لكُل المُهتمين بتاريخ بلادنا السياسي وقضية التغيير فيه وبناء دولة حديثة تواكب مايجري في العالم الحديث والمتقدم ونحن بلد ذو تاريخ عظيم وحضارة ، ولنا من الثروات الطبيعية والموارد الهائلة ما "يحسُدنا" عليه الكثيرون ممن هم في العالم وممن حولنا أيضاً ، ولنا مقومات الدولة الجبارة والكبري والمتقدمة ، إذاً لماذا تخلفنا هكذا ؟ ولماذا لازلنا نرزح خلف فكرة التخلص من ( العسكر ) ومن ( الديكتاتوريات) ومن ( الشمولية ) ، ولماذا تتآكلنا ( المجاعات ) و ( الحروب الأهلية ) ، ولماذا يُمثل بلادنا اليوم من هم رمُوزاً للجهل ويجلسون لقادة العالم بإسمنا ، كيف وصلنا لهذا الدرك السحيق ونحن نري ( الحُثالات ) و ( الجهلّة ) ينتشرون من أعلي سُلم الدولة السُودانية إلي شتي مفاصلها ، والسؤال الكبير لماذا تأخر التغيير في بلادنا؟ كغيرنا نعم تعرّض السُودان للإستعمار الخارجي فحكمتنا بريطانيا وقبلها تركيا وحتي مصر شاركت في إدارة بلادنا في "غفلة" من التاريخ في عهد "الإنجليز" كحال أي إستعمار لايري إلا الجهل والتخلف والتأخر فيمن يحكمون
الحقيقة الاولي: هي أننا لم نكن الدولة الاولي التي يتم إستعمارها وإحتلالها من الخارج ، بل ونُعتبر من الدول التي إستقلت باكراً من المُستعمر ، ولكننا للأسف تخلصنا من المُستعمر الخارجي و وقعنا في إستعمار داخلي بأنفُسنا ، فشلنا في تفهُم إختلافاتنا الثقافية و العرقية وتنوعنا ومارسنا ذات السياسة الإستعمارية الخارجية والتي أساسها "سيادة العرق واللون " المُتمثلة في "الرجل الابيض" ، فابدلنا "الرجل الأبيض " بالسيد " السيد المهدي " و "السيد الميرغني " ونسينا أن هنالك الكثير من "السُودانينات" و "السُودانيين" ممن هُم خارج نطاق الإيمان بهذه "السيادة" ، فكان إبتداءً أكبر أحزابنا "السياسية" ممن هم في حيز "الطائفة الدينية" فتولد اليمين "التقليدي" في بلادنا ، وغض النظر لدور الإستعمار الباكر في تغذيته والدفع به وإرتباط دوائره به ، إلا أنها كانت بداية للسيطرة علي طريق السُلطة في بلادنا والثروة معاً ، فكان طبيعياً أن تبدأ "المظالم" وتسود دولة "الرجل الأبيض" الجديدة ولكن في "شكلها المُختلف" ، هُمش الجنوبيون وشعروا بإختلافهم عن البلد الذي يجمّعهم بغيرهم ، فالطائفة الدينية المُتمثلة في حزبي "الأنصار" و "الختمية" كانت الأساس لمن سيطروا "سياسياً" ، نعم كان المُنتمين لها من أغلبية القبائل التي تُدين بالإسلام لكنها لم تكن تُناسب المُختلفين "دينياً" ، وحتي أؤليك الذين كانوا خارج دائرة "السيادة" لم يجدوا مكاناً لأعلي هرم الطائفة والحزب الطائفي لإنعدام معيار وجود "السيادة" ، فمارس "السادة" وجودهم المُطلق في أعلي مراتب "القيادة" و "السيطرة" ، و من ثم بدأ التمكين الطائفي باكراً ، فخرج بهذا كُل من هو لاديني أو غير مُسلم أو حتي غير مؤمن بالطائفية الدينية أو ضدها بعيداً عن مركز "القرار" أي "السُلطة" ، فرحلت دولة "المواطنة" باكراً عن بلادنا ، وليس الجنوبيون وحدهم من تضرروا من هذا بإعتبار أنهم أقلية دينية ولكن حتي مناطق جبال النوبة ، ومناطق الأنقسنا وبعض أجزاء من دارفور و نوبة الشمال ، فكل من هو خارج حزام العروبة والإسلام ، وتعمّق وترسخ هذا المفهوم أكثر بظهور المد اليميني التقليدي المُتمثل في "جبهة الميثاق" ثم "الأخوان المُسلمين " والذين إعتمدوا علي فكرة "الدولة الدينية" و "الإسلام السياسي" ونشر نموذج "العروبة الإسلامية" ، فقضوا علي ماتبقي "للمواطنة" في السُودان ، وجيروا "التعدد والتنوع" لصالح "هوية" تخدم "نفوذهم" السياسي وطريقهم للسيطرة والسُلطة معاً ، من باب "الشريعةالإسلامية" كذلك ، فبالتالي إكتمل "تحالف" الإستعمار الجديد للسُودان فكان طبيعي أن ينضم "الشرق" و أغلبية"دارفور" لرصفائهم من الجنوبيون و النوبة والانقسنا ونوبة الشمال و كل من هو لاينتمي للحيز العروبي أو الإسلامي فكل هؤلاء تم دخولهم في الإستعمار الجديد في السُودان ، فأصبح مُستقبل دولة "المواطنة" و"كُل السُودانيين" في خطر حقيقي وماثل ، ومن الضروري القول أن هذا ليس مُرتبط بالعرق "فقط" ، فكل من لايؤمن بالطائفة أو مفهوم "السادة" ، أو "الدولة الدينية" لا مكان له في هذا "السُودان" المُستعمر الجديد!! ، لذلك خرج كُل دعاة " الدولة المدنية " و"العلمانيون" و"اللادينيون" معهم من ما ظلّ قائماً ، فكان طبيعياً أن تنشأ دولة في السُودان بعد الإستقلال وهي "معطوبة" و مُسيطر عليها من تحالف اليمين التقليدي ( الأمة والإتحادي "أحزاب الطائفية" و الإسلاميين) ، و حتي دخول المؤسسة العسكرية الباكر ، كان له إرتباطات "عرقية" و "سياسية" وتحالفات للسيطرة علي السُودان والسُلطة والثروة فيه ، لهذا لم يسير السُودان في طريق التقدم ، لأن التعليم لم ينتشر ولا الوعي وذلك بشكل مُنظم ليخدم التقليدية و يسيطر "الجهل والمال السياسي و التبعية الدينية والطائفية " علي "صناديق الإنتخابات" في وقت "الديمُقراطية" ، أو " بالتطهير العرقي" و " الإبادة الجماعية" و "القوة العسكرية" في حالة الأنظمة العسكرية و "الديكتاتوريات" ، خاصة بعد "حرب الجنوب " و بقية "الحروب الأهلية" في "جبال النوبة " و"دارفور" و"النيل الأزرق" و بقية الأقاليم والمناطق التي تضررت من هذه "السيطرة" و شعرت "بالمظالم" بما فيها "الشرق" و"جنوب كردفان" ، فشل نموذج الإستعمار الجديد وأحد أهم "فظائعه" علي السُودان ظهرت وتجلت في "إنفصال الجنوب" بموافقة ومباركة ودعم وتأييد هذا التحالف اليميني التقليدي "الطائفية والإسلاميين "زائداً من سنتعرض لهم في المقال القادم الشق الآخر من الفكر التقليدي المُتطرف المتمثل في اليسار التقليدي والمتخلف والذي يمثله "الحزب الشيوعي السُوداني وأحزاب البعث العروبية" .. خاتمة: الهدف من هذه المقالات هو الوصول لنتيجة أن السُودان الجديد وحتي يتخلص من كُل تشوهات الدولة القديمة وسيطرة العسكر والجهل والديكتاتورية والإستعمار يبدأ بهدم "المعبد القديم" و بالتخلص من كُل العقليات والأفكار التقليدية "المُتطرفة" و "المُتخلفة" ، وأن إنتصار الثورة الحالية التي تُنادي بالدولة المدنية الحديثة في السُودان ويمثلها "الشباب" و "لجان المقاومة" و "النساء" و "المهنيين" و"الديمُقراطيون" والناس "البُسطاء" في كُل السُودان يكون بالوصول لقناعة أن الدولة المدنية الحديثة الديمُقراطية فيه لن تقوم في وجود الكهنوت و المتطرفين و الأيدولوجيا اليمينية واليسارية وسيطرتها ، وسيطول الظلام والظُلم إن لم ننجح في ذلك ونؤمن جداً بأن الثورة مراحل وموجات وخطوات ، و أن الهدف النهائي يلزمه بعض الوقت و التضحيات ..
24 فبراير 2022 #دولةالحُكمالمدنيالحديثةفيالسُودان #العسكرللثكنات #ضدالجهلوالكهنوتوالتطرف #السُلطةسُلطةشعب #الثورةثورةوعيّ
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 02/23/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة