لسنا في حاجة لتوضيح ما هي طبيعة الصراع الدائر الآن في السودان بعد سقوط الطاغية عمر البشير. الصورة تبدو واضحة، قوى الحرية والتغيير تدعم رئيس مجلس الوزراء د. عبدالله حمدوك، الذي يتحلى بعفة اللسان ونظافة اليد وإختارته رباناً لسفينة الفترة الإنتقالية، وتطالب العسكر الإلتزام بالوثيقة الدستورية بإعتبارها حاكمة وموجهة لمؤسسات الفترة الإنتقالية وتسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين الشهر القادم، وبذلك تكون الدولة السودانية قد وضعت في المسار الصحيح، بوضع الحصان أمام العربة، بدلاً من الوضع الغلط الذي وضع العربة أمام الحصان لمدة ناهزت الثلاث عقود وحوّل الشعب السوداني إلى رعايا أو بالأحرى "قطيع" بأسم الدين بدلاً من مواطنين لهم حقوق وواجبات متساوية في نصوص الدستور والواقع المعاش، بينما العسكر والمتحالفين معهم، سارعوا إلى وضع العراقيل، بتحريك ترك في شرق السودان بغلق ميناء بورسودان وفي غرب كردفان قاموا بمحاولات لوقف ضخ النفط، وفي الشمال عطلوا حركة القطار، للحيلولة دون وصول قطار الثوار وفي مناطق أخرى خربوا أعمدة الكهرباء والهاتف وتوجوا كل هذه الأفعال البائسة بتنظيم إعتصام القروش والطحينة والموز أمام القصر الجمهوري، جلبوا له مكونات ما قبل الدولة، من قبائل وطوائف وجماعات بدائية بعد أن دفعوا لهم من مال الشعب السوداني الذي حازوا عليه بغير وجه حق، بجانب المال الملوث بدماء الضحايا جراء متاجرتهم بدماء أبناء الشعب السوداني في حرب اليمن وليبيا، الآن يستخدمون تلك الأموال لإعاقة مسار التحول الديمقراطي بشراءهم لضعاف النفوس والجهلاء والإنتهازيين. لكن وعي الشعب السوداني، وتصميمه على بلوغ مرحلة التحول الديمقراطي، تجلى في مسيرات ذكرى ثورة إكتوبر المجيدة، الخميس الماضي ٢١/١٠/٢٠٢١، وأظهر ثقافة مجتمع الدولة، في أروع حللها، وقطع الطريق على المتآمرين الذين يحاولون جر الدولة السودانية وشعبها وثورته العظيمة إلى الوراء، إلى عهد القبلية والجهوية والطوائف ليكون الشعب السوداني مجرد رعايا وقطيع، يتحكم في حاضره ومستقبله شلة من الطغاة والفاسدين والإنتهازيين وقادة المليشيات وتجارالحروب. إذن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل المعطيات الراهنة تسمح بإنقلاب عسكري.؟ الإجابة على هذا السؤال تبدو واضحة لا لبس فيها، الإنقلاب لن يحدث حتى ولو تمناه وخطط له هؤلاء المتآمرون لأنه سيكون بمثابة مغامرة يائسة وبائسة مصيرها الفشل المحتوم. البرهان لن يستطيع أن يعلن إنقلاب، وكذلك حميدتي، وترك وجبريل ومناوي، والتوم هجو ومبارك أردول، ومبارك الفاضل، وعبدالله مسار كل هؤلاء ضعفاء. وضعفهم ناجم عن ما قاموا به من عبث وفوضى وتنمر .. هذه الأفعال لن تحقق لهم آحلامهم، لأن موازين القوة بعد الثورة، ليست هي موازين القوة، قبل الثورة. عناصر القوة بعد الثورة ليست السلاح، ولا العنف اللفظي، ولا التهريج والتهديد. المرحلة تحتاج لتفكير وأدوات جديدة لحيازة القوة وكسب الرأي العام. القوة في المرحلة الراهنة، هي إحترام إرادة الشعب السوداني، وبناء جسور تواصل مع كافة شرائح المجتمع، والتعاطي المرن مع الواقع القائم بكل تعقيداته ومعضلاته وتطلعاته ويواكب التحول الكبير الذي شهدته البلاد. هذا لن تحققه لغة العنتريات التي يبذلها شلة إعتصام القصر. هؤلاء عليهم أن يصحوا ويدركوا طبيعة المتغيرات الحالية وآفاقها. عمر البشير وحاشيته الفاسدة ما عاد لهم دور في الساحة السياسية السودانية بعد ثورة ديسمبرالمجيدة التي دفع ثمنها الثوار والثائرات أرواحاً ودماءاً ودموعاً. القوة الحقيقية الآن هي إظهار صحوة وطنية حقيقية يجسدها خطاب سياسي مرن يعزز تماسك النسيج الإجتماعي ويعمق المشتركات الوطنية ويساهم في ترسخ نظام سياسي ديمقراطي يفتح الباب واسعاً على مصراعيه أمام الجميع. إذن بهذا الفهم لغة التهديد والتنمر والإنقلاب على الثورة، تعبر عن عقلية الإنسان الذي إختار حل السنون بدلاً من حل الأيدي، أو ركوب الحمار لاداء فضيلة الحج، بدلاً من ركوب الطائرة في القرن الواحد والعشرين. وما أكثر القادة والساسة في هذا العصر الذين إختاروا ركوب الحمار بدلاً ركوب الطائرة، مما جعل دولهم غارقة في وحل التخلف والظلام والإستبداد والحروب، بدلاً من الأمن والإستقرار والتقدم الذي لن يتحقق إلا بإحترام إرادة الشعب وإلتزام الديمقراطية خياراً للتدوال السلمي للسلطة والتوزيع العادل للثروة. ما أكثر العبر .. لكن ما أقل الإعتبار..! لو فضلنا أن نعتبر، فالحل الأسلم والافضل والأقل كلفة والأسرع خطى نحو بناء دولة المواطنة والقانون والمؤسسات وتحقيق النماء والتطور والرفاه الإجتماعي، هو العودة إلى جادة الصواب وإحترام العهود والمواثيق بين قوى الحرية والتغيير والشق العسكري خلال الفترة الإنتقالية. وخروج البرهان ومجلسه المتآمر من المشهد الحالي، ومجيء شخصيات عسكرية أكثر إحترافية ومهنية وإستقلالية حفاظاً على وحدة السودان وإستكمال خطوات التحول الديمقراطي. هذا هو المخرج الآمن من الأزمة الحالية التي إفتعلها وخطط لها البرهان. أي محاولة غير ذلك ستكون بمثابة تحرير شهادة وفاة للجهة التي تذيع البيان. الطيب الزين
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 10/23/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة