من المعلوم الإهتمام الأمريكي والإدارة الإمريكية الحالية بزعامة "الديمُقراطيين" بملف السُودان وما يجري فيها خاصة بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٨ و سقوط نظام البشير والإسلام السياسي في السُودان ، ثم ما حدث بعد ذلك من إنقلاب ٢٥ أكتوبر بقيادة الإنقلابيان البرهان و حميدتي وقطع مسار التحول الديمُقراطي في السُودان بعد تدخل أطراف إقليمية ودولية في المنطقة داعمة لخط العسكر في السُودان تماشياً مع مصالحها ولعبها لدور قوي الثورة المُضادة في السُودان ، عينت الولايات المُتحدة سفيراً للسُودان بعد قطيعة طويلة للعلاقات الدوبلوماسية بين البلدين وتوقيع عقوبات عسكرية وإقتصادية وحظر للنظام السابق وللسُودان بسبب سياسات النظام السابق وضلوعه في ملفات الإرهاب وحرب الإبادة في دارفور وعدائه للديمُقراطية وحقوق الإنسان في السُودان والمنطقة ، بعد سقوط البشير أصبح الأمر مُمهداً أكثر لعودة العلاقات خاصة بعد أن أعلنت الولايات المُتحدة والإدارة الأمريكية عن دعمها غير المحدود للتحول المدني الديمُقراطي في السُودان ، وبعد أن تكشفت للولايات المُتحدة ضلوع دول إقليمية ودولية في الدعم والتخطيط للإنقلاب العسكري في السُودان ولعلمها بتعقيدات الوضع في السُودان وإنتشار المليشيات وعدم التوقف النهائي للحرب إضافة لوجود طامعين من العسكر والمليشيات علي السُلطة وإختلافات داخل القوي المدنية نفسها بعضها يعود للرغبة في تقاسُم السُلطة وإن كان بالتعاون مع المؤسسة العسكرية والمليشيات ، كما أن وجود عناصر النظام السابق من الإسلاميين تلقي بظلالها علي تأثيرات المشهد لأنهم لايزالون يتحكمون في الإقتصاد بما نهبوه من أموال و وجودهم في مؤسسات الدولة وعلي رأسها المنظومة الأمنية والعسكرية وأجهزة الدولة القضائية والشرطة وغيرها ، كذلك تردي الأوضاع الإقتصادية والأمنية بالبلاد وخطر إنتشار العنف وتفكك الدولة وإنهيارها في موقع حساس من العالم وهام ، كل ذلك عاظم من إهتمام الولايات المُتحدة ، والتي رغم وقوفها القوي ضد الإنقلاب والإنقلابيين ودعمها للتحول المدني الديمُقراطي وتحقيق رغبة السُودانيين ، إلا أنها ولعلمها أن ذلك ضد مصالح شركاءها الإقتصاديين وأصدقائها الآخرين وعلي رأسهم إسرائيل و الإمارات والسعودية ومصر وهم من ظلوا يدعموا العسكر وبعضهم يجتهد في إجهاض الثورة في السُودان وإيقاف التحول المدني الديمُقراطي فيه ، حاولت الولايات المُتحدة التوصل لصيغة تنزع بها فتيل الأزمة بالتوصل لتسوية هي في الأساس وبشكلها الحالي لا تخدم السودانيين بقدر ما تخدم تلك الدول الأخري في الثورة المُضادة وتخدم كذلك مطامع العسكريين خاصة البرهان وحميدتي في السُلطة كما وأنها تُبقي علي خطر وجود الإسلاميين أو عودتهم مرة أخري خاصة إذا ما أُقيمت إنتخابات أشبه بالإنتخابات المُبكرة قبل أن يتم التفكيك التام علي تمكين النظام السابق للإسلاميين وتوحيد جيش البلاد وإعادة أصلاحه وحل المليشيات وعلي رأسها مليشيا الجنجويد أو الدعم السريع الضالعة في الإبادة الجماعية في دارفور وعديد من الجرائم ضد الإنسانية الأخري بما فيها جريمة فض الإعتصام مع رموز المجلس العسكري السابق وعلي رأسه الإنقلابي البرهان وعدد من الجنرالات والذين لايزالون ضمن المشهد والإتفاق الحالي والذي ترعاه وتسانده أمريكا وسفيرها بالخرطوم... لايزال العُنف والقمع المُفرط يُمارس ضد المُتظاهرين السلميين والإنتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان في كافة أرجاء البلاد والقتل خارج القانون في وجود البرهان وحميدتي وأعوانهم من الإنقلابيين وبرُغم توقيع الإتفاق الإطاري للتسوية ... تقاطعات المصالح هذه للولايات المُتحدة يجب أن لا تجعلها تُغمض عينها عن جرائم هؤلاء الإنقلابيين ومطامعهم الواضحة في السيطرة علي السُلطة والإفلات من العقاب ، هؤلاء الأنقلابيين علي علاقات مُباشرة بروسيا ويحاولون في تمديد النفوذ لها داخل الأراضي السُودانية وكانوا في الطريق لإنشاء قواعد عسكرية لهم بالبحر الأحمر كما تعلم أمريكا ، وفي أوج الحرب الروسية الأوكرانية زار حميدتي موسكو داعماً ، كما فعل هذا أيضاً البرهان من خلال محاولات التقوي بالروس الداعمين للعسكر في السُودان وضد التحول الديمُقراطي فيه ، ويُشارك حالياً البرهان في القمة الخليجية العربية الصينية لمحاولات تمديد النفوذ الصيني إقتصادياً بالسُودان والمنطقة ، وكل ذلك ليس من مصلحة الولايات المتحدة بالطبع ، هذه الأجيال الجديدة في السُودان لن تقبل أن يتم الإلتفاف علي ثورتها ورغبتها الحقيقية في الحكم المدني الديمُقراطي الحقيقي وإنهاء عهود الإنقلابات العسكرية ووجود العسكر في السُلطة ، أي محاولات لإجبارهم علي تسوية لا تُلبي مطالب ثورتهم سيُكتب لها الفشل ، الدول والشعوب تسعي لمصالحها ، يمكن للولايات المُتحدة أن تكون الصديق الاول للشعب السُوداني والشريك الإقتصادي الأكبر بما يحقق فوائد جمة للبلدين معاً إن هو سعي للمُساهمة الإيجابية المباشرة بدعم التحول الديمُقراطي والوقوف مع رغبة السُودانيين بعيداً عن أي محاولات لإرضاء شركاء وأصدقاء آخرين هم أنفسهم غير حريصين إلا علي مصالحهم حتي وإن إرتبطت بتمديد النفوذ الروسي والصيني في بلادهم وكامل المنطقة والسير عكس مصالح الولايات المتحدة نفسها... السُودان يفوق كل تلك الدول الأخري بالثروات الطبيعية والموارد الإقتصادية الضخمة جداً وهو بلد غني جداً ينقصه الإستقرار والقيادة الديمُقراطية الراشدة والوطنية التي يمكن أن تحوله لقوي عُظمي في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط ، ومن المعلوم أن هنالك أعداء لايُريدون له النهوض ، والولايات المتحدة بما لها من تاريخ ورسوخ في قيّم الديمُقراطية وحقوق الإنسان وهي تُعتبر القوي العُظمي الأولي في العالم يُمكنها من أن تكون صديق حقيقي للسُودان وشعبه وشريك إقتصادي وإستثماري أول وخلق نموذج عملاق للشراكات بين الدول ، شهدنا في عهد الإدارة الحالية نموذج لشراكة مع استراليا وبريطانيا ، ولأمريكا شراكات مع كندا وغيرها ، والسُودان من ناحية الموارد الطبيعية دولة غنية جداً تفوق العديد من الدول الأفريقية حتي من بين أصدقاء وشركاء الولايات المُتحدة بها وكذلك له موقع هام جداً في مسار الملاحة العالمية والتجارية ... السياسة الحالية لأمريكا بالسُودان و محاولات ترضية شركاء وأصدقاء آخرين مُضرة للولايات المُتحدة نفسها علي المدي الطويل في ظل تسابق تمدد النفوذ الروسي والصيني والتركي والإيراني بالمنطقة... الشعب السُوداني شعب قوي العزيمة والإرادة وشُجاع ومُحب لبلاده وللديمُقراطية وقيّمها وخاصة الأجيال الحالية للثورة والقادمة ممن تشهدها ، فلن يقبلوا بالإنكسار للعسكر والإسلاميين والإنقلابيين والمليشيات وإن طالت مُعاناتهم ، وشعب يرفض التبعية والإحتلال وفرض سياسة الأمر الواقع ، ومفتاح الوصول إليه ولصداقته وشراكته في الديمُقراطية وقيّمها العظيمة... نأمل من أن تكون الولايات المتحدة والإدارة الأمريكية الحالية أكثر حسماً مع الإنقلابيون من العسكريين وأصحاب المليشيات في السُودان و المُهددة لمصالح السُودان وأمريكا نفسها وشعبيهما... نضال عبدالوهاب 10 ديسمبر 2022
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق December, 07 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة