(١) يسبب البعد الاقليمي و الدولي الحاضر بقوة في ساحة الصراع السياسي السوداني، قلقا كبيرا لكل حادب على مصلحة الوطن. فالناظر لمعادلة الصراع، يجد حضورا وازنا لما يسمى بالمجتمع الدولي ممثلا في الامم المتحدة، التي للأسف تعكس مصالح الامبريالية الامريكية باستثناء الحالات التي يتم فيها استخدام الفيتو لايقافها عند حدها، و هي محدودة أخذا في الاعتبار دواعيها و تشابك المصالح في عالم الامبرياليات المتصارعة اليوم. و من المؤكد إنه ليس هناك استعمار افضل من الآخر من حيث الجوهر، و لكن مظاهر الاستعمار تتفاوت من حيث آلياتها و ادواتها و تكتيكاتها، و تخلف التناقضات بين هذه الامبرياليات فرصا للمناورة. و بما ان الامبرياليتين الامريكية و الروسية حاضرتان بقوة في الصراع السوداني، لا بد من حساب أثر صراعهما في اوكرانيا على الواقع السوداني. فالواضح ان المنتصرِ في الحرب الاوكرانية، سوف يحاول حتماً اقصاء الآخر و هزيمته في مواقع أخرى، لفرض خارطة صراع دولي جديدة تعكس مستوى التناقض بين هذه الامبرياليات و طبيعة النظام الدولي الجديد. حتى هذه اللحظة يحاول المجتمع الدولي عبر ممثله فولكر، فرض تسوية مع الانقلابيين تحمي ادواته، من قيادة للجيش تابعة لدولة الانقاذ، و جنجويد قيادتهم تشكل مع القيادة المفروضة على الجيش، الزراع الضاربة لراس المال الطفيلي و دولة تمكينه. الامبريالية الامريكية و الروسية معا، لا خلاف بينهما حول وجوب فرض هذه التسوية، للحفاظ على دولة التمكين و تهبيطها هبوطا ناعما، لأنها تحت السيطرة. فالطرفان مستفيدان منها و من وجودها، و متمكنان من الحفاظ على مصالحهما معها. احداهما عبر الدول التابعة لها في المنطقة، و الأخرى عبر مليشيا غير رسمية تابعة لقيادتها. و السؤال هو: هل سيستمر هذا التوافق في حال خروج احد الطرفين مهزوما في اوكرانيا؟ في تقديري ان الراجح في استمرار التوافق حول السودان من عدمه، ليس العامل الخارجي في الصراع بين الامبرياليات، بل ما تواجهه من صعوبات في تمرير خطها السياسي في السودان. فالصراع في اوكرانيا لا ينعكس بصورة ميكانيكية على الصراع في السودان، لأن النصر فيه لا يعني هزيمة كاملة للطرف المهزوم ليستسلم في معادلة الصراع الدولية، كما ان هذه الامبرياليات تعمل على أساس استراتيجيات تراعي مصالحها بشكل جيوسياسي، يسمح لها بالتلاقي مع العدو في اماكن، بالرغم من وجود صراع ساخن معه في مكان آخر، تحول الى حرب بالوكالة، بالإضافة إلى وجوب مراعاة طبيعة الصراع في كل منطقة و شروطه و أطراف معادلته. إذ لا يتصور ان تقوم روسيا في حال انتصارها في اوكرانيا، بطرد الولايات المتحدة الامريكية مع ادواتها من السودان، كذلك لا يتصور ان تقوم الولايات المتحدة الامريكية بطرد أدوات روسيا من السودان، في حال انتصار ادواتها في اوكرانيا عبر منع روسيا من تحقيق اهداف الحرب، على الاقل بتوفير فرصة حصار روسيا اقتصاديا لبقية الامبرياليات. و لكن ستنعكس نتائج هذه الحرب الساخنة مباشرة على الادوات السودانية في خارطة الصراع. و الجنجويد هم اول من سيتأثر بها مع قيادات الجيش المشاركة في تهريب الذهب الى روسيا، الذي اتضح أنها استخدمته في تكوين احتياطي ليساعدها في التحضير لحربها في اوكرانيا و مواجهة العقوبات الاقتصادية. فقيادة الجنجويد، تقع مباشرة في خط تقاطع مصالح الامبرياليتين، فهي من ناحية في تحالف وثيق مع مليشيا فاغنر، التي توفر لها التدريب و الدعم الالكتروني و التسليحي جزئيا بعلم و تعاون الكرملين، و من ناحية أخرى لها مصالح ضخمة مع دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال تهريب الذهب و بيع المرتزقة لحرب اليمن، و مع دولة إسرائيل في مجال النشاط الأستخباري و العسكري و الزراعي أيضا، و الدولتان المذكورتان لاعبان رئيسيان في مشروع الامبريالية الامريكية في السودان.
(٢) و هذا يؤكد ان الصراع للسيطرة على هذه المليشيا بدا مبكرا، و لن ينته او يحسم بمجرد الانتصار و الهزيمة في الحرب الاوكرانية و ظهور نظام متعدد الاقطاب، لان الولايات المتحدة الامريكية لن تستسلم، و لأن إحتمال تحول الصراع بين الامبرياليتين لحرب ساخنة في السودان غير وارد، بحكم تنافسهما على نفس الادوات المحلية، و أثر الصراع الساخن بينهما على وحدة البلاد موضوع النهب و الاستغلال و على الوضع الجيوسياسي الاقليمي برمته. إذ ليس لروسيا مصلحة منظورة في تقسيم السودان الآن، لأن الذهب الذي تنهبه موجود في شمال و غرب البلاد، و من الأفضل لها أن تنهبه عبر مليشيا و قيادة جيش يحكمان كامل البلاد. أما الولايات المتحدة الامريكية، فليست مستعجلة على التقسيم و إن كانت لا تمانع في جعله واقعا إذا اقتضت مصالحها ذلك، فهي مازالت تقيم تجربة فصل الجنوب و تداعياتها غير الإيجابية. لذلك حسن توظيف و استخدام هذه المليشيا مع قيادة الجيش غير الوطنية، يلزم الامبرياليتين على التعايش، و هذا التعايش ينعكس على سلوك مليشيا الجنجويد و قيادة الجيش معا، و يتضح في ممارستهما السياسية. فالواضح هو ان قيادة الجيش الانقلابية قد كلفت قيادة الجنجويد بإدارة ملف العلاقات مع روسيا، و في نفس الوقت ملف العلاقات مع إسرائيل مع مشاركتها في التعاطي مع الأخيرة. و هذا تقسيم للعمل يسمح لها بترحيل التناقض ليصبح هما للجنجويد، كما يسمح لها بالاستفادة من الإدعاء لمشغليها الاقليميين بأنها ليست طرفا مباشرا في العلاقة مع روسيا. و هذا يعني أنها حاضرة للخضوع لارادة الامبريالية الامريكية و ادواتها في المنطقة، حتى و ان طلبت منها تصفية الجنجويد، بعد توريطهم في هذه المتاهة من الصراعات الدولية التي هي حتماً اكبر من مقدرة قيادة هذه المليشيا متواضعة الامكانيات الفكرية و المعرفية. و مؤدى ذلك أن العامل الأهم في التناقض الثانوي بين قيادة الجنجويد و قيادة الجيش، ليس الاختلاف حول السلطة و الثروة داخليا فقط، بل متطلبات و اوامر المشغلين في الخارج، لان العمالة وحدها هي شرط استمرار هذه السلطة الانقلابية، و هي نفسها لن تقيض لها الاستمرار. لذلك التحول في طبيعة النظام العالمي و تعدد اقطابه في حال انتصار روسيا في حربها، لن ينعكس بصورة ميكانيكية على خارطة الصراع السودانية، و سيكون انعكاسه بصورة معقدة، تمر عبر آليات و صور الصراع بين الامبرياليات على الموارد، و شروط كل معادلة سياسية على حدة. فهو بالحتم سيضع قاعدة عامة للصراع المذكور ، لكنه سينعكس على كل صراع جزئي و مناطقي وفقا لشروط هذا الصراع و خارطته السياسية و الجيوسياسية. و يبقى الحاسم في خارطة الصراع السياسي السوداني، هو دور الشعب و شارعه السياسي. فالشعب الذي منع المجتمع الدولي من تعويم سلطة الانقلاب حتى الان، قادر على اجبار الامبرياليات التي تحركه من التخلي عن العمل على تثبيت سلطة الانقلابيين ، و دفعها الى استخدام وسائل اخرى للتعاطي مع هذا الواقع ، و مع فشل ادواتها في تثبيت سلطتهم اللقيطة. كذلك يستطيع أن يجبرها على التعايش في المعادلة السياسية السودانية، بالرغم من وجود حرب بالوكالة ساخنة بينهما في مكان آخر، تواكبها حرب اقتصادية معلنة. فالجديد هو ان الحرب الاقتصادية اصبحت معلنة، و لكنها كانت مستمرة دون اعلان منذ زمن طويل في اطار الصراع على الموارد. عليه لا يمكن القول بان إعادة صياغة النظام العالمي لن تؤثر على الصراع السياسي في السودان، لكن هذا التاثير سيكون معقدا و لن يكون بسيطا بحيث يطرد الطرف المنتصر الآخر من الساحة في طرفة عين، و الدور الحاسم للشعب الذي لديه القدرة دائماً على صياغة معادلته السياسية، و اسقاط النظم التابعة و العميلة. و بالتأكيد هناك الكثير من السيناريوهات متوقعة الحدوث، لا بد من التعرض لها لاحقاً.
(٣) لنبدأ بالسيناريو الأول و هو انتصار روسيا في حربها مع اوكرانيا. ما هي تداعياته على خارطة الصراع السودانية؟ لن تستطيع روسيا طلب قطع العلاقات بين قيادة الجيش و مليشيا الجنجويد مع الولايات المتحدة الامريكية و ادواتها في المنطقة، و ذلك لما يلي من اسباب: ١- سلطة الانقلاب في حاجة ملحة للامبريالية الامريكية و توابعها لتثبيت سلطتها المترنحة الآيلة للسقوط. ٢- سلطة الانقلاب لديها مصالح اقتصادية ضخمة مع أدوات الامبريالية الامريكية في المنطقة. ٣- سلطة الانقلاب لن تحتمل مزيدا من التضييق و العقوبات الامريكية. ٤- سلطة الانقلاب متواجدة في منطقة تخضع بكاملها للنفوذ الامريكي. ٥- سلطة الانقلاب ليس لديها الادوات لفرض ارادتها على الولايات المتحدة الامريكية و ادواتها في المنطقة. و هذا يعني حتماً ان ترضى الامبريالية الروسية بالتعايش مع الامبريالية الامريكية في السودان، مع صياغة جديدة للمعادلة، يتم فيها الاعتراف بالمصالح الروسية في السودان. و ذلك يتم بقبول الامبريالية الامريكية وجود قاعدة عسكرية روسية في شرق السودان، و استمرار تهريب الذهب الى روسيا ، و رسوخ و توسع دور مليشيا فاغنر التابعة للكرملين بصورة غير رسمية في البلاد. و السيناريو الثاني هو هزيمة روسيا في اوكرانيا و فشلها في تحقيق اهدافها من الحرب. و في هذه الحالة لن تستطيع الولايات المتحدة الامريكية طردها من السودان لما يلي من اسباب: ١- الوجود الفعلي المؤثر لمليشيا فاغنر و تداخل مصالحها مع قيادة الجنجويد و الجيش. ٢- اكتسابها حق اقامة قاعدة عسكرية وجودها يصبح أهم في حال الهزيمة. ٣- حاجة مليشيا الجنجويد الملحة لديها من حيث التدريب و الدعم، خصوصا و ان السلاح المستخدم لدى المليشيا و الجيش روسي في غالبيته. ٤- عدم الرغبة في تحول الصراع الى صراع عسكري ساخن، ربما تضطر له روسيا في حال الهزيمة و ازدياد حاجتها للذهب في ظل العقوبات الاقتصادية. جميع ما تقدم يفرض على الولايات المتحدة الامريكية قبول وجود روسيا في المعادلة، مع الاستمرار في رفض وجود قاعدة عسكرية لها في شرق البلاد، و تقليص مساحة نفوذ مليشيا فاغنر داخل البلاد، و تقليص نصيبها من الذهب المهرب. أما السيناريو الثالث، فهو سيناريو استمرار الحرب في اوكرانيا لفترة طويلة و تحولها لحرب استنزاف، ليس فيها منتصر مع معاناة روسية من استمرارها. و هي حالة روسيا تكون فيها اقرب للهزيمة و في وضع شبيه بوضع الولايات المتحدة الامريكية في أفغانستان سابقا. و في هذه الحالة سيستمر التعايش في السودان، مع محاولة كل طرف تقليص حجم نفوذ الطرف الآخر، دون الدخول في مواجهة مباشرة. و بالطبع سيكون وضع السلطة الانقلابية الحاكمة صعبا لايجاد نقطة توازن في هذه المعادلة المعقدة. أما السيناريو الرابع فهو سيناريو انتصار الشعب السوداني المحتوم و اسقاط السلطة الانقلابية، الذي سيجبر هذه الامبرياليات المنتصرة و المهزومة او المعلقة في حالة استنزاف للتعاطي معه بشكل جديد. و تداعياته كما يلي: ١- حل مليشيا الجنجويد و طرد مليشيا فاغنر من البلاد. و في هذا ضرب مباشر لمصالح الامبريالية الروسية لأنه حتما سيتبعه منعها من اقامة أي قاعدة عسكرية تنتهك سيادة البلاد. لذلك يتطلب جيش موحد و قوي، و دعم دولي من الممكن الحصول عليه في ظل الصراع بين الامبرياليات. ٢- ضرب مصالح الامبريالية الامريكية و ادواتها في المنطقة بإسقاط سلطتهم الراغبين في تعويمها. و هذا يتطلب وحدة جماهيرية و تنظيم عالي، مع إعادة هيكلة الجيش لانجاز مهام الدفاع عن البلاد، و تكوين جهاز امن وطني بصفة مستعجلة بعد حل جهاز امن الانقاذ الحالي، و خلق علاقات دولية متوازنة بعيدا عن سياسة المحاور. ٣- السيطرة على موارد البلاد و توظيفها وفقا للمصلحة القومية، و هذا سيجبر هذه الامبرياليات على التعاون بين بعضها البعض لمنع حدوث ذلك. و من الممكن مواجهة هذا التعاون باستغلال التناقضات بين الامبرياليتين، و الصراع بينهما و بين دول أخرى وازنة كالصين و بقية دول البريكس، مع اجبارهما على التعاون من خلال وحدة شعبية اسسها وضعتها ثورة ديسمبر المجيدة. و كل ذلك في ظل الحفاظ على خطاب سياسي هادئ يتفادى المواجهة و الصراع المعلن معها. يلاحظ ان السيناريو الأخير هو السيناريو الأفضل لشعبنا لإخراجه من دائرة التبعية، و هو برغم كلفته العالية ، مردوده إيجابي حتماً، لأنه يكرس انتصار الشعب و سيطرته على موارده، و لا يواتينا أي شك في حدوث هذا الانتصار. و قوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!!
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 03/20/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة