عمليات دهس الشباب الأعزل الثائر في الخرطوم بواسطة المدرعات العسكرية بينها المدرعة التي تحمل الرقم (٢٩٧٨٩) التابعة للجيش الحكومي في السودان في أم درمان بتاريخ ٦ يناير ٢٠٢١م بجانب قتل البعض الآخر بأعيرة نارية مباشرة - وكما أوردنا في خاتمة فاتحة هذه السلسلة - يضع القوى السياسية في الخرطوم في نفس مستوى الجيش السوداني الحكومي في التعاطي مع القضايا السودانية ما لم تغير هذه القوى نظرتها إلى هذا الجيش الذي تصفه تلك القوى بأنه مؤسسه عريقة نظيفة لا يجب المساس بها. لذا وجب أن تُلفت الحوادث البشعة لقتل السباب الأعزل في الخرطوم أول أمس من قبل الجيش تحديدا دون غيرهم من القوات، والتي هي الأخرى تواصل الأخرى في أماكن متفرقة ومتزامنة مع قتل الجيش ومؤتمرة بأمره، وجب أن تلفت جميع هذه الحوادث و تلك السابقات لها إلى حقيقة أن الجيش ليس كما تحاول هذه القوى تسويقه، وإنما هو مؤسسة إجرامية مسيسة تسيطر عليها أو تتخللها بعض قوى الخرطوم بدرجات متفاوتة للتأثير عليها و إستخدامها لخدمة أغراض و توجهات سياسية معينة، خصوصا أنه لم يكن سرا كيف تمت أدلجة هذه المؤسسة و المؤسسات الأمنية الأخرى التي أنشأت لذات الغرض في الفترة الأخيرة أو تلونت مرارا في الفترة ما بعد الإستعمار الإنجليزي-المصري، و ما خطاب الجنرال صلاح قوش إلى السيد صديق يوسف القيادي الشيوعي المعارض طالبا منه إنتداب بعض أفراد أسرته و من يرشحهم للإلتحاق بجهاز الأمن و المخابرات تحت إمرة الأول، إلا "بشهيد" يكشف علاقات هذه القوى مع تلك المؤسسات الأمنية المختلفة، ناهيك عن الأحزاب و المجموعات التي لم ينكشف أمرها بعد. خطاب مدير جهاز الأمن السابق السيد صلاح قوش إلى الزعيم الشيوعي السوداني بالنمرة / ج أ م و / م م ع - بتاريخ أكتوبر ٢٠١٨م – رغم رد السيد صديق يوسف الرافض لذلك - يبين بوضوح كيفية بناء هذه المؤسسات، وهذا بالطبع ينسحب إلى مؤسسات الجيش والشرطة بالدرجة الأولى، وكذلك علاقة القوى السياسية بهذه المؤسسات والدفاع المستميت عنها، وبالتأكيد سنقف مفصلا عند شكل وكيفية بناء المؤسسة العسكرية خلال هذه السلسلة. تصريحات قيادات قوى الخرطوم المعارضة للنظام السابق وقوى الحرية – الحاضنة السياسية للحكومة الإنتقالية بشكل أدق - المشيدة بالعسكر وقائدها العام الجنرال البرهان قائد إنقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م وتمجيده و وصفه على أنه جنرال ماهر و أن الجيش في أقوى حالاته و يجب دعمه، رغم مجزرة الإعتصام التي لا نمل تكرارها والحديث عنها، فهذه التصريحات تعد دليلا ضافيا إلى أن قوى الخرطوم لا تنطلق من منظور شامل للأزمة السودانية وإنما من منظورها المحلي الضيق مع بعض الأستجابة لبعض القوى المطلبية، فيما قد تنعدم رغبتها في الإستماع والإستجابة لقوى المقاومة التي لا ترى في مؤسسة الجيش ومليشياتها غير عصابات تحترف الكراهية والعنف والقتل ويقودها سماسرة همهم جني الأموال والمتاجرة بكل شيء بما في ذلك أرواح المنتسبين إليها، وقصص عشرات الآلاف المتوفين الذين تصرف مرتباتهم في هذه المؤسسة تشيب لها الولدان، رغم أن بعض الرؤى لهذه القوى التي لا تتخذ من الخرطوم مركزا لها، قد يكون المخرج الأوحد لما يعانيه السودان. كما أن تمجيد قوات – القوات المسلحة السودانية - ينظر على أنها قوات إجرامية من قبل مجموع كبير من المواطنين السودانيين يقدح في مسألة الحديث عن شعب سوداني موحد، لأن من أذاقته هذه القوات السحل والقتل والويل والعذاب لا يمكن أن تمثله قوى تمجد مصدر هذه البشاعات، خصوصا في مناطق الحروب والشباب السوداني الثائر اليوم والذي يسميها "قوات الاحتلال" وهو وصف أقرب إلى طبيعة المشكل السوداني في حال إقترن بالأساس الذي تشكلت عليه الدولة الحالية. يلزم قوى الخرطوم السياسية في هذه المرحلة وبعد تكشف الأمر - على العالم برمته - أن تطرح أسئلة جادة حول هذه المؤسسات وحول نفسها، وكيف يمكن أن تلعب هي نفسها دورا محوريا وإستراتيجيا في المساهمة في حل المشكل السوداني، بحيث أن تدرك أنها ليست كل أوحتى أن تكون محور السياسة السودانية كما أنها ليست من يصك إذن الفعل السياسي، و أن زمام المبادرة السياسة لا يمكن أن يكون فقط بيد من يتحرك وفق إطارها، وإنما يجب أن تراجع هذه القوى مسيرة هذه القوات و جرائمها في مناطق السودان المتفرقة، والتعامل مع الجيش السوداني على أنه نتاج للأزمة السودانية، وإعتبار إختلالاته البنيوية أعلى تجليات الأزمة السودانية، وهو ما قد يشكل بداية حقيقية لهذه القوى لتحرير نفسها، ومدخل أولي يمكنّها من النظر إلى المشكل السوداني بصورة شاملة، إبتداء من مسألة تزوير التاريخ بينه تاريخ إستقلال السودان و إزاحة حوالي نصف قرن من الزمان كانت بداياته تأسيس هذه القوات الإستعمارية التي لا تعرف معنى الوطن والمواطن، و لا تعرف في مهنيتها غير الولاء لمؤسسيها و قيادتها التي تتشاركها المصالح والجرائم. وأنه ليس من سبيل المصادفة، ولكنه أيضا يلاحظ أن القاسم المشترك بين تأسيس بعض القوى السياسية والجيش معا، يمتد إلى ما قبل تأسيس الدولة "المعاصرة" ومن رحم الإستعمار الذي يعتقد البعض بجلاءه في إعلان يناير ١٩٥٦م، لأن تاريخ إستقلال سودان (١٨٢١م – ٢٠١١م) كان يجب أن يؤرخ له بتحرير السودان ٢٦ يناير ١٨٨٥م حيث قيام أول حكومة سودانية، قبل الإنقلاب عليها ١٨٩٩م من قبل سودانيين مستغلين في ذلك قوى إستعمارية أجنبية وضعت لبنات سودان اليوم. يتضح – مما تقدم – أن بعض قوى الخرطوم ليست تتشارك الجيش تاريخ إنشاءه وحسب، وإنما يتشاركه بعضها جرائمه في مواضع عدة سنورد بعضها لاحقا، وهو ما يجعل هذه القوى في وضعية لصيقة جدا بالجيش ومؤسسات أخرى يتطلب إصلاحها إصلاح هذه القوى بالدرجة الأولى. لأنه وكما أشرنا ودللنا عليه بخطاب قوش المسرب وغيره، أن هذه القوى هي من أرست إلى حد ما قواعد البناء وطريقة الإنتماء إلى هذه القوات. ولهذا، فإنه يظهر أن القوى السياسية في الخرطوم في حوجة ماسة إلى إعادة صياغة نفسها وهيكلتها قبل الحديث عن إعادة صياغة أي من المؤسسات القائمة، لأن هذه المؤسسات هي الأخرى مجرد إنعكاس للقائمين على أمرها وأمر السياسة السودانية في المقام الأول، وأن الإتفاق على إختلال هذه المؤسسات هو إنعكاس لإختلال هذه القوى التي لا تنتهج غير الهروب إلى الأمام بحثا عن واقع مغايرا لحقيقة الواقع السوداني لقيام الدولة التي تنشدها. أوجه التشابه بين بعض القوى السياسية والجيش والتداخل في ما بينها يتطلبنا معرفة ودراسة القوى السياسية المختلفة بالقدر الذي يتطلب الوقوف على كيفية بناء و إدارة الجيش السوداني و المؤسسات الأمنية الأخرى في السودان، و كذلك السياسات التي تم إتباعها لصياغة واقع اليوم و هذا التعقيد الذي لا يمكن أن يتم معالجته أو تجاوزه باتباع ذات النهج الذي جعل من سودان اليوم بؤرة للتوتر و الحروبات و الفساد والعصابات وغسيل الأموال والإرتزاق والإجرام العابر للحدود بما يهدد حيات مواطنيه من جهة والأمن و السلم الدوليين من جهة أخرى.
يتواصل..
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 01/07/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة