الكثيرون يتوقعون ،من موقف الفرجة ، ان تنتهى القصة بانتصار الثورة على الانقلابيين . ومن ثم الوصول الى الدولة المدنية الديموقراطية التى تحقق شعارات الثورة فى الحرية والسلام والعدالة . وهو ماسيحدث فى نهاية الامر ، ذلك لأنه قد ثبت من مسيرة الاحداث منذ التاسع عشر من ابريل 2019وحتى السادس والعشرين من فبراير 2022ما يدل على ان مايحدث ثورة بحق وان الانتصار سيكون من نصيبها فى نهاية الامر. ولكن المتفرجين يستعجلون النتيجة اما لأنجاز امر يهمهم ، او لأنهم لايدركون مامعنى ثورة . ولذلك لابد من الاتفاق على تعريفها وايضا تعريف ماهية المجتمع الدولى لتكون الامور واضحة لنا ولهم . فالثورة كما يجئ تعريفها فى الادب السياسى هى عملية تسعى لتغيير جذرى للمجتمع الذى تنشب فيه . وقد اوضحت فى مقال سابق ان اكتوبر وابريل فى السودان قد كانتا انتفاضتين بحسب ما توصلتا اليه ، او بالاحرى مالم تتوصلا اليه من نتائج مرجوة ، برغم سعى من شارك فيهما ، الى تغيير جذرى يجعلهما فى عداد ا لثورات ، وذلك بسبب توازن القوى الذى كان يميل الى اطراف مضادة لشعارات التغيير الجذرى وقتها . فاذا جئنا لثورة ديسمبر المتفردة ، فاننا نجد انها قد طرحت منذ البداية شعارات تؤكد سعيها لتغيير جذرى للمجتمع ، وقد كانت تلك الشعارات تعبير عن التجارب التى مر بها المجتمع السودانى من بعد الاستقلال من تجارب نضالية شملت الداخل والخارج . فشعار الحرية كان يعنى التحرر داخليا من معوقات تنموية وقبلية واثنية وجهوية وكذلك التحرر خارجيا من التبعية بجميع اشكالها . اما السلام فهو شعار كان لابد من طرحه فى بلد شهدت اغلب سنوات مابعد استقلاله حروبا اهلية ، بما فى ذلك من آثار فى جميع مجالات حياة شعوبه كان لابد من مخاطبتها فى اتجاه التغيير الجذرى للمجتمع . كذلك العدالة بمعناها الشامل جزائيا واجتماعيا لوضع الاساس الحقيقى لذلك التغيير المنشود . ولم تقف الثورة الديسمبرية عند حد طرح الشعارات، التى سارت وراءها منذ البداية قطاعات واسعة من جماهير الشعب الواعية ،وانما سعت تلك الجماهير، يسندها ذلك الوعى المتراكم ،الى الحرص المستمر على الحفاظ عليها وتوجيه من بيده السلطة الى تنفيذها ، بل والى اصلاح الخلل الذى قد يصيبها نتيجة تضارب المصالح او عدم الوعى الكافى بين من بيدهم السلطة . ولعل فى تتبع بعض الذى حدث منذ اندلاع الثورة وحتى الامس مايدلل على ماذهبنا اليه من اختلاف المواقف والظروف هذه المرة عن مرات سابقة بما يجعلنا نؤكد على تفرد ديسمبر كثورة حقيقية : اولا : وقوف غالبية جماهير الثورة ضد محاولة اللجنة الامنية للنظام السابق سرقة الثورة منذ البداية بالكامل بالادعاء الكاذب بانها انحازت الى جانب الثورة ، وانها ،حماية للثورة ، ترفض الجلوس الى التفاوض مع الطرف المدنى . غير ان خروج الملايين فى جميع انحاء السودان قد اجبرها على قبول الجلوس . وقد كان من الممكن للقوى المدنية فرض شروطها على الاقل فى بنود ماعرف بالوثيقة الدستورية التى تحكم الفترة الانتقالية وتقنن العلاقة بين الطرفين المدنى والعسكرى . غير ان تكوين القوى المدنية وقتها من قوى تمثل الشعارات الحقيقية للثورة فى التغيير الجذرى واخرى كان هدفها تغيير النظام فحسب ، كان عاملا رئيسا فى ماحدث من قبول لشروط ظلت هى العنصر الرئيس فى الانتصارات المتلاحقة لقوى الثورة المضادة حتى وصلت الى حد الكشف عن مواقفها الحقيقية فى اعادة النظام السباق بقضة وقضيضه ! ثانيا : عندما ظنت قوى خارجية انها قد نجحت فى اعداد الشخص المناسب لتولى السلطة بالكامل خدمة لمصالحها ، بل وارسلت مندوبها وهويحمل خطاب الجلوس على العرش، تفاجأت بملايين اكثر تخرج رافضة لهذا بماجعل مندوبها لايجد بدا من الرجوع الى بلده الثانى وهو يجرجر اذيال الخيبة . ثالثا : ظلت جماهير الثورة تخرج المرة تلو الاخرى وهى تحمل نفس المطالب الى من كان بيده السلطة وتطلب منه الاعتماد الكامل عليها لتنفيذ الشعارات التى ظنوا انه يؤمن بها مثلهم ، لكنه ظل يتخاذل حتى بعد ان اقصاه الطرف العسكرى وهويجد تأييد تلك الجماهير اضافة الى تاييد المجتمع الدولى ، لكنه رفض هذا التاييد ووقع اتفاقا مع الطرف العسكرى مبررا الموقف بانه حقنا لدماء ابناء الشعب ! رابعا : بعد انقلاب الخامس والعشرين من فبراير استمر المكون العسكرى فى قتل المتظاهرين السلميين ، غير ان شباب الثورة استمر فى التكاثر وتنويع اشكال النضال بالشكل الذى عزل الانقلابيين تماما بدرجة فشلهم حتى فى اقناع من ادعى مساندة انقلابهم فى قبول المناصب الوزارية . واخيرا جاء دور الكبار سنا وتجربة وخبرة الذين اشتركوا فى مليونيات " نحنا معاكم " فى جميع انحاء البلاد .ثم جاء العمل الثورى فى طرح مواثيق الوحدة بين كل القوى الثورية ، ليس فقط لانهاء دولة الانقلاب ، وانما ايضا للاتفاق على مابعد ذلك ليتم انجازا حقيقيا للدولة المدنية الديموقراطية ،تحقيقا لشعارات الثورة واستفادة من تجارب السنوات الماضية من عمر الثورة لأنجاز وحدة حقيقية بين قواها الحية . وهكذا دللت ثورة ديسمير على تفردها وهى تسعى صعودا وهبوطا لتحقيق شعاراتها الجذرية مثلها مثل ثورات عالمية سابقة استمر بعضها لعشرات السنوات الى ان حقق شعاراته النهائية. وبمناسبة الصفة العالمية فاننى ،ليس من باب التفاخر السودانى ، اعتقد ان الثورة السودانية هى ثورة متفردة ايضا على المستوى العالمى بسلميتها التى اذهلت معارضيها فى الداخل قبل مؤيدييها فى الخارج . فقد حاول المعارضون جرها الى العنف بجميع الاشكال وكان نصيبهم الفشل الكامل خلال ثلاث سنوات كاملة وبالامس نزل الاباء والامهات الى ساحة المعركة فشلت ايدى بعض القتلة ولكنهم افرغوا ضغينة الامس فى مواكب اليوم ! وهكذا ثبت ان الثورة ماضية الى تحقيق شعاراتها بعزم وحزم وانه بمزيد من اقتناع المتفرجين بضرورة الانحياز الى الركب قد بات فجر الانتصار وشيكا . فماذا عن المجتمع الدولى ومواقفه ؟ اولا : الاحظ ان اغلب من تحدث فى مواكب ”نحنا معاكم " قد عبر فى هذا الاطار على حقيقة ان الثورة السودانية تعتمد اساسا على موقف الشارع ، ولذلك عبروا عن ان موقف المجتمع الدولى قد يصبح عاملا مساعدا فحسب على افضل الاحوال . واحب ان اضيف هنا ماأظنه ضروريا لفهم موقف مايسمى بالمجتمع الدولى ، وابدأه بالتعريف : المجتمع الدولى ظل يعبر عن نفسه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بالامم المتحدة ومجلس امنها ، الذى عبر فى ذلك الوقت عن توازن القوى
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 03/20/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة