الخرطوم الآن هي أعلى مدن العالم استهلاكا للغازات المسيلة للدموع وأقلها استهلاكا" للخبز والكتاب . وباتت الأقرب لمستوطنة للمرابين والوسطاء ومسهلي الصفقات السرية وتجار السلاح والمليشيات متعددة الأنماط والأزياء . غير أن هناك فجر قادم لا محاله وبانت ملامحه الشفيفة في عزيمة نسائها وشبابها وشيوخها وأطفالها في صناعة مدينه حضرية بقامة تضحياتهم وحلمهم بعاصمة علي ضفاف النيل تقوم . محمد موسي حريكة ************************ وكشف العطا بحسب صحيفة الصيحة، لأول مرة أن الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان أحد الضباط الاساسيين المنفذين لانقلاب 1990 ضد الإنقاذ الذي أعدم فيه (28) ضابطاً في رمضان، ولفت لعدم صحة ما يشاع عن ولائه للمؤتمر الوطني، وأضاف أنا أعرفه معرفة حقيقية! عن موقع سودانيزاونلاين. ********
اللحظات الأخيرة قبل تنفيذ حكم الاعدام: النقيب برهان غارق في عرقه وفي حالة التوهان التي تبعده عن الواقع في المواقف الصعبة، والتي يفقد في اثنائها تواصله مع العالم ويظل يدور داخل نفسه في متاهة بدون نهاية ، تختلط فيها الذكريات بالزمن الحاضر. يبدو كل شيء أمامه يطفو في مرجل غبار حفلة الموت التي كان يتم الاعداد لها من أمامهم.. منذ لحظة القاء القبض عليه مع زملائه بعد فشل المحاولة الانقلابية، كان يشعر بأنّ هناك شيء ما خطأ، لا يمكن أن يموت هكذا ويدفن مع رفاقه في تلك الحفرة التي كانت تعدها آلة الحفر الضخمة التي تبدو في ضوء مصابيح السيارات والغبار مثل وحش اسطوري يستعد لتدمير العالم كله. بقي لدقائق طويلة وهو يحدق في تفاصيل الوجوه من حوله دون أن يرى شيئا، فقط يسمع صوت آلة الحفر الضخمة التي كانت تحفر قبرهم الجماعي، يشعر أنه كان في الواقع يرى أمامه من خلال اذنيه ويستمع عبر عينيه الى لغط فريق الإعدام الذي ضرب طوقا من خلفهم. يحاول سحب نفسه من لحظة الموت، من فوضى ارتباك الحواس، يعيد ضبط كل منافذ ادراكه على الذاكرة: فيرى والده، لا يلاحظ حتى أنه كان يرى في الواقع من خلال عيني جدته، التي وصفت له قبل سنوات تفاصيل اللحظات التي سبقت مولده: (رأى الطفلة الصغيرة التي ايقظت الرجل الغارق في عرقه، النائم تحت عريشة نبات اللبلاب، لتزف له خبر مولد ابنه، قالت له وهي تجاهد لتستجمع أنفاسها ولتزف له البشرى في الوقت نفسه: لقد وضعت زوجتك ولدا! كان قد رآه قبل لحظات من مولده، رآه يجلس فوق عرش يشبه طائر الطاووس وحوله حرّاس طوال القامة يقفون في نصف دائرة من حوله، كان من النادر ان يحلم اثناء نومه نهارا، استيقظ وجلس على صوت الفتاة، التي لحسن الحظ جاءت بعد أن أكمل مشاهدة الحلم) أمسك بكل ما تبقى له من طاقة بددها الرعب من فوضى مشهد الموت من أمامه وخلفه، أمسك بتفاصيل النبوءة، كأنه يُحمّل قوة خفية مسئولية إنقاذه من الموت، القوة الخفية التي زرعت النبوءة القاتلة في حياته، ورعتها بماء طموحه ورغباته التسلطية ودفعت به ليقفز الى أول قاطرة انقلاب تعبر بجانبه. يمسك بخيوط النبوءة بكل قوة ذاكرته، يكتشف أنها كانت تتسرب بنفس السهولة التي تجمعت بها، تذوب في سراب التمني وغبار آلة الحفر الضخمة التي تتهيأ لدفن العالم، يمسك فيها بيديه واسنانه: : ستفشل مرتين وفي الثالثة ستصبح رئيسا! (سيصبح ملكا، قال والده، وهو يسحب محفظته الجلدية الضخمة من جيبه ويعطي للطفلة قطعة عملة فضية لم يدقق النظر اليها، أمسكت الطفلة بالقطعة الفضية وطارت من أمامه عائدة الى البيت. ارتدى هو جلبابه وسحب جسده واتجه نحو البيت، اكتملت النبوءة على مشهد الطفل الغارق في نوبة صراخ، قبل أن تلقمه امه ثديها فيصمت فجأة، كان المشهد هو نفس المشهد تقريبا الذي رآه، وان اختلفت بعض التفاصيل، اختفى عرش الطاووس والجند الذين يحيطون به، بدلا من ذلك أحاطت به وبأمه عدد من النسوة، كن يقفن بنفس ترتيب الحرّاس، عرف عندها ان قدره الا يعيش تلك اللحظة، وانّ الزمان سيطويه في النسيان قبل أن يصعد ابنه الى عرش الطاووس المحروس بالجند). الآن عرف انّ كل شيء انتهى، وأنّ أحلام والده لم تكن سوى أضغاث أحلام، تولدت عن رغبات أب كان اقصى طموحه أن يرى ابنه، ملكا في قصر الحكمدار الذي كان يقيم فيه الجنرال غردون قبل إعدامه على يد جنود الامام المهدي. يعود ليبحث في أزقة الذاكرة عن الخطأ الذي تسبّب في الاخلال بأحد شروط تحقق النبوءة: سمع والده يقول بصوت هامس وكأنه يحدّث نفسه، أو يحاول مداراة الحزن الخارق في صوته، فيما يبارك الصبي بوضع يده على جبهته وقراءة بعض آيات القرآن: ليت عمرنا يطول لنرى زمانه! هل كان شرط تحقق النبوءة أن يظل والده على قيد الحياة؟ سيصبح ملكا، يقوده والده في أول أيام المدرسة، خطوات متعثرة لا تشبه خطوات ملك، تشبه خطوات جندي هارب من المعركة، لم يعشق المدرسة كثيرا، حتى أنه هرب في يومه الأول فيها، وعاد الى البيت، سيضطر والده لإغرائه بالمال ليعود الى المدرسة بعد ان فشل التهديد بالعقاب، حصل على نصف قرش، سيتحول فساده المُبكّر الى عادة يومية، نصف قرش ارتفعت في نهاية العام الأول الى قرش كامل، كان يحصل عليه يوميا مقدما أو سيهرب من المدرسة ويقضي بقية اليوم الدراسي جوار نهر النيل، يراقب أصحاب عربات الكارو الذين يقومون بغسل الخيول التي تسحب العربات، يراقب صيادي الأسماك، الذين يستخدم بعضهم قوارب شراعية صغيرة، فيما يكتفي بعضهم بنصب شباكهم في الماء، يبدو أنه احب تلك المهنة، حتى أنه أعلن حين سأله شقيق والده ذات مرة، عن ماذا تريد ان تصبح بعد ان تكمل تعليمك؟ رد بثقة ودون تردد: صائد للأسماك! قال العم ضاحكا: لن تحتاج لأن تكمل دراستك اذن! سيصبح ملكا، قال والده، لاحظ العم: لا يوجد لدينا نظام ملكي في هذه البلاد، ربما تقصد انك تريده ان يصبح رئيسا للجمهورية! رأيته يجلس في عرش الطاووس وحوله جنود الحراسة! قال العم الذي عمل في شبابه جنديا في الجيش قبل ان يترك الخدمة ويمتهن التجارة: فليذهب الى الكلية الحربية اذن. أصبح فساده المبكر عادة يومية، يقبض قرشا واحدا لقاء ذهابه الى المدرسة. قالت أمه: يجب ان تكون صارما معه قليلا، كيف تعطيه مالا ليذهب الى المدرسة؟ ستفسد الولد! ان كانت المدرسة ستصبح وظيفته ما الذي سيدفعه ليكمل دراسته ويبحث عن وظيفة أخرى؟ أطرق حزينا: لا استطيع ضربه، قلبي لا يحتمل ذلك! لا أستطيع أن اعاقب رئيس الجمهورية! قالت الأم ساخرة: أفضل ان تضربه اذن بدلا من أن يضرب الناس حين يصبح رئيس الجمهورية! ستتحقق نبوءتها! فبعد نصف قرن سيرسل كتائب الظل والجنجويد والأمن الشعبي ، يضربون المتظاهرين السلميين ببنادق الخرطوش ومدافع الدوشكا! ويدهسون أجسادهم بسياراتهم. ذات مرة كان والده مريضا، أعطاه الطبيب دواء مسكنا لخفض الحرارة ومساعدته على النوم، رفض الذهاب الى المدرسة، وجدته والدته يجلس بجانب والده النائم، سألته لم لا يذهب الى المدرسة، قال: لماذا أذهب؟ لم استلم القرش من ابي! أوضحت والدته: والدك مريض، يجب ان تذهب الى المدرسة، لا يجب أن تأخذ مالا لتذهب الى المدرسة، حاولت رشوته بمزايا العلم، حين تصبح متعلما وتحمل الشهادة سيقف لك الناس احتراما، الناس يحترمون أهل العلم! وستجني من الوظيفة مالا كثيرا! قال: سمعت أبي يقول العلم بحر لا ساحل له! أخشى أن أغرق فيه، فأنا لا أعرف السباحة! ابتسمت الام وقالت: حين تكون تلميذا ناجحا ستصبح طبيبا وتعالجنا حين نكبر في السن! قال بصدق: لا احتاج للذهاب الى المدرسة! سأصبح رئيسا للجمهورية! ضحكت الأم وحاولت إغراءه ليذهب إلى المدرسة أعطته بعض الحلوى وحبات التمر، لكنه رفض أن يغادر البيت قبل أن يحصل على القرش، اضطرت الأم للاستعانة ببعض الجيران لمرافقته إلى المدرسة، برهن عن ميل مبكر لعدم تقديم أية تنازلات، حين أعلن وهو يغادر إلى المدرسة: سأحصل من أبي على قرشين غدا بدلا من قرش واحد!
************** ستذهب الى الكلية الحربية وتتخرج ضابطا! سيحتاج لعدة سنوات ليفهم أنّ الانقلاب الذي كان يدبّره ضد حكومة قوى إعلان الحرية والتغيير، كان والده هو من بدأ الاعداد له حين كان هو لا يزال في السادسة من عمره! يبدو أنّ والده لم يكن يثق في استمرارية النظام الديمقراطي، أو انه لم يكن يثق في قدرة ابنه على الوصول الى قصر غردون بواسطة صناديق الانتخابات، فالقمة دائما يحتكرها اقطاب الأحزاب الكبيرة، والده نفسه حين كان يذهب الى صندوق الانتخابات في المرات النادرة ما بين انقلاب عسكري وانقلاب اخر، كان يعطي صوته الى حزب مولانا الميرغني. حسم والده خارطة طريق النبوءة والسيد الرئيس لا يزال يرضع من ثدي أمه. قال والده وكأنه يقرأ من كتاب مفتوح: ستذهب الى الكلية الحربية! بدلا من صندوق الانتخابات اختار والده صندوق الذخيرة كأقصر طريق لتحقيق النبوءة. فيما بعد حين يتذكر تلك الترتيبات المبكرة للانقلاب، سيحكي ذلك لرفيقه قائد قوات الجنجويد، فيما يرفعان التحية للقوة التي ارسلاها لإلقاء القبض على رئيس الوزراء والوزراء وأعضاء مجلس السيادة المدنيين وأعضاء لجنة إزالة تمكين نظام الإنقاذ. لاحظ قائد الجنجويد ضاحكا: أخشى أنّ انقلابا يدبره طفل في السادسة سيكون مصيره الفشل! لم يكترث كثيرا آنذاك لخطط والده الانقلابية، كان لا يزال في الصف الرابع في المدرسة الابتدائية! كان يحب درس التاريخ ويكره دروس الحساب، يذكّره درس التاريخ، بحكايات جدته، كان يعتقد أحيانا أنّ جدته نفسها قد خرجت من إحدى الحكايات التي تعيد روايتها له، ليس فقط بسبب ضعف ذاكرتها الذي يجعلها أحيانا تخلط وقائع الحكايات وتنتحل لنفسها أمجادا اسطورية، ولتخرج أحيانا بقصص جديدة بأبطال أكثر التصاقا بالهموم اليومية، تصنعهم من طين رماد نفس الحكايات القديمة، لكن لأنه كان يطلب بإلحاح أن تعيد له رواية قصة فاطمة السمحة وقصة جفيلة، يكتشف حين تصف جدته، جفيلة وجدتها، أنّ جدته كانت تصف في الواقع نفسها، امرأة طويلة مثل النخلة، فاحمة السواد، جميلة الوجه. هل يجلدون التلاميذ في مدرسة الكلية الحربية؟ قال الأب ضاحكا: لا، التلاميذ هم من سيجلدون الناس! ضحك الابن أيضا: هل يصبح التلاميذ ضباطا أم مدرسين؟! ضباطا! هل سندرس الحساب في مدرسة الكلية الحربية! أكره الحساب! اسمها الكلية الحربية، الكلية شيء أكبر من المدرسة، لا يوجد حساب، ستدرس كيف تحارب، هناك تمارين لتقوية الجسم! أنا أحب كرة القدم! ستصبح ضابطا، لا يلعب الضباط كرة القدم! دع اللعب لنا نحن المدنيين! (سيبق وفيا لتلك الجملة لبقية عمره، سيكون تعريف الأخطاء في نظره هو: كل فعل يقوم به المدنيون، حتى أنه بعد ان ينقلب على الحكومة المدنية سيظل يحمّلها وزر التدهور الذي تنامى بعد الانقلاب) قاد أول انقلاب ناجح حين كان في السنة الأولى في المدرسة المتوسطة، نجح في إزاحة مراقب الفصل. كان مراقب الفصل القديم مصدر تهديد دائم له، فقد كان اسمه يتصدر دائما قائمة التلاميذ المشاغبين اثناء اليوم الدراسي والذين يتعرضون للعقاب على يد مرشد الصف، حاول رشوة المراقب بالمال او قصب السكر، لكن التلميذ رفض بعناد، دهش هو لتصرف الصبي الفقير الذي يسكن المدرسة الداخلية ولابد انه مثل معظم تلاميذ الداخلية يعاني من الجوع أحيانا بسبب فقر اسرته، في النهاية حين فشلت محاولات الرشوة او التهديد، قام مع ثلاثة طلاب آخرين بتقديم شكوى في حق الطالب بزعم انه يقبل رشوة من بعض التلاميذ ولا يسجلهم في قائمة المشاغبين بينما يترصد تلاميذ اخرين! قبل مرشد الصف الشكوى، رغم انه كان واثقا من عدم صحة مزاعمهم، لكنه قرّر الا يضيع فرصة إعطاء دور المراقب لأحد المشاغبين، سألهم: هل ترشحون تلميذا معينا ليكون مراقب الصف؟، أشاروا كلهم له، كان المرشد يعلم انه اكثر التلاميذ شغبا، فقرّر ان تكليفه بالمهمة قد يكون دافعا له ليشعر بالمسئولية. لم تمض سوى اشهر قليلة على انقلابه الأبيض، حتى اقدم مع بعض اقرانه اثناء العطلة الصيفية على عمليته العسكرية الأولى.
******************
حين بدأ صوت آلة الحفر الضخمة يتلاشى في الغبار، عرف أنّه لن يسمع صوت تلك الآلة مرة أخرى، لأنه حين تدور في المرة الأخيرة لتلقى بأطنان من التراب فوق أجسادهم النازفة المثقوبة بالرصاص، سيكون هو قد انتقل الى ضفة عالم آخر. عرف أنّ كل شيء قد انتهى وان نبوءة والده ستنتهي خلال دقائق في هذه الحفرة الضخمة مع رفاقه الثمانية وعشرين. رأى في خضم الصور التي كانت تندفع الى واجهة ذاكرته ثم لا تلبث أن تختفي تحت ركام الخوف والأحلام الميتة والذكريات التالفة، رأى صورة جعلته يستعيد لبرهة زمام المبادرة، حتى أنه مد يده ليصلح من وضع هندامه، ولينفض التراب الذي تراكم فوق ثيابه من أطنان الغبار الذي تلقيه الة الحفر في الهواء، لا ليبدو تماما مثل تلك الصورة التي دفعها اليأس لتطفو في سطح ذاكرته، بل ليبدو مثلما تمنى والده يوما أن يراه، وهو يستعرض حرس الشرف في زمان لن يعود أبدا ولا حتى في الأحلام، أسماه والده زمان الجنرال برهان! حاول الإمساك بالصورة لتبق جسرا أخيرا بينه وبين حلم والده الذي كان على وشك أن يُدفن الى الأبد. رأى تفاصيل صورة الحلم الذي رآه والده، رأى نفسه ملكا في قصر غردون والحراس يحيطون به في نصف دائرة. مثّل الحلم هاجسا يوميا لوالده طوال سنوات ما قبل موته، تذكر إصرار والده على سرد تفاصيل الحلم بصورة يومية تقريبا اثناء عطلاته القصيرة أيام دراسته في الكلية الحربية والتي كان يحرص على قضائها مع اسرته، شعر كأن والده لم يكن فقط يهدف لحفر الحلم في ذاكرته وجعله جزءا من طموحه واحلامه، لكنه كان يرمي لفرض الواقعة على الحياة اليومية، وإنزالها من مجرد حلم الى واقع لا تمضي الحياة ولا تتحول المواسم بدونه. بعد تخرجه من الكلية الحربية ذبح والده ثورا ودعا أهل البلدة وكل أقاربهم الى وليمة ضخمة، يذكر ان والده طلب منه ارتداء الزي العسكري الكامل والوقوف بجانبه في مدخل البيت لاستقبال المهنئين، كان يشعر بالفخر والتميز خاصة ان معظم اقرانه وحتى المتفوقين منهم لم يبلغ أي منهم درجة مجده، شعر أنه خطا في ذلك اليوم أول درجة في سلم المجد الذي سينتهي في القمة، حلم والده. سيذكر انه في اليوم التالي ذهب مع والده وهو بكامل ملابسه العسكرية لخطبة بنت عمه، أعطى الزي العسكري الزيارة الودية، طابعا رسميا عسكريا، حتى أنّ العم أدى له التحية العسكرية، كان العم الذي تقاعد قبل سنوات طويلة من عمله كجندي في الجيش حارب في ليبيا مع جيش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، هو الذي انقذهم قبل سنوات من فضيحة سرقة المدفع من القطار، ورغم أنّ العم اجتهد طوال سنوات في دفن ذلك السر في ذاكرته، لكن ابتسامة تختبئ خلف عينيه حين استقبل ضيوفه رسميا ذلك الصباح، كانت تشير الى أنه لا يرحب بضابط الجيش الذي سيصبح صهره، بل بسارق المدفع من القطار، لم يمهل القدر العم كثيرا ليرى بعد عدة سنوات أنّ صهره سارق المدفع، سيشارك عصابات الجنجويد وفلول نظام الجنرال عمر البشير الذين اطلق سراحهم من السجون واعادهم الى وظائفهم، سيشاركهم في سرقة وطن كامل، وأنّ الطائرات المجهولة كانت تنطلق برعاية نظامه من كل مكان في الوطن ليلا، وهي محمّلة بذهب وموارد البلاد التي يموت أهلها من الفاقة ويموت أطفالها بسبب أمراض سوء التغذية. بل أنه سمح بالتنسيق مع حلفائه بإطلاق يد العصابات التي أنشأها جهاز أمن الجنرال عمر البشير، لتمارس النهب المسلح في الشوارع، لتخويف الناس من انفراط شامل للأمن، وحملهم على القبول وعدم معارضة انقلابه الذي ترعاه الحركة الإسلامية.. كان بعض الشباب في القرية يمتهنون سرقة قطارات البضاعة التي تعبر القرية، هناك منطقة في مدخل القرية يبطئ فيها القطار كثيرا بسبب وجود مشاكل في خط السكة الحديد الذي تعرّض عدة مرات للانجراف في تلك المنطقة التي تقع في مجرى السيول، كان هو واقرانه يسمعون كثيرا عن مغامرات لصوص القطارات، وكيف اصبح بعضهم من الأثرياء، كانت أحلام الثراء تداعبهم وهم يلعبون شليل ليلا في ضوء القمر، قرروا القيام بمغامرتهم الأولى ذلك الصيف، عرفوا من القصص التي سمعوها انهم لن يحتاجون سوى لحبال قوية وبعض الجهد الجسماني لسحب الغنيمة من على سطح القطار. قاموا بإعداد كل شيء وكمنوا في انتظار وصول القطار، من على البعد سمعوا صوت القطار المرهق من صعود الجبل يقترب، انخفضت سرعة القطار حتى كاد يتوقف تماما، ألقوا بشبكة حبالهم فوق عربة القطار الأخيرة وتكاتفوا لجذب الشيء الذي وقعت الحبال فوقه دون ان يتبينوا بسبب الضوء الخافت نوع الصيد الذي وقع في شبكتهم، تكاتفوا لجذبه ارضا، فسقط بعد مجهود جبار ومضن، وسقطوا هم ارضا بجانبه من فرط إرهاق الجهد الذي بذلوه، بعد ان ارتاحوا قليلا قاموا بسحب غنيمتهم الى داخل أجمة أشجار الطندب والسيسبان التي تحيط بالمكان، واتفقوا على الحضور مبكرا لتفقد غنيمتهم، قال أحد زملائه: يبدو أنه محرك ضخم لسحب الماء، علّق زميل آخر كان والده يعمل بالزراعة: سيكون من السهل بيعه، يحتاج الناس هنا لمحركات ضخمة لسحب الماء، محركات الديزل الهندية ليست قوية بما يكفي وتتعرض للتلف دائما بسبب ضغط عملية سحب الماء خصوصا تلك التي تسحب المياه من الابار العميقة. لكن احد زملائه لاحظ مترددا: هذا شيء غريب يشبه المحرك، لكن محرك الماء ليس لديه إطارات مثل السيارة! ربما كان هذا الشيء نوع من السيارات الصغيرة تسير فقط على اطارين! لا توجد سيارة تسير على اطارين، ربما تقصد دراجة؟ هذا الشيء لا يشبه الدراجة، هذا الشيء مزود بمحرك، يبدو مثل نصف سيارة! لكن زميلا آخر أوضح: لقد سمعت ان بعض محركات سحب المياه تكون متحركة حتى يتسنى نقلها بسهولة خاصة في فترة انحسار مياه النيل! استعان برهان بعمه الذي كان جنديا في شبابه قبل أن يترك الجيش ويحترف تجارة المحاصيل، كان برهان يأمل أن يقوم العم بشراء المحرك حتى لا يضطروا لبيعه لتاجر غريب قد يقوم بإبلاغ الشرطة. قال العم بدهشة: هذا مدفع هاون! أين عثرتم عليه؟ قال برهان: وجدناه بجانب خط السكة الحديد، ربما سقط من قطار! نظر العم في وجوههم وقال متشككا: هل سقط أم تم إسقاطه؟! فكّر العم قليلا قبل أن يطلب منهم ترك المدفع في مكانه، واعدا انه سيقوم بإبلاغ حامية الجيش بأنه عثر على المدفع الذي يبدو أنه سقط من أحد قطارات الشحن. ***************** في سنته الأخيرة في المدرسة الابتدائية، أصبحت النبوءة جزءا من حياته، لم يرهق نفسه بالتفكير في مدى جدية احتمال تحقق النبوءة، مادام يجني فوائدها المحتملة مقدما، أتاح له ذلك الكثير من الامتيازات المقصورة على كبار السن، يجالس كبار السن في مناسبات البلدة، يتناول الاكل معهم، ويدلي برأيه في بعض القضايا التي تشغل اهتمام الكبار. في اثناء الحصص الإضافية مساء في المدرسة، يكتفي بقراءة مجلة الصبيان، وأحيانا يحصل على نسخ بعض الصحف التي يحملها المسافرون بالقطار من العاصمة، يحب شخصية عمك تنقو في مجلة الصبيان، ويحب تأمل صور الصحف التي يظهر فيها أشخاص بالزي العسكري، يستقبلون أجانب أو يحملون باقات زهور، كان ذلك يبدو له غريبا بعض الشيء، يجب أن يحمل العسكري مدفعا وليس باقة زهور! ذات مرة ضبطه مرشد الفصل وهو يقرأ أخبار الرياضة في صحيفة يومية قديمة، لاحظ انه يحتفظ بها منذ فترة ويقرأ فيها دائما، قال له الا تريد ان تفارق ترتيبك في المؤخرة وتتقدم قليلا الى الأمام، رد هو: في المؤخرة، سأضمن على الأقل انني احافظ إجباريا على موقعي، ليس هناك مجال لمزيد من التراجع! أمسك المدرس بالصحيفة وتساءل لم يقرأ الأخبار في صحيفة صدرت قبل خمسة أعوام؟ كان له تبرير منطقي، قال: نفس الأخبار التي تجدها في هذه الصحيفة ستسمعها في نشرة الساعة الثالثة، تتغير بعض الأسماء لكن نفس الوقائع تحدث كل بضع اشهر! لن يفكر المدرس ابدا وهو يبدي اندهاشه من تفهم أقل تلاميذه اكتراثا بدروسه لتعقيدات اعاصير السياسة في هذا البلد، دون أن يفكر أنّ نفس هذا التلميذ سيقوم بعد عدة سنوات بإقالة مدير التلفزيون لأن أخباره، أخبار السيد الرئيس واستقبالاته تأتي دائما في ذيل نشرة الأخبار الرئيسية في جهاز التلفزيون! كان السؤال في حصة الإنشاء: أكتب موضوعا قصيرا عن طموحك في المستقبل، ماذا ستدرس وماهي أمنيتك للمهنة التي ترغب أن تؤديها مستقبلا؟ كتب فقط ثلاث كلمات: سأصبح رئيسا للجمهورية! لم يكتب ذلك بصيغة أمنية، لم يكن ينقص كلماته الثلاث سوى عبارة: وعلى الجهات المعنية وضع القرار موضع التنفيذ، ليصبح ما كتب قرارا جمهوريا! قال المعلم متشككا: أخشى انه لن تكون هناك جمهورية لتصبح لها رئيسا! ستتحقق تلك النبوءة بأفضل من تحُقق نبوءة والده، فبعد سنوات سيعمل مع نظام الجنرال عمر البشير على إنشاء ميلشيا الجنجويد وعلى شن الحرب على الحركات المسلحة والمدنيين في دارفور، حتى انه سيطلق على نفسه في تلك الفترة اللقب الهمايوني: رب الفور! رغم انه حين يقع في الأسر اثناء العمليات في يد إحدى الحركات المسلحة من قبيلة الفور، سيحسنون معاملته ويطلقون سراحه! لم يتم الإعلان أبدا عن أسر رب الفور، اذ لم يشتهر بذلك اللقب الا في السنوات اللاحقة بعد اطلاق سراحه. وبعد انفصال الجنوب هددت العمليات العسكرية والجرائم التي ارتكبتها ميلشيات نظام المؤتمر الوطني والفوضى الأمنية في الإقليم، هددت بتفكك الوطن كله. حافظ على وظيفته كمراقب للفصل، وظيفة تؤمن له سلطة مدرسية على زملائه، إضافة للهدايا التي يحصل عليها من اكثر التلاميذ شغبا حتى لا يضع أسمائهم في قائمة المشاغبين التي يقدمها نهاية اليوم الدراسي لمرشد الفصل، كانت الهدايا متنوعة حسب ظروف التلاميذ، مجلات قديمة او صحف يتركها المسافرون على رصيف محطة القطار، أو قطع حلوى، أو حبات من التمر أو ثمار الدوم. أحضر له أحد المشاغبين الفقراء ذات مرة ثمرة جميز، تشممها، فنفذت الرائحة الى روحه، تذكر طفولة بعيدة توزعت بين مطاردة الفراشات ومراقبة الفخاخ التي ينصبها الصبية الأكبر سنا للعصافير، شيء ما في رائحة الثمرة النفاذة، جعله يغرق في نوبة يأس جارفة، استجمع قوته وألقى بالثمرة بعيدا عبر نافذة الفصل. وجه للمشاغب الفقير إنذارا أخيرا: إن لم يكن لديك ما تحضره معك فأفضل لك أن تتعلم كيف تلزم الصمت! وأنهى حواره بحكمة انقلابية: لا يجب ان يكون الفقير مشاغبا! اندهش مرشد الصف لأن المراقب الجديد لم يقدم طوال اشهر أية طالب مشاغب ليتم عقابه، رغم انّ الفصل كان مثل السوق، لا يتوقف الضجيج الا في حضور المدرسين، بعد نصف قرن وبعد وصوله الى السلطة ظل أيضا يغض الطرف عن العصابات التي انشأها جهاز أمن الجنرال عمر البشير لتروّع المواطنين وتمارس السرقات تحت تهديد السلاح في شوارع العاصمة، ويغض الطرف عن المجازر التي ترتكبها قوات الجنجويد في دارفور. قال له مدرس الحساب الذي جاء ليوزع أوراق آخر امتحان، حين رآه يقلّب في صفحات مجلة الصبيان، لماذا لا تذاكر دروسك؟ لم تبق سوى بضعة اشهر على الامتحان النهائي! قال بهدوء وثقة: لماذا ابذل جهدا في المذاكرة؟ سأصبح رئيسا للجمهورية! ضحك مدرس الحساب الذي يبدو انه لم يكن يؤمن بوصول أقل تلاميذه مشاركة في درس الحساب، وأقلهم نجاحا في الاختبارات الدورية، لمنصب الرئاسة! ألا تريد ان تذهب الى الجامعة؟ يجب ان يدرس السيد الرئيس الجامعة، ثم قال المدرس مازحا: بمثل مستواك هذا لن تدخل الجامعة ولا حتى لزيارة شخص ما! لن يصدق المدرس الذي سخر منه بسبب فشله في حل مسألة حساب بسيطة، وأصدر حكما ان تلميذه لن يتمكن قط من دخول الجامعة، ان التلميذ الواقف أمامه سيقوم بعد اقل من نصف قرن بإصدار قرار فصل بموجبه مديرة جامعة الخرطوم بل وفصل كل مدراء الجامعات. قال هو ببساطة: لا اريد دخول الجامعة، من يدخل الجامعة لن يصبح رئيسا! ألا يجب ان يدرس الرئيس شيئا ما؟ ردّد نفس ما سمعه من والده وعمه: الرئيس يجب ان يدخل الى الكلية الحربية! ضحك المدرس من أفكار تلميذه الانقلابية، لكنه لم يكف من محاولات دفعه لتحسين مستواه في مادة الحساب. تم قبوله في المدرسة المتوسطة، لم يحرز درجة عالية، كان آخر تلميذ يتم قبوله، دخل وصفق الباب من خلفه، سيظل يصفق الأبواب من خلفه، حتى يغلق الباب الأخير: باب الكلية الحربية حافظ على مستواه في المدرسة المتوسطة، لا تقدم يذكر سوى في التربية الرياضية. يساعده جسده الرشيق الذي بدا ينمو راسيا في اجادة الكرة الطائرة، يقود فريق المدرسة للفوز في الدورة المدرسية، في العطلة الصيفية عاد مع اقرانه لمحاولة سرقة القطار، لكنهم حرصوا على تجنب القطارات التي تحمل عتادا حربيا. كانت الغنيمة بضعة صناديق من الشاي والصابون وحجارة البطارية. للأسف لم تتمكن شباكهم من صيد السجائر، لكنهم قاموا باستبدال حجارة البطارية بالتبغ واوراق اللف، حين جلسوا مساء للتدخين فوق كثبان الرمال، قال أحد زملاء السطو على القطار: لا بد أن نجد اسما ما لعصابتنا! هناك أولئك الشباب الذين يسطون على بساتين الموالح يسمون عصابتهم عصابة البرتقال، انه اسم يصلح لفرقة مسرحية او غنائية، لا يثير اية نوع من الرعب او الخوف، نحتاج لاسم يلقي الرعب في اذن من يسمعه، اسم يعطي انطباعا بأن عصابتنا عصابة خطيرة فيها رجال اشداء! اقترح احد زملائه، ما رأيكم أن نسميها عصابة السيد الرئيس! ضحك أفراد العصابة، لاحظ أحد زملائه: كيف يشارك رئيس الجمهورية في السطو على القطار؟ لو ألقت الشرطة القبض علينا هل سيعتقلون رئيس الجمهورية أيضا؟ لن يلاحظ زميل السطو على القطار، أن زميلهم الذي كانوا ينادونه بالسيد الرئيس تهكما من نبوءة غير مؤكدة، سيأمر باعتقال لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو بعد أن حاولت إيقاف عمليات تهريب الذهب واللحوم التي تقوم بها شركات تتبع للجيش والجنجويد وجهاز الأمن مع مرتزقة فاجنر، وأنه رفض تسليم تلك الشركات للحكومة بل أنه كان رئيس الجمهورية الوحيد في العالم، الذي يأمر بخنق بلاده، فقد قام بالتنسيق مع الجنجويد وفلول نظام الجنرال عمر البشير الطامعين للعودة الى السلطة من خلف ظهر العسكر، قام بالتنسيق معهم لإغلاق الميناء الرئيسي وطريق الخرطوم بورتسودان، للتمهيد لانقلابه العسكري على الحكومة المدنية.
*******************
بدأت خطوات الجنود تتسارع من حولهم، وسمع صوت إعداد الأسلحة التي ستستخدم في اعدامهم، سحب نفسا عميقا، ثم رأى صورة والده، بسبب ارتباكه بدا له في البداية كأنه يرى والده الميت يقف أمامه في الواقع وليس من خلال الذاكرة، شعر ببعض الاطمئنان حين رأى والده، رغم إحباط أنّ والده سيرى بنفسه موت ودفن الحلم الذي بدأ في الاعداد له حتى من قبل ميلاد ابنه. فوجئ أنّ والده لم يكن حزينا بسبب انهيار حلمه كما توقع، بالعكس كان وجه والده ينضح بالفرح، انتبه بسرعة الى أنه كان يرى والده في اليوم الذي ظهرت فيه نتيجة امتحان الشهادة السودانية، بعكس توقعات معلميه، أحرز نجاحا، لم يكن نجاحا مُكلّفا، تقام له الولائم أو تُدق له الطبول، لكنه كان كافيا مع بعض الدفعات القوية من بعض الاقرباء النافذين، ليُدخله الى الكلية الحربية. كانت السنة الأخيرة قبل أداء الامتحان صعبة مع ضغوط والده وضغوط المدرسة الحريصة على الدفع بكل تلاميذها للنجاح. حين استطاع مرشد الفصل تحديد بعض نقاط ضعفه، وضع له برنامجا لمذاكرة دروسه، كما شرح له بعض الطرق العملية، يستطيع بها التغلب على بعض مشاكله في حفظ معلّقة زهير ابن ابي سلمى، لكنه لم يبد اهتماما بذلك، أعلن: استطيع انا أيضا إيجاد طريقة سهلة للحفظ! قال المدرس: نحن نحاول فتح الطريق أمامك؟ لماذا تغلقها؟ قال: لا اريد الذهاب الى الجامعة، قال والدي أنني سأصبح رئيسا، لماذا ارهق نفسي اذن؟ ابتسم المدرس بحزن، لا ليسخر من النبوءة الساذجة، التي تشبه ادعاء احدهم النبوة، بل اشفاقا على الصبي اليافع من عواقب أحلام والده وطموحه الانقلابي. لن يصدق المدرس حتى وان امتد به العمر ان الصبي، الذي اغلق كل طريق حاول المدرس فتحه امامه، سيأمر بعد عدة سنوات بإغلاق ميناء بورتسودان والطريق الرئيسي من الميناء الى العاصمة لخنق الحكومة المدنية حتى يتسنى له تنفيذ انقلابه على حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، بل سينفذ المخطط الذي وضعه حزب المؤتمر الوطني، لتشويه صورة المعتصمين السلميين أمام القيادة العامة تمهيدا لمجزرة فض الاعتصام، التي مثّلت انقلابه قبل الأخير في الطريق الى قصر غردون المعبّد بدماء الشهداء. سينفذ مخطط المؤتمر الوطني وعصابات الجنجويد لإثارة القلاقل والفتن في دارفور وتنفيذ مجازر بحق السكان المدنيين، ليس فقط لطرد السكان من قراهم وبيوتهم واستغلال المنطقة في التنقيب عن المعادن، بل أيضا لتهيئة الجو عبر حجة انهيار الأمن للتمهيد لعودة حزب المؤتمر الوطني الى السلطة كحاضنة لانقلابه . حين وصل الى المحطة الأخيرة: الكلية الحربية سيشعر والده بالكثير من الراحة، فتنفيذ مخطط الحلم الانقلابي يسير بنفس الصورة التي توقعها، سيشعر والده أنه قد أنجز دوره في النبوءة، وأنّ سيل النبوءة سيمضي دون أية تدخل أو مساعدة، وسيكتسح في طريقه كل من يحاول الوقوف في طريقه. بدأت صورة والده تتلاشى ببطْ في ذاكرته، رغم أصوات تقدم الجنود من حولهم وصوت اعداد البنادق لإطلاق النار، لكنه شعر انّ والده اختفى من أمامه فقط حين عرف أن حلمه قد تحقق! اكتشف انه لا يزال حيا بعد ان انطلقت الزخات الأولى من الرصاص وسماعه لصوت سقوط أجساد بعض زملائه في الحفرة التي تم ايقافهم على حافتها. رفع يده ليغطي عينيه من كشافات الضوء الباهرة وليحمي رأسه من زخات الرصاص التي توقع انها ستنهمر فوقه، اخترقت اذنيه فجأة صوت آلة تنبيه، يصدر عن سيارة كانت تتقدم الى المكان بسرعة خارقة، صوت آلة التنبيه كان كأنه ينطلق من خارج الزمن، يطفو فوق الغبار وركام أصوات زخات الرصاص، وصوت آلة الحفر تهيل التراب فوق أجساد زملائه الأحياء!
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق August, 20 202
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة