إنني كلما تأملت ماضي هذه البفعة البائسة، استطعت فهم الشخصية السودانية، إذ أنها هي هي لم تتغير منذ ما قبل المهدية وحتى اليوم، فهي شخصية ترتكز على اللصوصية بشكل عام تحت غطاء أخلاقي مزيف. الإنسان السوداني إنسان مزيف، ليس عند السياسيين فقط؛ فهؤلاء مرتزقة مفتضحون؛ وإنما حتى عند جامعي القمامة. لقد قال أحد السياسيين لإحدى المومسات: أنا سياسي شريف. فقالت: وأنا عاهرة عذراء. هذه هي الشخصية السودانية، إنها شخصية تزعم الشجاعة والكرم وهي خلو من كليهما. والواقع كله يثبت عكس ما يزعمونه. فلو دخلت اي مصلحة حكومية ستجد تسعة طويلة، وفي كل وزارة وولاية..الخ. إن اقلهم إجراماً هم تسعة طويلة خاطفي الحقائب، فهؤلاء بسطاء يعانون من الفاقة والعوز. ولكنهم لا يختلفون عن تسعة طويلة من المسؤولين سوى في أن المسؤولين أتيحت لهم فرصة الحصول على السلطة. لذلك فإن تصرف رئيس الحزب هو نفسه تصرف ضابط الجيش ونفسه تصرف حارس البناية، ونفسه تصرف كل من يحصل على سلطة ولو صغيرة ليسرق منها وليذل الآخرين ولا فرق سوى في مستويات اللصوصية. في الواقع ما حدث منذ الاستقلال وحتى اليوم يؤكد تلك الشخصية البائسة التي قال عنها الرسول (ص): إن شر رقيقكم السودان؟ إذا جاعوا سرقوا وإذا شبعوا.. زنوا. والرسول الذي لا ينطق عن الهوى، تأكد صدق ماقاله ويتاكد يوماً بعد يوم. لذلك نحن مجموعة شعوب داخل رقعة بائسة، لا يمكن أن تتقدم للأمام مع وجود سلطة. فأقل سلطة يملكها أي سوداني ستحيي روح اللصوصية فيه من ناحية والتسلط من ناحية أخرى، فإذا نالها، غشيه الخوف من نزعها منه فسرق، فإن سرق تفحش، فالزنا ليس فقط نكاح النساء، بل هو رمزية للفحش وعدم الاخلاق. إن افضل حل لهذه الشعوب هو أن لا يملك أي واحد فيها أي سلطة. وإذا كان هذا مستحيل عملياً، لأن أي دولة لا تكون دولة كذلك إلا بسلطة، فإن الحل الوحيد هو تخفيف حضور السلطة بقدر المستطاع، ولا يكون ذلك إلا بالآتي: ١-تكوين دولة شبه كونفدرالية. ٢- تفكيك الجيش وباقي الجيوش برمتها وتسريحها. ٣- أن تكون لكل شبه دولة كونفدرالية شرطتها الخاصة وبقوانينها الخاصة. ٤- أن تعقد كل شبه دولة إتفاقيات حماية مع الدول الكبرى. في مقابل جعل مالي محدد. ٥- أن تكون لكل شبه دولة عملتها الخاصة بها وبنكها المركزي. ويمكننا أن نسمي هذا الوضع بالكونفدرالية الوسيطة semi Confederation. في الواقع لم تكن شبه الدولة السودانية بحاجة إلى جيش، بل خرجت كل أزماتها من الجيش، فلولا الجيش لما سلمت الاحزاب السلطة لعبود ولما انقلب الشيوعيون على الدموقراطية ولا خرج التمرد من الجنوب ودارفور والنيل الازرق وشرق السودان، ولا انقلب الاسلاميون على الدموقراطية،..الخ. فليس ذلك لأن الجيش (كمؤسسة) شيء سلبي، ولكن الجيش (كسلطة) هو الشيء السلبي، والذي يجب ألا يكون بيد أحد. ولا يمكن بأي حال أن يكون لأي جهة الحق في حمل واستخدام السلاح إلا وظهرت حقيقة الشخصية السودانية بدل زيفها. سنقرأ هذه الأيام كما كان الحال باستمرار في السابق، منشورات ومقالات عدائية بين الإسلاميين وغيرهم، إنهم جميعا يحلمون بالجيش، ليمارسوا التسلط، وهذا ليس بالقضية المستغربة ولا المدهشة فقبلهم ببضعة أشهر رأينا كيف مارس الشيوعيون ومن معهم في كتلة قحط ذات التوجه التسلطي، ومن هم قبلهم كذلك في سائر العهود الماضية. لابد للعودة إلى الديموقراطية الإنثنية والجهوية، عبر الكونفدراليات شبه المستقلة، بدون جيش لا يقاتل -في الحقيقة- إلا أبناء جلدته، ويجب نزع السلاح من الجميع، أياً كانت المسميات المخاتلة كتسمية (قوات نظامية)، إن كلمة نظامي تعني الخضوع للقانون؟ وحتى اليوم لم نرَ أي خضوع من هذه القوات للقانون، بل ولا حتى قانونها العسكري، إنها -على العكس من ذلك تماماً- تثير الفوضى العارمة بالانقلابات ودعم حزم على حزب، وحروب ضد مواطنين يحملون الجنسية السودانية. لذلك نحن لا نحتاج لجيش ولا لإعادة دمج، نحن نحتاج لأن لا تكون هناك سوى شرطة، تنتخبها وتختارها الأقاليم (شبه الدويلات الكونفدرالية). كل شرطة من أبنائها هي نفسها، وكل إقليم يرتب ويوفق أوضاعه الدستورية لتنظيم العمل الشرطي، بما يحقق مصالح كل شعب من شعوبه. كذلك، فإن تقسيم السودان إلى دويلات كونفدرالية يمنعها من السقوط في مثالب القرارات السياسية الخاطئة. لقد عانت أقاليم السودان برمتها من شعارات الإسلاميين السابقة (أمريكا روسيا قد دنا عذابها)، وعانى في عهد قحط من الإباحية والعهر لخدمة أجندة أجنبية، وعانى في العهود الماضية من خيارات المجموعات الشمالية الحاكمة حين اختارت الانحياز للعرب، ثم باع العرب قضاياهم، فظلوا هم متمسكين بها أكثر من العرب (ناس البكا غفروا والجيران كفروا)، وهكذا كانت الأقاليم برمتها تعاني من خيارات المركز الخاطئة، بلا ذنب اقترفته هذه الأقاليم ولا شعوبها. لذلك لا بد من كونفدرالية وسيطة كما أسلفت، يمكنها أن تتحد في بعض القضايا الاقتصادية، كالعبور الآمن، والمناطق الحرة، وغير ذلك. أما الدستور والقوانين والشرطة والقضاء وتوزيع الثروة والسياسات الخارجية فتترك لكل إقليم، من شاء أن يطبق الشريعة الإسلامية فليفعل ومن شاء تطبيق البوذية فله ذاك ما دام شعب ذلك الإقليم قد اختار ما اختار.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 04/16/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة