القوم الذين تقاطروا لحضور حفل ما سمى بالاتفاق الإطاري ذهبوا لهناك وقد تهندموا وتعطروا وهيأوا الشفاه للابتسامات؛ وقاموا بصقل الايادي لجعلها مرنة وملساء عند المصافحات، وفي بلاد اخرى قد يتبادل القوم القبلات في مناسبات رسمية شبيهة بمناسبتنا هذه، وهو في عرفنا ما يقتضي ابراز الكرت الاحمر. لكن الشوق لكراسي السلطة من جانب قحت المركزية لا يعترف لا بكرت احمر؛ ولا بكرت ازرق؛ ومن اجل الكراسي يمكن تتلقى الخدود تسعة وتسعين قبلة وواحدة اخرى إطارية على عجل؛ فالحنين للكرسي جارف والشوق له لا تحده حدود. اتفاق يدرك جميع من وقع عليه ان حظه في البقاء حياً مثل حظ السمكة عند خروجها من الماء، ولكل طرف حساباته في هذه (اللمة) الشكلية التي يريد الوصول اليها، لكن الهدف الرئيس هو ارضاء الحسابات الخارجية، وحتى هذه الحسابات الخارجية لم تتفق على رؤية واحدة للموضوع. لأن مصالحها متضاربة. العسكريون كانوا الفائز الاكبر بالجولة، وقائدهم كان لاعباً ماهراً يحتفظ بالجوكر لوقت اللحظات الحرجة ويفاجئ به خصومه، فهو ارضى القوى الخارجية وقال لهم ها نحن قد وقعنا على الاتفاق، ولا يمكن لاحد من هذه القوى ان يوجه لهم اتهاماً، وفي الداخل سحب ارجل الذين كانوا يقولون لا تفاوض ولا شراكة مع السلطة الانقلابية، وتحولت السلطة الانقلابية التي اخرجوا ضدها (المليونيات) إلى حمل وديع عندهم، ولا عزاء لأهل الشهداء؛ وقد قال عرمان يوما ما ان لا شيء لديهم يقدمونه سوى الشهداء، فانكشفوا امام شارعهم وبان لهثهم وراء المناصب والكراسي، ولو على جثث ضحايا مظاهراتهم، وفقدوا تعاطف الكثيرين فخرجت عليهم لجان المقاومة وحزب البعث والحزب الشيوعي وغيرهم. دهاء العسكر كان سيد الموقف، خذ مثلاً ما ننقله عن مقابلة لإحدى القنوات الفضائية مع الفريق البرهان، كان السؤال كالتالي: • هل سيكون رأس الدولة والقائد الاعلى للأجهزة النظامية مدنيا؟ القائد الاعلى هل هو مدني ام عسكري؟ اجاب البرهان: -بالتأكيد نحن نتكلم عن سلطة مدينة كاملة اذن الجميع مدنيون في هذا الامر؛ ومقصود به دون مشاركة العسكريين، وواضح ان هذه السلطة بهياكلها المختلفة لا وجود لأي عسكريين فيها. المذيعة لينا يعقوب التي اجرت المقابلة ارادت ان تستوضح اكثر، فسألت: - يعني القائد الاعلى للأجهزة النظامية هو مدني؟ - نعم بالتأكيد. ويبدو انها لم تصدق أذنيها وهي التي اعتادت على رؤية النجوم اللامعة تتصدر المشهد، مما دفعها لمحاولة تخيل كيف سيكون سماء السودان بدون هذه النجوم، فأعادت السؤال مرة ثالثة: • يعني سيرأس القائد العام للجيش السوداني مدني؟ غير أن تكرار السؤال لثلاث مرات نبه البرهان لضرورة النزول بالجوكر، فقال: - هنالك قوانين تحدد شكل هذه العلاقة بين القائد الاعلى وبين هذه القوات النظامية؛ كل لديه اختصاصات لديه اعمال محددة ومكتوب لا احد يتجاوزها. في حالة النزول بالجوكر؛ وكما يعلم لاعبو الكوتشينة؛ تكون هناك ضرورة لتفحص ورق الخصم والتأكد من صحة الورق وصحة الجوكر نفسه، فكان سؤال المذيعة الفاحص: - يعني لا يمكنهم مثلا تعيين قائد عام للجيش؟ - ابدا. هنا آمنت المذيعة بصحة الجوكر فقالت: - اذن مفصول الامر. عند هذه النقطة سيشرح البرهان للقحاتة الأمر المفصول في المسألة؛ ويفرز لهم اين الديناري واين الشيريا واين الهارت، فقال: - نعم القائد العام يعين بتوصية من القوات المسلحة، معظم الاجهزة الاخرى لديها آليات لتعيين القيادات، لتعيين الوظائف القيادية، هو المفهوم من القائد الاعلى انه يوافق او يصدق على ما تأتيه من توصيات في كل المجالات إذا كانت عدلية؛ او عسكرية او قانونية؛ ولا يتخذ أي اجراءات تنفيذية وانما الموافقة او التصديق على ما يرفع اليه من تواصي. نتساءل نحن ماذا سيفعل القحاتة امام هذا الجوكر المفاجئ؟ بالطبع سيتجاهلونه وسيقولون لقواعدهم ان السلطة المدنية سيستلمونها كاملة، وأن الجيش بات تحت سيطرتهم؛ بما فيه تعيين قيادته، بينما في حقيقة الأمر ان الرئيس المدني حسب قول البرهان: (لا يتخذ أي اجراءات تنفيذية وانما الموافقة او التصديق على ما يرفع اليه من تواصي) والمعنى بالعربي الفصيح: ليس له إلا أن يبصم بالعشرة على ما يقرره الجيش بشأن من يقوده، أو أي شأن آخر يخص الجيش، وهذا سيسحب البساط من تحت ارجل المدنيين، فقائد الجيش لن يرى في رئيسه المدني (الدلدول) أي فضل عليه، فهو لم يعينه ولا يملك سلطة ان يقيله، ولا حتى أن يسأله (مشيت وين.. أو جيت من وين)، وتوقيع المدني على قراره تعيين العسكري إنما هو مجرد ورقة لاصقة من ذلك النوع الذي تستخدمه النساء عند وضع الحناء؛ يُلقى بها فور اكتمال الرسمة. في مسألة أخرى شائكة استخدم البرهان الجوكر، ففي لقاء مع قناة سكاي نيوز العربية يوم الاثنين 4/12/2022 كان الحوار: • في التغطية التي اجريناها مع ممثلي المكون المدني علمنا ان مسالة تسمية رئيس وزراء ستتم خلال اسابيع قليلة، وكذلك العمل على صياغة الدستور الانتقالي، هل هذه الاسابيع القليلة هي سقف خروج المكون العسكري من العملية السياسية تماما؟ اجاب البرهان الداهية: • - المسالة مرتبطة بتوافق المدنيين؛ نحن نظن ان هذه المسالة تخص القوى المدنية والقوى السياسية، مسالة اختيار رئيس الوزراء، مسالة اختيار الهياكل الحكم المختلفة، لأننا نحن كعسكريين ملتزمين بانه متى ما تم التوافق سننصرف الى عملنا الدستوري الذي نتمنى ان نوفق في مساره الصحيح. اين الجوكر هنا يا ترى؟ الجوكر يكمن في كلمة (التوافق)، فالجنرال يدرك تمام الإدراك ان هذه القوى السياسية لن تتفق على شيء ابدا، فالخلاف يجري في عروق اعضائها، وهو من شيم نفوسهم وجوهرها، أما الاتفاق الذي من المحتمل ان يحدث فربما يحدث قبل قيام القيامة ببضع ساعات. والقوى السياسية تعبير واسع فضفاض ولا احد يعرف عددها، والكل يقول انه يمثل الشارع والكل يتحدث باسم الشعب السوداني. اما القحاتة فلأن شهوة كيكة السلطة لديهم لا تحتمل الانتظار، وهم يتلهفون لتناولها حارة من الفرن، فسيتوافقون على رئيس وزراء منهم (أي كلام)؛ يحقق لهم حسن توزيع الكيكة فيما بينهم، وان تكون اهم مهامه هي تطويل الفترة الانتقالية سنين عددا، وسيكون لحن الفترة الانتقالية عندهم هو: طول يا ليل وهود عاجبني طول الليل الليل نسيمو عليل الليل سكونو جميل. ولا ندري على وجه التحديد أي جوكر سيستخدمه البرهان ازاء الفترة الانتقالية في قادم الايام القحاتية؛ يجعل القحاتة (يطرشون) ما يأكلونه من كيكة السلطة، وما قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر 2021 ببعيدة. وجاتك كفاءات يا وطن.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق December, 07 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة