مقاربة د. عبد الله الفكي البشير بين آراء الأستاذ محمود محمد طه والبروفيسور أمارتيا سن تجاه التنمية تلهم المتخصصين في التنمية وتدفعهم لفتح باب المقارنات دون الاعتراف بالفضل
بدر موسى
"والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشِّر، من سعة العلم بدقائق الإسلام، وبدقائق الأديان، والأفكار، والفلسفات المعاصرة، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز امتياز الإسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكيَّة". (محمود محمد طه، الثورة الثقافية، 1972، ص 17).
مقاربة د. عبد الله بين الأستاذ محمود والبروفسيور سن تربك المتخصصين وتظهر تناقضات مواقفهم منها
عندما صدر كتاب عبد الله، وفي أول ندوة نُظمت لتدشينه في مساء الجمعة 15 أكتوبر 2021 في أم درمان، هاج وماج البعض، وأبوا تلك المقاربة، بحجج جليدية، ذابت كلها أمام شمس الحق. لقد تجلت الحجج في تلك الندوة في حديث ثلاثة من المثقفين، اثنين منهما جمهوريان والثالث صديق للجمهوريين، والثلاثة هم: الدكتور عمر القراي، والدكتور محمد جلال هاشم الذي كان المعقب الأول، وقد أعتذر المعقب الثاني، الدكتور مجدي عزالدين، في آخر لحظة. ذكر محمد جلال هاشم بأن كل ما أورده في الندوة من حديث كان بالاشتراك والتشاور مع الدكتور قصي همرور، الذي لم يكن حاضراً للندوة، ولكنه مثَّل الصوت المكمل للثلاثي في الندوة، إذ جاءنا صوته عبر محمد جلال هاشم. (للمزيد أنظر مقالنا الذي تم توزيعه في مجموعات الإخوان الجمهوريين، وجاء في خمس حلقات، وكان بعنوان: "حول نقد الدكتور القراي لكتاب أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حرية- محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة)، تأليف الدكتور عبد الله الفكي البشير، تمخض الجمل فولد فأراً"، (يمكنني تزويد من يطلب المقال بنسخة). كان من بين تلك الحجج أن الأستاذ محمود لا يقارن، وتبين أن المقارنة التي جاءت في كتاب عبد الله قد تمحورت حول موضوع التنمية، وليس بين الرجلين. ثم بيَّنا بالنصوص الموثقة، ما ينسف حجة أن الأستاذ محمود لا يقارن من أساسها، بل يبرز عدم اتساقها مع الفكرة الجمهورية، إذ أثبتنا بأن الأستاذ محمود يدعو لإجراء المقارنة بين الإسلام والفلسفات المعاصرة والأديان الأخرى، بصورة تبرز امتياز الإسلام، وتقنع العقول الذكيَّة، كما ورد في نص الأستاذ محمود الذي صدّرنا به حلقات هذا المقال. ومن الحجج التي صاغها الثلاثي في تلك الندوة، كذلك أن البروفيسور أمارتيا سن صنعته الدوائر الغربية والرأسمالية... إلخ. وحينما حدثهم عبد الله في كتابه ومحاضرته عن الصيت والأثر الكبير لكتاب أمارتيا سن في تكييف الوعي الجمعي العالمي تجاه الفكر التنموي، خاصة في الجامعات ومراكز البحوث والدراسات في مختلف أنحاء العالم، غالطوا وكابروا. وأضاف الدكتور قصي لاحقاً، وبصورة خاصة، قائلاً: إنه لم يهتم بأمارتيا سن، ولم يركز عليه، ليس لأسباب تتصل بعدم اطّلاع، بل نسبة لموقف نقدي، فهو قد قرأ سن، ولكن تجاوزه لأن سن لم يكن إشتراكياً!!! واليوم يعلن الدكتور قصي بنفسه عن تلاشى حجته تلك، فيُظهر اهتمامه الكبير بكتاب أمارتيا سن، ويُوعدنا بإجراء مقارنات معه، كون أن كتاب سن من الأهمية بمكان في الجامعات في العالم. فقد كتب الدكتور قصي، قائلاً: "في دراسات التنمية، في الجامعات، حاليا، يصعب أن يتخرج المرء بدون أن يكون قد مرّ على كتاب أمارتيا سن هذا، لأن به تأطير تعريفي للتنمية يختلف عن تأطيرين ثانيين أساسيين: التأطير اللبرالي الكلاسيكي والتأطير النقدي/الجذري اليساري (وهو من ناحية التأطير جديد نسبيا وجدير بالقراءة والاستعمال، ومن ناحية محتوى الأطروحة فمجمل حججه الكبرى نتيجة تراكمات في دراسات التنمية يمكن أن نجدها في كتابات أخرى متفرقة من السبعينات حتى التسعينات، لكن لأمارتيا سن نكهته ومساهمته المهمة فيها)". وفي تقديري، أن أسباب تغيير الدكتور قصي لموقفه من تجاوزه لكتاب أمارتيا سن بسبب موقف نقدي، إلى الاهتمام به، لا يعود إلى كون أن سن قد أصبح اشتراكياً بين ليلة وضحاها، ولكن يرجع السبب، وبشكل مباشر، إلى تأثير كتاب عبد الله القوي والفعَّال في فضاء دراسات التنمية، خاصة في تسليط الضوء على كتاب أماريتا سن، حيث أن كثير من المتخصصين لا يعرفونه، دعك من المهتمين والقراء، هذا إلى جانب أن كتاب عبد الله قد قدم طرحاً عابراً لمسلمات المتخصصين السودانيين في التنمية تجاه أمارتيا سن، وطرحاً عابراً كذلك لمسلمات بعض الجمهوريين في رفضهم لمقارنة آراء الأستاذ محمود مع آخرين، فضلاً عن دور كتاب عبدالله العظيم والجليل في نشر ثقافة إجراء المقارنات. ولكل هذا فإن كتاب عبد الله نسف كل الحجج الواهية والوهمية، وأعاد الاعتبار لأهمية المقارنات مع آراء الأستاذ محمود محمد طه، ومع كتاب أمارتيا سن، بدلاً عن الانكفاء على قناعات وحجج لا تجد تبريرها إلا في الكسل العقلي أو الجهل بأمارتيا سن، أو عدم الاعتراف بالفضل. سأواصل التفصيل في الحلقات التالية…
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 03/19/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة