراجة الضيق الذي اعترى عنق الزجاجة، وانما يؤشر على بلوغ السيل الزبى واحتمالية حدوث ما لا يحمد عقباه وتفجر البركان الذي ما يزال يفور ويمور. اللاعبون في ميدان السلطة الآن، هم اناس عرضيون وطارئون وليسوا أصلاء، والظروف الاستثنائية التي اتت بهم معلومة للجميع، والعَرَضْ في عرف الاطباء يكون ملازماً للمرض، ولا يبارح جسد المريض الا بعد استئصال وعلاج ومداواة الداء، ولو هدى الله هؤلاء اللاعبين مدنييهم وعسكرييهم فافسحوا الطريق أمام حكومة كفاءات وطنية مستقلة غير حزبية ولا عسكرية، تنتشل البلاد من وهدة الظلام وانعدام الرؤية وانغلاق الافق، تكون هذه الطغمة المزدوجة الطامحة في الحكم بلا شرعية، قد اسدت معروفاً للوطن وقدمت جميلاً يزين صدر محافل الجيل القادم، فبحكم متوسط عمر الانسان السوداني والاعمار بيد الله، انّ جل اللاهثين تحت ارجل كرسي الحكم اليوم قد ازفت ساعة رحيلهم، فهلّا تركوا للشباب المجال ليرسموا لوحة الوطن الذي حلموا به؟.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة