مؤكد أن للأوطان في دم كل حرٍ يدٌ سلفت ودينٌ مستحق، ولوطننا الحبيب مديونية مليونية متضخمة ومتراكمة مستحقة على بناته وبنيه الثوار الأحرار السائرين على درب اكمال مشوار التحرر والانعتاق من براثن الدكتاتوريات العسكرية، لذا، على الثائرين أن لا يساوموا، وأن لا يهادنوا، وأن يقاوموا الطغيان ويلفظوه بكل اشكاله وجميع أنواعه مهما علا شأن الطغاة والجبابرة، فالقرار الأخير يكون للشعب صاحب الكلمة الفاصلة والضحكة الأخيرة، ولم يعد هنالك مجالاً للتردد والمراوحة بين اللونين الأبيض والأسود - لون الانقلاب العسكري ولون الحكم المدني، فقد فارق الدنيا عهد الظلام الذي تحاول لجنة الدكتانور الأمنية ارجاع الناس إليه وادخالهم في اتونه عنوة، بوقفها لخدمة الانترنت في عالم اليوم المتنفس للصعداء عبر اوكسيجين الحقوق المدنية، هذه الشبكة العالمية التي سهّلت التواصل الاجتماعي والتلاقح الثقافي والتعاطي السياسي بين شعوب الكون، إنّ أكبر الجرائم التي ارتكبها الانقلابيون القاتل البرهانيون لا تكمن فقط في قتل النفس فحسب، وإنّما تجاوزته لتعيق التواصل بين الناس في دنيا اليوم التي تعتمد على الخدمات الالكترونية، التي لا تقل أهمية من الحق الانساني في الحياة الكريمة. البرنامجان الأوحدان اللذان ظلا يربطاننا ببعضنا بعضا كمجتمعات متجانسة ومتآلفة ومتصلة بمن سبق من الأجيال الماضية، هما برنامجا (أغاني وأغاني) و(نجوم الغد)، وهما البرنامجان الغنائيان اللذين لم يخضعا لرقابة المقص الأمني ولا وطأة البوت العسكري، فقام مقدماهما الاثنان المخضرمان اطال الله في اعمارهما، بربط الجيل المولود بعد العشرية الاخيرة للالفية الثانية بجيل العشرية الاولى من الالفية الثالثة، وكان هذان الرجلان المخضرمان الأصيلين لا تأخذهما رأفة بمن يقدم نفسه امامهما بهزال مهني ملحوظ، كما لا يترددان في صرف شهادة اعجابهما بمن ابدع واطرب فاشجى بعد ان يطلق احدهما تلك الضحكة الشهيرة الصادعة، عندما يوميء بعصاه العتيقة الصامدة في وجه الزمن وامام وجوه المشاهدين، بنظرات حاذقة متسربة من تحت العدسة المقعّرة، هذان الرجلان العجوزان (السر قدور – بابكر صديق) قدما للبلاد مالم يستطع تقديمه العسكر ورجالات السياسة والمال والأعمال، فخلال الست عقود الماضية لم يقدر أي سياسي على أن ينجز ما انجزه الأستاذان - الشاعر والممثل والدرامي والمسرحي القدير، والتشكيلي والناقد الموهوب. لقد آن الأوان لأن يتحرك الثوار من الشرق والغرب والجنوب والشمال، لأن يضعوا حداً للذل والهوان والارتهان للاجندات الوصولية، وأن يستلهموا حكمة الحكماء وشجاعة الشجعان ليقدموا الجاه والسلطان فداءً للوطن، وأن يهبوا المهجة رخيصة من أجل سودان عزيز يرفل بنوه وبناته في نعيم ثرواتهم التي يستأهلونها، فمثلما لهذه الأمة ماض يفاخر به الاجداد كذلك لها حاضر ملهم يصنعه الاحفاد، وعندما تدور دائرة التاريخ المكررة يجب أن يلتقط السيف هؤلاء الابناء البررة، ليسجلوا ملحمة جديدة مستلهمة الطريق من ملاحم الإرث النضالي المشهود، لهذه الأمم غير المنكسرة أمام تدفق المطامع الاقليمية في الماضيين القريب والبعيد، فلله در من سكب المداد حبراً ثائراً لا يخشى في الحق لومة لائم، ولله در الشباب الغض الذي وهب الروح ودفع بها لرفعة الأرض وصون العرض، هذا الجيل الباهر والمبهر الذي لا تعرف الهزيمة طريقاً إلى قلبه، إنهم البنيان المرصوص والمرصوف كاجساد شهداء الوطن الذي شهد على علو مكانته الاعداء قبل أن يشهد بذلك الأصدقاء، لقد اذهلوا العالم بالمشاهد والصور الفدائية المبثوثة عبر اثير المنصات السايبرية، وما تزال الأيام والشهور تتداعى تباعاً في نسق اعجازي عجيب، من اكتوبر ونوفمبر وديسمبر المجيد. لا تساوم لا تهادن، قم وقاوم المنظومة التي اقعدت البلاد لنصف قرن من الزمن، لا تركن للوعود المختبئة وراء الانواط والديباجات الحمراء، لا أحد يحفظ حقك في تحديد نوعية الحكم الرشيد الراسم لملامح اطفالك السمر المصبحون على الفأل الحسن والفرح الجميل المزين لصدرك بنياشين الفوز والنصر الأكيد، الا أنت وهؤلاء الصغار الماسحين لأحزان الأزمنة اللئيمة والأغبرة الكئيبة، البانين والمشيدين للأعشاش العصفورية الناثرة للأفراح الدرية والأرجوانية البهيجة. فقد قاب قوس ودنا قوس آخر فاصل بين أن يكون هذا الشعب أو لا يكون، وبين أن يحيا عزيزياً كريماً أو أن يبقى مهيناً ذليلاً راجياً ومترجياً تحت احذية العابرين، فكل المواكب والحشود والتجمهرات تقول كلمة واحدة، هي لا : لا للردة، لا للنكسة، لا للرجوع الى ظلام يوم الأمس الثلاثيني الطويل الأمد، نعم للديمقراطية والحرية والحكم الرشيد الذي هو ديدن الشعوب الحرة الابية المتطلعة لمعانقة الفجر الجديد الكاشف للغمة والمزيل للزيف والبهتان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة