الفخر والإعجاب بالذات والتباهي بالصفات الحقيقية والمتوهمة من سمات الشخصية السودانية هذه الشخصية نتاج لتمازج ثقافي عربي افريقي وفي الجينات الوراثية لهذين العنصرين إرث وافر من ثقافة الفخر والتباهي بالاعراق والصفات وغالبا ما يكون هذه الفخر علي الورق وفيه مبالغة ونرجسية ولا يمت للواقع بصلة ومن أمثلة الفخر في الشعر العربي ما قاله عنترة بن شداد وهو يحمل جينات الشخصية السودانية ذات الهجين العربي الافريقي :-
خلقت من الحديد أشدّ قلباً….. وقد بَلي الحديدُ وما بليتُ وفي الحرب العوان ولدتُ طفلاً… ومن لبن المعامع قد سقيتُ وإنّي قد شربت دم الأعادي …. بأقحاف الرؤوس وما رويت
وما قاله الفرزدق :-
أرُوني مَن يَقومُ لكم مَقامي إذا ما الأمرُ جَلَّ عنِ العِتابِ إلى مَن تفزَعونَ إذا حَثَيْتُم بأيْديكُمْ عليَّ مِنَ الترابِ؟
او ما قاله جرير :-
إِنّي إِلى جَبَلَي تَميمٍ مَعقِلي وَمَحَلُّ بَيتي في اليَفاعِ الأَطوَلِ أَحلامُنا تَزِنُ الجِبالَ رَزانَةً وَيَفوقُ جاهِلُنا فَعالَ الجُهَّلِ وفي الادب السوداني الكثير من شعر الفخر الذي لا يخلو من المبالغة
ومنه ما قاله عكير :-
نِحنا إن هجنا تتضلل لِيوث الكرنا جايعات السباع في العوق بتتذكَّرنا نحنا الفوق كراسي المملكة اتحكَّرنا نِحنا أعدانا تثبِت فضلنا وتشكَّرنا
وما قاله حمدان ود حاج:
نِحنا أسود غُوب كَضَبْ البداني وكرنا وما بِكتر سُرورو اللَيهو نِحنا فكرنا شوفتنا القبال تبينا جانا سكرنا نِحنا إن هجنا سبحان من يصفي عكرنا
وما قاله الطيب ود حاج عبد القادر:
أحمر لونو من دم الرجال دُكَّرنا وتتبعنا السباع في رواحنا وإن بكَّرنا وين يجد المجال عازِلناشِنْ أنكرنا تعرفنا الدهور تثبت نبانا ذِكِرنا وقال: محمد خير الدوش: نحنا أسود خُشش كَضَبْ البقول أحقرنا عاليات نفوسنا لى غيرنا تَّبْ ما صِغرنا ويلو عدونا لو فيهو يوم فَدْ غِرنا
وهكذا تشكلت الشخصية السودانية مليئة بالزهو والإعجاب بالنفس وتوهم اشياء لا وجود لها في ارض الواقع ومنها ما نسجته النخبة من انتصارات متوهمة في الاستقلال فهل فعلا نال السودان استقلاله ؟ وهل ما حدث في الأول من يناير هو استقلال حقيقي عن دولتي الحكم الثنائي ام تمهيد لاستغلال جديد لموارد السودان ؟ ما حدث في الأول من يناير ١٩٥٦ هو نتاج لاتفاقية الحكم الذاتي التي ابرمت بين الحكومتان المصرية والإنجليزية في الثاني عشر من فبراير ١٩٥٣ حيث اتفقت الحكومتان علي الاتي :- وقعت الحكومتان المصرية والبريطانية اتفاقات بشأن الحكم الذاتي، وتقرير المصير للسودان. وقعه في 12 فبراير 1953، عن الحكومة المصرية، اللواء محمد نجيب، رئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس قيادة الثورة، وقتئذ. وعن الحكومة البريطانية، السير رالف ستيفنسون، السفير البريطاني في مصر. بعد محادثات اشترك فيها محمد نجيب، صلاح سالم، والدكتور محمود فوزي، وزير الخارجية، وحسين ذو الفقار صبري، والدكتور حامد سلطان، وعلي زين العابدين حسني. ومن الجانب البريطاني، رالف ستيفنسون، والمستر كرزويل، الوزير المفوض بالسفارة البريطانية، والمستر بارور، السكرتير الأول بها، المختص بشؤون السودان. أفضت هذه المفاوضات إلى توقيع إتفاقية الثاني عشر من فبراير 1953، والتي يعتبرها البعض، طفرة في تاريخ العلاقات السودانية المصرية، لأنها جاءت استجابة لعدد من العوامل الداخلية والخارجية التي ظهرت عقب الحرب العالمية الثانية واستقام ميسمها بإنقلاب الثالث والعشرين من يوليو 1952. حيث لا يوجد ممثل للسودان في هذا الاتفاق إنما شكل حلقة الوصل بين النخب السودانية ودولتي الحكم الثنائي الصاغ صلاح سالم وأهم ما جاء في اتفاق الحكم الذاتي :-
1- يُشكل مجلس وزراء سوداني يكون مسؤولاً، أمام البرلمان، يضم وزيرين جنوبيين، ويختار البرلمان رئيس الوزراء، الذي يعين الوزراء. 2- يشكل البرلمان السوداني من مجلس نواب، من 97 عضواً، منهم 24 يُختارون بالانتخاب المباشر، و54 يُختارون بالانتخاب غير المباشر، وثلاثة بالتعيين. وكذلك يُشكل مجلس شيوخ من خمسين عضواً، ينتخب منهم ثلاثون من المحليات، ويعين الحاكم العام العشرين الآخرين. 3- الحاكم العام هو السلطة الدستورية العليا، وله حق الاعتراض، بالنسبة للجنوب، بحيث لا يخضع لأي جهة سواه. ومن حقه إعلان حالة الطوارئ، ووقف عمل البرلمان، ومجلس الوزراء. 4- ولم يحدد المشروع مدة الحكم الذاتي، التي من المفروض أن يقرر السودان بعدها، مصيره.
بعدها بدأت دولتي الحكم الثنائي في استقطاب القوي السياسية والدينية السودانية حيث رفعت بعضها شعارات الاستقلال مدعومة من بريطانيا والآخري شعارات الوحدة والسودان تحت التاج المصري بدعم من مصر . كانت بريطانيا التي خرجت لتوها من الحرب العالمية الثانية منهكة قد بدأت تتخلص من المستعمرات التي أصبحت عبئا عليها . اما مصر فقد قضت الطرف عن موضوع الاستقلال وتنازلت عن الوحدة بعد ما ضمنت مصالحها في السودان سواء عبر قوة دفاع السودان او الاحزاب والطوائف المواليه لها ولعل ما حققته مصر من مصالح في السودان بعد ١٩٥٦ لم تحققه طوال مائة وثلاثون عاما ظلت خلالها مصر شريكة في استعمار السودان سواء من خلال الحكم التركي او الانجليزي وتمثلت هذه المصالح في اتفاقية مياه النيل ١٩٥٩ وتنازل السودان عن أراضيه لقيام السد العالي .. يبقي تسويق الوهم الذي افلحت فيه النخب السودانية بتحقيق انتصارات ذائفة وتحقيق استقلال ناقص واغراق البلاد في اتون الفشل والاحتراب منذ اللحظات التي سبقت اعلان الجلاء وحتي يوم الناس هذا .. ما يحتاجه السودانيون هو الصراحة والمصارحة واعادة بناء للشخصية السودانية والخروج من النرجسية وحالة تضخيم الذات والافاقه من تهيأت الانتصارات الوهمية والنظر بواقعية لحالهم والعمل علي خلق واقع سوداني جديد يبني علي حقائق الجغرافيا والهوية السودانية ذات الخصوصية ويعترف بالفشل والأخطاء والخطايا التي لازمت الدولة السودانية علي مر التاريخ .. حينها فقط يمكننا أن نحتفل بالاستقلال.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق December, 24 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة