بعد 3 سنوات عجاف من خروج بريطانيا من منظومة الاتحاد الأوروبي، والمعروف بـ»بريكست»، تصاعدت صرخات الندم داخل بريطانيا بعد وصول اقتصاد البلاد لأسوأ حالاته منذ القرن الماضي، لكن ولات ساعة مندم. وأعلنت مؤسسات دولية وحكومية بريطانية، أن اقتصاد بريطانيا أصبح الأسوأ بين دول مجموعة «العشرين». وأضافت تلك المؤسسات الموثوقة بأن التراجع الذي داهم الاقتصاد البريطاني وأصابه في مقتل، ليس بسبب أزمة كورونا ولا الحرب الأوكرانية، ولكن خسائر بريطانيا نتيجة «البريكست» وهي خسائر أقل بكثير من خسائر الاتحاد الأوروبي. فمنذ أشهر تسجل بريطانيا تضخماً تجاوز 10% وتحركات اجتماعية وإضرابات عمالية غير مسبوقة منذ 10 سنوات خصوصاً في التعليم والنقل العام وحتى منسوبي الجوازات والحدود. اليوم تكشّف للبريطانيين أن نظر حزب المحافظين الحاكم كان قصيراً، حينما وضع الحزب كل بيضه في سلة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ فرهن مستقبل بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي باتفاق تجاري بين بريطانيا والولايات المتحدة على حساب اتفاق خروج آمن وسلس ومجزٍ لكل الأطراف من الاتحاد الأوروبي. وكانت لندن تقترب من صفقة تجارية مع إدارة ترامب السابقة، وقد كان الخصم الشرس للاتحاد الأوروبي وأراد ترامب بهذا الاتفاق أن يحرج الاتحاد الأوروبي ويضعف موقفه التفاوضي مع بريطانيا. غير أن رياح التغيير السياسي في الولايات المتحدة وانتخاب جون بايدن بعد فوزه على ترامب، جاءت بما لا تشتهي سفن حزب المحافظين الذي خطط ودبّر لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد 47 عاماً من العضوية الملتزمة والمؤثرة. وبالفعل نقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن الرئيس جون بايدن أنه لن يوقع أي اتفاقيات جديدة حتى تصبح الولايات المتحدة أكثر تنافسية. وقد كلف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الاقتصاد البريطاني نحو 124 مليار دولار سنويًا، مع آثار تمتد لكل شيء من الاستثمار التجاري إلى قدرة الشركات على توظيف العمال. وبلغ من تشدد رئيس الوزراء البريطاني ورئيس حزب المحافظين الأسبق بوريس جونسون أن أقسم ليتمنّ الخروج من الاتحاد الأوروبي باتفاق أو بغير اتفاق دون تقدير حكيم للعواقب الكارثية بسبب ذلك. بيد أن اتفاقا تمّ إلا أنه مع ذلك لم تسلم بريطانيا من العنت والكبد الذي تعيشه هذه الأيام. وكان خيار مغادرة الاتحاد الأوروبي قد أحدث جدلاً وانقساماً كبيرين في المجتمع البريطاني، إذ صوتت كل من اسكتلندا، وأيرلندا الشمالية على البقاء في الاتحاد الأوروبي. وربح مؤيدو الخروج في 2016 بفارق ضئيل بحجة أن مغادرة الاتحاد ستعيد سيطرة بريطانيا على حدودها. ولعل نسبة كبيرة من المصوتين لصالح البريكست كانوا قد تم تضليلهم بحملات سياسية دعائية بمعلومات تؤكد أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سينعش الاقتصاد البريطاني لكن العكس تماما هو ما حصل. وفي نشوة الانتصار الكاذب بتحقيق البريكست، قال جونسون حينها: «إن بريطانيا ستعيد اكتشاف العضلات التي لم نستخدمها منذ عقود». وظل حزب المحافظين يعزف للبريطانيين على إسطوانة أن الاتحاد الأوروبي لم يعد يتماشى مع أحلام البريطانيين، ويؤكد حتمية الانفصال، ويرى أن مستقبل بريطانيا سيكون أفضل بعد البريكست. لكن هناك قائمة ممتدة لرؤساء الوزراء البريطانيين من حزب المحافظين انتهى مشوارهم السياسي بسبب العقدة الأوروبية والجدل حول استمرار بريطانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي؛ والقائمة ضمت ليزا تراس، بوريس جونسون، تريزا ماي، دافيد كاميرون، جون ميجير، ومارغريت ثاتشر. وها هو ريتشي سوناك رئيس الوزراء الحالي وزعيم حزب المحافظين يصارع أمواج البريكست العاتية، لكن يبدو أنه أول من استوعب الدرس من أسلافه، حيث أقدم على أول خطوة في طريق التراجع. فبعد أكثر من عامين عقد سوناك اتفاقاً جديداً الأسبوع الماضي، بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بشأن أيرلندا الشمالية – وهي جزء لا يتجزأ من المملكة المتحدة - والتبادل التجاري بينها وبين الاتحاد. والاتفاق يمنع وضع قيود على الحدود بين أيرلندا والاتحاد الأوروبي عبر أيرلندا الجنوبية وهي المنطقة البريطانية الوحيدة التي لها حدود برية مع الاتحاد الأوروبي، كما قضى مشروع البريكست بذلك من قبل. ويشير ذلك إلى أن اتفاق البريكست اربك بريطانيا كثيراً وتضمن التزامات لم تستطع الإيفاء بها مثل رسوم القيمة المضافة على بضائعها المصدرة للاتحاد الأوروبي. وتعمد سوناك أن يغير سياسة سابقه جونسون، فاتبع سياسة تصالحية مع الاتحاد عوضاً عن سياسته الهجومية بل والمتعالية. ويأمل سوناك في أن تعيد هذه الصفقة الخارقة ترتيبات التجارة في أيرلندا الشمالية وإعادة ضبط العلاقة الشائكة في كثير من الأحيان بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأن تكون الخطوة الأولى لإصلاح بعض الأضرار التي ألحقها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي باقتصاد المملكة المتحدة. وهذه الصفقة أو الاتفاق تم تصميمه بشكل رئيسي للسماح لأيرلندا الشمالية، وهي جزء من المملكة المتحدة، بالبقاء داخل السوق الأوروبية الضخمة حتى تتمكن من تداول السلع بحرية عبر حدودها البرية مع جمهورية أيرلندا الجنوبية، العضو في الاتحاد الأوروبي. وتقول الإحصاءات إن التبادل التجاري بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، كان كبيراً جداً، حيث بلغت صادرات بريطانيا للاتحاد نحو 274 مليار جنيه إسترليني، وهذا يمثل نحو 44 % من صادرات بريطانيا، بينما تبلغ وارداتها من الاتحاد نحو 341 مليار جنيه استرليني أي نحو 53% من الواردات البريطانية، ويقوم هذا التبادل الضخم بصورة أساسية على الميزات التي كانت تتمتع بها بريطانيا بسبب عضويتها في الاتحاد، ولذا تأتي أهمية اتفاق الخروج لكونه يوفر بديلاً لبريطانيا عقب خروجها النهائي.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق March, 02 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة